المبالغة في علامات الترقيم مضيعة للوقت

أقدم في هذه العجالة ثلاثَ عشرة طريقة لإقناع الروائيين والروائيات العرب بالتخلي عن استخدام علامات الترقيم غير الضرورية ما أمكن.

الكتابة في المعهد الدومينيكي للدراسات الشرقية في مصر / Getty Images

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
5 يوليو، 2023

يعمد كثير من الروائيين والروائيات العرب إلى استخدام مجموعة من علامات الترقيم من أجل أن يحْوُوا داخلها أسماء الشخصيات وكُناها وألقابها وأسماء البلدان والتقاليد وغيرها. وهذه استعمالات أغلبها فائض عن الحاجة، بل إنها عادةً تشير إلى تصورات خطيرة عن الكتابة والأدب والرواية. وإجمالًا يمكن رد هذا الاستخدام إلى نزعة الشرح التي تمكنت من أقلام الروائيين والروائيات، وهي نزعة تخالف الكتابة الأدبية والروائية الخاصة، التي ينبغي أن تعتمد على الإظهار لا الإخبار.

لا يمكن أن نغفل حقيقةَ أن بقية اللغات، لا سيّما التي تعتمد الحروف اللاتينية، محظوظة بسماتٍ كتابية وطباعية تميِّز أسماء الأعلام مثلًا بالأحرف الكبيرة، كما لا يمكن تجاهل رسوخ بعض التقاليد الكتابية والطباعية في تلك اللغات، التي تؤدي وظائف إشارية مثل التحبير والإمالة وغيرهما، وهي تقاليد نادرًا ما تُستخدم عربيًا. ومع ذلك فمن الجليّ أنَّ الروائيين والروائيات العرب يستسلمون للنزعة الشارحة التي ترهق أقلامهم ولوحات مفاتيحهم وتثقل كواهلهم، فكتابة قوس أو علامات تنصيص ليس بالأمر الهيّن، وغالبًا يتطلب البحث عن زرّ (shift) المراوغ.

لهذه الأسباب أقدم في هذه العجالة ثلاثَ عشرة طريقة لإقناع الروائيين والروائيات العرب بالتخلي عن استخدام علامات الترقيم غير الضرورية ما أمكن:

