في عام 1925، اشترت خريجة جامعية في أوهايو نسخة من مجلة نيويوركر وقرأتها من الغلاف إلى الغلاف، ثم أعادت القراءة مرَّة أخرى، هذه المرة برفقة قلم أزرق. لما أنهت القراءة الثانية وصححت كل خطأ لغوي فيها لُطِّخت صفحات المجلة كلها باللون الأزرق. أرسلت نسخة المجلة بالبريد إلى هارولد روس، كبير محرري المجلة وأحد مؤسسيها، فلما قرأ النسخة استشاط غضبًا وصاح: «اعثروا على هذه الحقيرة ووظِّفوها!».
بعدها، ولما يزيد على خمسين عامًا، لا تصدر طبعة من نيويوركر إلا إذا مرَّت على المدققة اللغوية إيلانور قولد. وبطبيعة الحال لم تكن إيلانور من الناس المفضلين لدى الكتَّاب، الذين كثيرًا ما يستشيطون غضبًا، وبعضهم يصيح كما الأطفال، من تصحيحاتها التي تملأ الهوامش.
تذكرت هذه القصة التي أوردها كاتب نيويوركر جون ماكفي في كتابه «المسوَّدة الرابعة» (Draft No.4) مع هبوب «زوبعة تويتريَّة» على إدلاء الأستاذة هنادا طه برأيها في التنمُّر اللغوي في فضاء التواصل الاجتماعي العام. ورأي الأستاذة هنادا أنَّ إجابتك على تغريدة بتعليقك على ما فيها من خطأ لغوي، أو أخطاء، يُعد تنمُّرًا على «صاحب التغريدة».
لنتفق أولًا على هاتين الحقيقتين: أولًا، وقوع الأخطاء اللغوية أمرٌ وارد على أعرق الإصدارات الأدبية والثقافية، ووارد على أعظم الكتَّاب، لذا بالتأكيد ستكون واردة على التغريدات، (وصدقني حتى نافذة تحرير التغريدة لنصف ساعة بعد نشرها لن تنقذك كل مرة.)
ثانيًا: الإشارة إلى الخطأ اللغوي تستفز أي كاتب، وأحيانًا تفقده صوابه! فالخطأ اللغوي في طبيعته خطأٌ جارح، وهذا ما نجده في مقدمة الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي لكتاب «الأنساب» للسمعاني، إذ يتوجَّس من عثور القارئ على خطأٍ لغوي فلت من تصحيحه، «أنا أكره ذلك حتى أني أرى الغلطة في الكتاب الذي طُبع بتحقيقي فينالني حزنٌ غير هيِّن.»
تساعدنا الحقيقة الثانية على استيعاب إشكالية «التباس مشاعر الحزن والغضب من الخطأ اللغوي بالشعور بالتعرض للتنمُّر» بعدما انتقلت تلك العملية إلى فضاء منصات التواصل الاجتماعي، وبخاصة تويتر. مثلًا، لدى ترجمتي قصيدةً أعجبتني ونشرها فورًا في تويتر وإنستقرام، حدث أكثر من مرة أن علَّق أحدهم على وجود خطأ لغوي إما بمنتهى اللباقة أو منتهى الازدراء. وبعضهم يرسل إليَّ التصحيح مشكورًا عبر «الخاص».
لكن هل كنت أعد نفسي «ضحية تنمُّر» في كل تلك الحالات؟ لا، بعضها فقط.
وهنا المحك في التمييز بين رغبتك التصحيح من باب تنبيه «المغرِّد» أو تعمُّدك إحراجه والاستعلاء عليه. والحالة الثانية هي ما كانت تقصدها الأستاذة هنادا في لمحتها اللغوية: التنبُّه على النيَّة الأخلاقية وراء تصحيحك الخطأ اللغوي.
أصحاب بعض ردود الفعل المعترضة على «تغريدتها» أثبتوا صحة رأيها. وبدلًا من التعليق باحترام وتبيان حجة اختلافهم مع رأيها ومكمن الالتباس فيه نزحوا إلى التنمُّر عليها وعلى «ابتسامتها»، بل لم يستطع بعضهم كظم غيظه من تولِّيها كرسي اللغة العربية في «جامعة زايد». (من الصعب إغفال «التنمُّر الذكوري» الذي تفضحه بعض تلك التعليقات ضدها).
حين سئلت إيلانور قولد عن نيتها وراء كل هذه التصحيحات على مدى خمسة عقود، أجابت بأنَّ نيَّتها دومًا مساعدة الكاتب على تحقيق أفضل نسخة من نصِّه دون أن يكسر قواعد اللغة الإنقليزية التي تبجِّلها.
لذا من حقِّك أن تخشى على اللغة العربية التي تحبّها وتبجّلها من بشاعة الأخطاء اللغوية، وأن تصحّحها أينما وجدتها، لكن ليس من حقِّك أن «تقبِّح» اللغة العربية الجليلة ببشاعة تنمّرك على الآخرين وتعمُّدك إهانتهم وإيذائهم، حتى لو حافظت على قواعد النحو والبلاغة مَصونة من الخطأ لدى كتابة «تغريدتك».
مقالات أخرى من نشرة أها!
التطوُّر يزداد والاكتئاب يزداد
نعيش عصرًا تصبح فيه الحياة أسهل كلَّ يوم، مع ذلك نشهد ارتفاعًا غير مسبوق في نسب الاكتئاب. وكأنَّ الإنسان ضاقت به الحياة بكلِّ تقنياتها.
تركي القحطانيعذرًا، التحوُّل الرقمي لا يسمح!
ظهرت موجة تعرف بـ«التحول الرقمي»، وهي محاولة رقمنة كل الإجراءات والمعاملات اليدوية، هنا بدأت تحديات جديدة وبدأنا نسمع جملة «النظام لا يسمح».
أنس الرتوعيأنا مدمنة بنج
تتصاعد الضغوط في حياتنا ونجد في مشاهدة منصات مثل نتفلكس وسيلة إلهاء بما تقدمه من إثارة وكوميديا. لكن اعتمادنا عليها قد يشكل خطرًا علينا.
إيمان أسعدأنت لست وظيفتك
المرة التي أسأل بها «ماذا تعملين؟» سأعرّف نفسي بأني جزء من كل تلك الأدوار التي ألعبها كامرأة عاملة وأم وابنة وأخت وصديقة وقارئة وكاتبة.
سحر الهاشميأنا وتك توك ودموعي
إنَّ بقاء تك توك على هاتفي مسألة وقت، لأنه مرتبط ببحث شخصي وسأودُّعه، وأكفكف دموعي بعدها وأخرج من مزاجي الحزين.
ثمود بن محفوظاختر بطاقتك الائتمانيّة بعناية قبل سفرك
أداتك في دفع مصروفات سفرك تستحق منك التفكير والوعي بمتطلباتك، ثم البحث عن أفضل بطاقة تدفع فيها أقل رسوم ممكنة مع أكثر فائدة لك.
تركي القحطاني