حققتُ إنجازًا كبيرًا يوم أمس، إذ أحضرت وجبة الإفطار من المطعم مشيًا على الأقدام. لا، لم تكن رحلة ماراثونية على الإطلاق، فالمطعم يبعد عني 200م تقريبًا؛ أي ما يعادل ثلاث دقائق من المشي.
لكنها تعادل أيضًا الانتقال الدائم بين جانبي الطريق تجنبًا للنفايات والسيارات التي قرر أصحابها ركنها عموديًا –بسبب قلة المواقف الناتجة عن تمدد المدن عموديًّا هي الأخرى– و«أكلت» ثلث الطريق، ليجبروني على المشي في منتصفه. وأيضًا تجنبًا للأشجار المهملة والمتدلية التي قد تفقأ عينك وأنت مطأطئ الرأس تختار أغنيتك التالية على الجوال.
وأخيرًا، عبور شارع عام من منتصفه وأنا أمسك بجيوبي كي لا أخسر حاجياتي وأنا أركض تجنبًا للدهس.
بينما تُعد رحلة المشي على الرصيف أمرًا اعتياديًّا في بقع أخرى من العالم، تكون هنا -حيث أعيش- مغامرة صعبة تتآمر فيها نواميس الطبيعة والمعمار المعادي للإنسان لتبقيك جالسًا على الدوام إما على أريكة أو مقعد سيارة وإما على كرسي مطعم أو مقهى. فغيابُ الرصيف عن مخططات الأحياء يستبطن توقُّع مصممها عدم مشيك فيها، أو ربما عدم مشيك على الإطلاق.
عندما عشت مغتربًا في مناطق مختلفة من العالم كان المشي شكلًا من أشكال العزلة الإيجابية، حيث أتكور على رأسي وأفكاري وسط الناس. كانت فرصة لتأمل العلاقة بين ذاتي ومحلها من الطبيعة، وعلاقتها بالأرض التي تقطنها، لأعود بعدها للشقة بمزاج متحسن وشعور بالاندماج بيني وبين محيطي.
وهذا ما أفتقده هنا، لذا قررت إضافة المشي بصفته إجراءً روتينيًّا استغلالًا لتحسّن الجو. وأول ما تنبهت إليه هي العلاقة المضطربة بين حواسي والطبيعة من حولي. لا أذكر آخر مرة استنشقت فيها هواء هذا المكان ورائحة شوارعه، ملمس الهواء وهو يهُبُّ في وجهي، أو صوت البحر. بل وجدت في صوت طفلة تخاطب أمها لحظةً رومانسيةً بيني وبين المكان الذي كنت لا أراه إلا عبر صندوق محكم الإغلاق.
لماذا إذن لا نبحث عن حلول تعيد هذه العلاقة أو جزءًا منها؟
في مدينة «كالقاري» في كندا –ذات مناخ لا يرحم– بنى مهندسوها «داون تاون» موازيًا يكون مغلقًا وبممرات زجاجية ممتدة على مساحة كبيرة تتيح لسكانها تجربة التنقل فيه بأكمله مشيًا على الأقدام. ليس ذلك بالبديل المثالي، لكنه بديل يُبقي على شيء من الاحتكاك البشري بين سكان المجتمع الواحد.
فغياب الرصيف عن مدننا لم يكن هجومًا على صحتنا البدنية والنفسية فقط، وإنما هجومًا يفتك بعلاقة الفرد بأرضه وطبيعتها، وبنسيج مجتمعنا.
مقالات أخرى من نشرة أها!
صانع المحتوى يلحق جزرة الخوارزميّات
لم «تجبرني» إنستقرام على التحوّل إلى الريلز، لكنها بالتأكيد مارست عليّ «الإجبار الناعم» من خلال «دندلة» جزرة الانتشار أمام عينيّ.
إيمان أسعدهل علاقتنا بالطعام تُقاس بالسّعرات؟
مئة سعرة حرارية من تفاحتين تحتوي على ألياف وفيتامينات، بينما المئة نفسها من مشروب غازٍ لا تحتوي على أية قيمة سوى الماء والسكّر.
رويحة عبدالربلماذا لا يعوّض البنك ضحية الاحتيال؟
بالنسبة لعمليات الاحتيال التقنية الخارجة عن إرادتك، ستكون مسؤولًا عنها حتى يتثبّت البنك من عدم وجود أي تفريط أو تقصير منك.
تركي القحطانيسائح بين نفايات الفضاء!
إذا كنت تمني نفسك بخوض غمار رحلات السياحة الفضائية، فعليك أن تجهز نفسك للمخاطر المحتملة. مخاطر تتجاوز احتمال تعطل مركبتك الفضائية.
أشرف فقيهأربعينية تودِّع السينما
مع عودة صالات السينما بعد انقطاع أكثر من عام نتيجة الجائحة، تغيب شريحة من المشاهدين فقدت حماس المشاهدة السينمائية بعد عثورها على خيارٍ آخر.
إيمان أسعدماكينة الخياطة وتطبيق «توكَّلنا»
عملية التعليم متبادلة وتربط بين جيلين؛ الأول يأتي بخلفية ثقافية عريقة ومهارات يدوية، والثاني بمعرفة التقنية الحديثة والأجهزة الذكية.
رويحة عبدالرب