هل تعلم أيها الأخ المحظوط بالاشتراك في هذه النشرة وقراءة تدويناتي أنه يجوز لك شخصيًا في بعض الحالات أن تحرق أوراق المصحف الشريف؟
ولذلك فإن الاستغراب من الغضب الإسلامي تجاه التافه الذي أحرق أوراق المصحف في السويد بحجة «لماذا نغضب ونحتج مع أن القرآن محفوظ؟» يبدو استغرابًا لا يخلو من بلاهة. فالغضب ليس خوفًا على أوراق المصحف، ولا خشية من أن القرآن سيختفي إذا أحرقه تافه هنا أو معتوه هناك. فهذا من المعلوم يقينًا أنه لن يحدث حتى لو تحولت الكرة الأرضية كلها إلى فرن عظيم لحرق أوراق المصحف، وإن اعتقدت يومًا أن القرآن لن يُحفظ وأنه معرض للضياع فإن اعتقادك هذا أشد بشاعة من الفعلة التي ارتكبها معتوه السويد.
المسلمون يغضبون لأن النية المعلنة هي إهانة رمز مقدس، ولأن هذه التصرفات تتم بمباركة ورعاية الحكومة في السويد. وحرية الغضب مكفولة لكل الكائنات الحية. قيل: من استُغضب فلم يغضب فهو حمار. مع شديد الاعتذار للحمار لإقحامه في مثل هذا النقاش عن بعض الأشخاص والعقليات التي نعلم سلفًا أن معاشر الحمير تمتعض حين تُقحم في مقارنات من هذا النوع. وهذا دليل أن الحمار يغضب أيضًا حين يُستغضب بترويج مثل هذه الحكم والأمثال التي تقلل من انفعالاته العاطفية.
يقول المدافعون عن «حرية التعبير» إنك تستطيع في السويد أن تحرق أي كتاب تريد وتهين أي رمز مقدس لأي دين، ومن حقك أن تسخر من الرسل والأنبياء والمعتقدات، ولذلك فإن الامتعاض من حرق أوراق المصحف ليس أكثر من تخلف يمارسه الظلاميون الذين لم يستنشقوا هواء الحرية الغربي.
وهذا ما يُفهم منه أنه يجب على كل سكان المعمورة أن يؤمنوا بما يؤمن به الرجل الأبيض ذو العينين الزرقاوين والشعر الأشقر. وأن طريقة تفكيره وتعريفه للحريات هي «المسطرة» التي يجب على الأمم المتخلفة القابعة في أقبية الظلام والرجعية أن تتخذها مقياسًا للصح والخطأ والحق والباطل. وأنه لا أحد يملك حرية رفض مفهوم الحرية البهيمية هذا.

في السويد نفسها التي تسبح في بحر الحريات هذا ليس من حق الوالدين تربية أبنائهما بالطريقة التي يريدانها، فالدولة هناك تصادر هذه الحرية البدهية الفطرية التي توجد عند كل الكائنات الحية التي تمارس التكاثر. لكن الإنسان وحده في السويد محروم من ممارسة هذا الحق. قد يحرم الأب من أطفاله لأنه مؤمن بحرية الاعتقاد ويريد أن يربيهم حسب مفاهيم الصواب والخطأ التي يؤمن بها. وهذا أمر تشترك فيه كل المخلوقات، فكل أبوين يعلمان صغيرهما ما تعلماه حتى يكبر ويفهم بعد ذلك بالطريقة التي يريد. الحصان مثلًا لا يعلم صغاره كيفية الطيران، ولا تعلم البطة صغارها كيف تصيد الفرائس. والمسلم لا يعلم أبناءه كيف يصبحون شواذ، والمسيحي لا يعلم صغاره أركان الإسلام الخمسة.
في مفهوم الحرية السويدية: أنت حر في أن تكون شاذًا ولكنك لست حرًا في مقاومة إرهاب الشذوذ.
الحرية كلمة فضفاضة، يمكن أن يختلف مفهومها من بيئة لأخرى ومن شعب لآخر، وفرض مفهومك الخاص للحرية على الآخرين ليس سوى إرهاب فكري متطرف لا علاقة له بمفهوم الحرية نفسها.
تخيل أن يسن جارك قانونًا في منزله يبيح شتم الآخرين بعبارات بذيئة ومنحطة. ثم يخرج لك أبناؤه يوميًا من نافذة منزله يوجهون لك حتى جدك السابع أبشع وأقذر الشتائم، وحين تغضب يخبرك أحد أبنائك التنويريين بأنك متخلف لأنك لا تفهم حرية التعبير التي ينتهجها جارك، وأن هذه الشتائم وفق قانون بيت جيرانكم لا تعد جرائم تستدعي غضبك غير المبرر.
لا يحق لك أن تشتكي ولا أن تتذمر، حتى لو قٌدر لك وأمسكت بجارك أو أحد أبنائه ثم فركت بوجهه الأسفلت تعبيرًا عن امتنانك لكمية الشتائم التي وجهها لك فأنت إرهابي ترفض التعايش مع الآخر ووجودك تهديد للسلم والاستقرار في حارتكم.
وخلاصة القول أيها الناس: القرآن موجود ومحفوظ حتى قيام الساعة، والمعاتيه الذين يظنون أنهم سيقللون من تأثيره وقدسيته باقون أيضًا. وسيبقى حب القرآن في قلوب المسلمين والغضب من محاولة امتهانه حتى يُنفخ في الصور. وكل من يحاول إهانة المصحف يحكم على نفسه بنفسه بأنه سيمضي بقية حياته يخاف من ظله «حرفيًا». والمعتوه الذي أحرق أوراق المصحف بهدف إهانته لم يحرق سوى طمأنينته الشخصية، وهذه حقيقة لا يمكنني تجاهلها حتى أبدو متسامحًا ويحبني السويديون.