فُتِنْتُ بمفهوم «المشي بالصوت» (Soundwalk) في اللحظة التي اقترحها علينا مدرِّسي بالجامعة كأحد التمارين الفنية التي نشحَذُ بها حواسّنا. ليس لمجرد سهولته وعدم تعقيده فقط، بل لأنه لا يتطلب أي تجهيزات أو خبرات سابقة، ويمكن ممارسته في أي زمانٍ ومكان. فقط استمِع!
يخبرنا براين ريسنيك بأن كثرة الاعتماد على كاميرات الجوالات تُخرِّب ذواكِرنا وتفسد متعتنا عند تجربة شيء معيّن؛ لأننا بالاعتماد على الجوال فقط لحفظ التجربة هذه نعطِّل بقية الحواس التي تحفظ جزءًا مختلفًا من التجربة.
فلكل تجربة أصواتٌ وروائحُ وأشكال ومَلامِس، ولا يمكن، على الأقل حتى الآن، لجهازك الذكي أن يخزِّن كل هذه الأحاسيس والمشاعر المصاحبة لها. لذا تنتهي هذه التجربة بمجرّد صورٍ وفيديوهات خاوية من أي روح ومتعة، وتبقى مع ذكرى ناقصة لتجربة بديعة قد مررتَ بها.
وتذكر أنتونيلا راديتشي أنَّ مفهوم المشي بالحِس كممارسة فنية لفهم المدن والمساحات المفتوحة انتشر في منتصف القرن الماضي. يعني أن تمشي مع تركيزٍ كامل على حاسة واحدة، كالمشي بالشم (Smellwalk) أو المشي بالضوء (Lightwalk) أو المشي بالصوت (Soundwalk).
أما مصطلح المشي بالصوت فقد استحدثه العازف الكندي موراي شافر في سبعينيات القرن الماضي كجزء من الممارسة الفنية لمشروع «المشهد الصوتي حول العالم» (World Soundscape Project)، والذي حاول من خلاله فهم الظواهر الصوتية في كندا وأوربا وتقويم نوعية الأصوات في كل منطقة.
المشي بالصوت يعني أن تمشي في مكانٍ ما، مركِّزًا على الأصوات المحيطة بك فقط ومحاولة التعرُّف إلى خصائصها. اسأل نفسك أسئلةً من قبيل: من أيِّ مكانٍ أتت وإلى أين تنتهي؟ هل طبيعتها حادة أم ناعمة؟ هل هي صاخبة أم هادئة؟ سعيدة أم بائسة؟ يمكن أن تكون هذه الأصوات أي شيء، كالسيارات و«بواريها»، وصوت صاحب الفوّال ينادي باسم الطلب في الصباح الباكر، وصوت سَعَفِ النّخيل يترنحُ مع هواء الصيف، أو صوت أم توبخ ابنها الذي سكب عصيره للتو على السيارة، أو أصوات البلابل في حدائق الحيّ، أو أصوات ضحكات مجموعة أصحاب يضحكون مِن «حشّةٍ» بينهم، أو أصوات خطواتك وخُطى الناس من حولك.
بعد عدّة مرات لخروجي (على الفرّة بالصوت)، شعرتُ بأنَّ للأماكن وللمدن وللقرى شخصيّاتها الصوتية الخاصة بها، تختلف اختلافَ بصمات الأصابع عند الإنسان. جرّبها وستبدأ بالربط بين المكان وأصواته، ويمكن أن يفتح عليك المشي بالصوت آفاقًا جديدة لعيش التجارب اليومية. ولا تنسَ يا صديقي، قبل أن توثِّق اللحظة في جوّالك، عِشْها أولًا.
مقالات أخرى من نشرة أها!
تحيا الإقطاعيّة الإلكترونية
تطوَّرت الرأسمالية إلى وحشٍ مجهول متعدد الرؤوس يصعب التوقع به حتى في أعين أعتى الرأسماليين. رؤوسه المنصات الرقمية الكبرى، وأشرسها ميتا.
إيمان أسعدتأمَّل ما أنجزته حتى الآن
الإنسان يبحث عن تحقيق ذاته من خلال ما يمكن له إنجازه في سباقٍ مع الزمن، فلا نكترث كثيرًا بالماضي قدر انشغالنا بهموم المستقبل.
أحمد مشرفمحاولتي الإقلاع عن إدمان الدونات
أنا أحبُّ الطعام، فهو نعمة غالية ودلالة خير وحب واكتفاء وأمان؛ لكن بإهمالنا بناء علاقة صحيّة معه نحوله إلى نقمة وابتلاء في العافية.
ياسمين عبداللهاستخدمت «جي بي تي» في بحثي ونلت امتياز
أزعم أن كل ما رأيناه من استخدامات معقدة لـ«تشات جي بي تي» حتى الآن ما هي إلا غيضٌ من فيض؛ وأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرَّد «هبَّة».
حسن عليارتدي قناع «التَّمَسْكُن» في الوظيفة
«لغة التَّمَسكن» لا تقتضي بالضرورة افتقاد الموظفة إلى الحزم، بل يبين مدى اهتمامها بالطرف الآخر، مما يبني فريق عمل صحي ويحقق نتائج عمل أفضل.
إيمان أسعديوتيوب ترميك من الطائرة
ما يزعجني حقًّا النظرة العامة إلى من يقدم على رمي نفسه من طائرة على أنه شخص مغامر وجريء. وفي المقابل، يصبح من لا يجرب ذلك شخصًا مملًا.
أنس الرتوعي