  1. أهمية الاختلاف الثقافي بين أقطار العالم العربي متوهَّمة، أو على الأقل درجة تلك الأهمية. والتباين المعجمي، النسبي في أحسن حالاته، بين الأقطار لا يرقى إلى درجة الاختلاف الثقافي الذي يستلزم تدخُّل الكاتب. محمد آيت حنّا وعصام الشوالي سيقولان بين ظفرَيْن، ولكننا في المشرق العربي لن نجد مشقة في فهم أنهما يقصدان قوسين.
  2. طموحك في أن تترجَم طموحٌ مشروع. لكن تذكَّر أنك لستَ سفيرًا ثقافيًا لقطرك العربي في لغات أخرى محتملة. هذه الدبلوماسية المضاعَفة تجعل منك إنْ أجدتَها مرشدًا سياحيًا، ولا أظنك تقنع بهذا الدور أو تملك الوقت الكافي له. نعرف أنك تعاني من أنك لا تحظى بالتفرُّغ للكتابة، وأولى بك أن تركِّز في عملك وتحسن استغلال وقتك.
  3. من جديد، طموحك في أن تترجَم طموحٌ مشروعٌ، لكنه يجب ألا يشكّل لك هاجسًا كبيرًا وألا يوجّه أسلوبك وموضوعاتك في الكتابة. بهذه الطريقة لن تصبح إلا عنصرًا أدنى من هرم السلسلة الغذائية العالمي، تتغذى عليك الإمبراطوريات الأدبية لتكبر أكثر وتصغُر أنت أكثر.
  4. علامات الترقيم كما تعلم جزءٌ من الشكل. وإهمالك أهميَّة الشكل في العمل الروائي خطأ لا يُغفَر. وما دمنا نتحدث عن الاختلاف والترجمة، فإن هذا الإهمال يأخذ بُعدًا آخر وهو أنه يحصر الرواية في الموضوع. حصرٌ يصبُّ في الرؤية التي تُنيط بالمركز الغربيّ مهمة الشكل ولا ترى في الآخَر الهامشي سوى موضوعٍ روائي.
  5. الرواية ليست تكديسًا لعناصر ثقافية محلية، وهي بالطبع ليست طريقة بديلة لأنواع أخرى من الكتابة. ما يهمّ في الكتابة الروائية هو ما يصنع الكاتب بتلك العناصر، وكيف يصنع بها ما يصنعه. الشكل مرة أخرى.
  6. هذه العلامات تغرّب الموضوعَ عن العالم الروائي الذي تشيِّده، وتخلع عليه سمة خارجية وأجنبية، بحيث يبدو نتيجة معايَنة لا نتيجة استثمار فني لعناصر تحتوي عليها بيئة السرد. إنها تجتثه من عالم الرواية ومن لغتها ومنطقها، وحين تضعه فيها من جديد لا يعود جزءًا منها إطلاقًا.
  7. إذا أردت أن يحمل الموضوعُ بين علامات الترقيم دلالة مجازية أو رمزية، أيًّا تكن تلك الدلالة، فهذا من حقك بالتأكيد، ولكنك لست في حاجة إلى الإشارة صراحة إلى تلك الدلالة ورَكْزِ رايةٍ فوقها. المجاز بطبعه طريقة متفوقة من الإشارة. يكفيك أن تتقن الدلالة ولن يعدم القارئُ السبيلَ إليها.
  8. قد يكون استخدام علامات الترقيم بهذه الكيفية عادة وجدتَ عليها آباءك، لكنْ أنت آخر من يُتوقع منه أن يركن إلى العادة.
  9. لست معلّمًا. وحتى لو اضطلعت طوعًا بهذا الدور فويكيبيديا وأخواتها أكفأ منك.
  10. هناك متعة لا تضاهى يجدها القارئ في الاكتشاف والجهد المبذول في التعلُّم. إيّاك أن تسلبها منه.
  11. إن كنت تنوي حقًّا القيام بكل شيء، بما في ذلك تحصيل الحاصل، فما الذي تريد من قارئك أن يفعله؟ عندما التقط روايتك كان يطمح إلى أكثر من الاتِّكاء على أريكة.
  12. قارئك أذكى منك في الغالب، وربما كان أوسع منك اطلاعًا على أساليب الكتابة المختلفة وإنْ لم يقصد. ولذلك حريٌّ به أن يميِّز ما يبدو أنك تبذل جهدًا جهيدًا في تمييزه. في الغالب أيضًا، الفرق الوحيد بينك وبين قارئك أنك أقدمتَ على كتابة رواية.
  13. صراحةً انتهت الطرق التي يمكن أن تقنعك، ولكني أدرجت هذا الرقم لمجرّد مجاراة قصيدة والاس ستيڤنز المعنونة «ثلاث عشرة طريقة للنظر إلى شحرور».

اقرأ المزيد في الكتب
مقال . الكتب

الناشر المتباكي لا يحترم القارئ

يتعمَّد الناشر وضع القارئ في موقف لا يستطيع فيه المساس بالكتب العظيمة، مما يعوق تطوير الحسّ النقدي لديه.
حسين الضو
مقال . الكتب

كيف أثّرت نتفلكس في كتابة الرواية

لن ندّعي أنّ المؤلِّفَين قد كَتبا روايتيهما رغبةً في أن تتحوّل إلى مسلسلات. لكن ذلك لا يمنع من أنّها خرجت جاهزةً ليقتبسها صنّاع نتفلكس.
محمد آيت حنا
مقال . الكتب

هل جرَّبت سياحة الكتب من قبل؟

العالم الحقيقي يكمن في الخارج، حيث تكمن القراءة الحقيقية، أما الكتب والمكتبات فهي محاولات لتفسير هذا العالم وفهمه.
سامي البطاطي
مقال . الكتب

أين يذهب ما نقرؤه وننساه

إن ما ننساه لا يذهب هباءً، ولكنه جزء من نسيج حياتنا، كامن في سلوكنا. يظهر في مفردات جديدة، وفي تحليل نقديّ لم نخطّط للحصول عليه.
نوال القصيّر
مقال . الكتب

أمناء المكتبات ينتمون إلى خانة الأبطال

المكتبة ليست مجرد رفوف وورق يؤدي وظائفه التشغيلية والمادية، بل هي الحيز النابض الذي يكفل للبلاد والشعوب الذاكرة الجمعية.
إيمان العزوزي
مقال . الكتب

الأدب العماني والغُربة عن النفس

لقد تعلمت من القافر أن أثق بصوتي وحدسي ورغباتي الصالحة، وألاّ أواجه نفسي بالتشكيك دون طائل، وأن علينا التحلي بالشجاعة لمواجهة هذه الغربة.
نوال القصيّر