الكاتبة التي أطاحت بالأمير هاري

تمنح منصات النشر الحديثة الكاتب المغمور فرصة للظهور والتعريف بنفسه، كما تساعده على إيجاد جمهور عريض من القراء.

الكاتبة الجزائرية سارة ريفانس / Sarah Rivens

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
12 أبريل، 2023

لم يعد النشر يعتمد فقط على قنواته التقليدية، تلك التي تتطلب كثيرًا من الوقت والجهد والصبر ورسائل القبول والرفض ليصل الكتاب إلى القارئ، ولم يعد هذا الأخير خاضعًا لسلطة دار النشر التي تقرر بشأن عناوين الكتب ومواقيت صدورها. لقد انفتح القارئ على مصادر أخرى أشدّ حرّية وسرعة في تداول الكتابات الإبداعية، تتمثل في منصات الكتابة على الإنترنت، وأشهرها المنصة الكندية «واتباد» (wattpad).

تمنح هذه المنصات الكاتب المغمور فرصة للظهور والتعريف بنفسه، كما تساعده على إيجاد جمهور عريض من القراء، وترغمه على اتباع روتين يومي للكتابة ينظّم من خلاله وقته مسايرة لانتظارات القراء، أولئك الذين لا يبخلون عليه بتعليقات آنيّة تساعده على تطوير أسلوبه وتفادي هفواته. وعلى رغم كل هذه الإيجابيات لا تخلو المنصات من نقائص تؤثر في مردوديتها الإبداعية، كالقرصنة السهلة والانكماش حول الرومانسية كجنس سرديّ مهيمن.

النجاح الذي يحققه الكُتَّاب الشباب ضمن هذه المنصات لفَت دور النشر إليهم، منحت المنصات بُعدًا آخر للكاتب مختلفًا عما عهدناه، وفرضت بذلك تعريفًا جديدًا له ينازع الدَّوْر الذي تحكّمت فيه سابقًا دور النشر، فقد باتت هذه الأخيرة هي من يسعى إليه، والكاتب يفرض عليها أعماله؛ مستفيدًا من نجاحه المتأصّل مع جمهور تحوّل إلى طائفة ومريدين. ويستغل هذا الجمهور العريض من القراء وسائل التواصل الاجتماعي كالإنستقرام والتك توك حاملًا كل أسلحته للدفاع عن كاتبه والترويج لأعماله. وتستغل دار النشر هذه القاعدة الشعبية الثابتة لإصدار الكتب دون الاكتراث لهموم الإعلان ورقم المبيعات المضمون سلفًا.

تعد سارة ريفانس مثالًا ناجحًا لعلاقة كاتب «واتباد» ودار نشر، فمن تكون هذه الكاتبة الشابة التي استطاعت أن تزيح أهم كتّاب فرنسا عن عرش المبيعات، وأطاحت كذلك بالأمير هاري ومذكراته «البديل» (Spare)؟

تبلغ سارة من العمر أربعًا وعشرين سنة، تقطن الجزائر العاصمة، وتعمل موظفة إدارية بإحدى الصالات الرياضية فيها، أحبّت سارة الكتابة مذ كانت صغيرة، وشرعت وهي في سن التاسعة عشرة في نشر كتاباتها الأولية على منصة «واتباد» تحت اسم مستعار «الفتاة المشوّشة» (The Blurred Girl)، ّوشجعها النجاح الذي لقيته نصوصها على أن تبدأ مشروعها الكتابي الضخم الذي غيّر حياتها عبر نشر فصول متسلسلة من روايتها «الرهينة» (Captive).

تنتمي سلسلة الرهينة إلى ما يُعرف بالرومانسية السوداء، وهو الشكل السائد على منصات الكتابة كما ذكرنا سلفًا؛ لِما يلقاه من قبول وشهرة في أوساط الشباب، ويجمع هذا النوع من السرد بين مفاهيم الحب والعنف، وغالبًا يكون السياق عالمًا أسود مشحونًا بالصراعات بين رجال العصابات ولعبةٍ بين كراسي القوة والسلطة، تتخلّله قوة ناعمة تخفّف قليلًا من ثقل العنف. كتبت سارة عملها بلغة فرنسية بسيطة تشبه تلك المتداولة بين الشباب، ولكي تدغدغ مشاعر القارئ الفرنسي اختارت أسماء شخصياتها وفضاءها المكاني من أمريكا.

بلغ عدد قراءات الجزء الأول من الرهينة تسع ملايين قراءة، وحصل الجزء الثاني منها على ثماني ملايين قراءة، هذا النجاح الساحق بلغ مسامع أعرق دور النشر الفرنسية المتعددة الفروع (Hachette)، من خلال فرعها (Hlab) المتخصص في اكتشاف المواهب الشابة النشطة في القنوات غير الاعتيادية للكتابة ونشر أعمالهم رقميًّا، تعاقدت الدار مع سارة وشرعت في نشر أعمالها تحت اسم مستعار «ريفانس»، إذ تفضّل سارة الاحتفاظ باسمها الحقيقي بعيدًا من الشهرة. راهن القائمون على الدار على موهبة سارة وعلى قاعدتها الشعبية، وغامروا بإصدار عملها الأول رقميًّا، على رغم وجوده المسبق بالمجّان على الإنترنت، وكسبوا الرهان، حيث بيع منه 180 ألف نسخة.

النجاح الرقمي لـ«الرهينة» أكسب الدار الثقة بكاتبتها الواعدة، وانتقلت من الرقمي إلى منح الرواية وجودًا ورقيًّا في السوق، عرفت نسخ الجزئين نجاحًا كبيرًا في المكتبات، وحطّم الجزء الثاني أرقامًا قياسية في أسبوعه الأول. وقد فاجأ وجودها الجميع بمن فيهم الكتاب الفرنسيون الكبار الذين عوّلوا على تصدر كتبهم المراتب الأولى على رأس المبيعات، كما تجاوزت سارة أرقام مبيعات كتاب «البديل» للأمير هاري، حيث أقنع الجزء الثاني من «الرهينة» 53,257 مشتريًا مقابل ما حققه «البديل»، وهو 21,383 مشتريًا في الأسبوع نفسه.

نجاح الإصدار نقَل سارة ديفانس من خلف الشاشة إلى موائد التوقيع في أضخم المكتبات الفرنسية أمثال (Fnac)، المكتبة التي حلمت سارة بزيارتها يومًا ما، ليتحقق الحلم بأفضل تجلياته وتصبح أهم كاتبة يحجّ إليها مئات القراء لتوقّع نسخهم، وتترجم أعمالُها حاليًّا إلى تسع لغات، لتصبح أكثر كاتبة جزائرية مقروئية بالعالم، متجاوزةً ياسمنة خضرا. تثني إحدى الأمهات على الرواية بقولها: «رغم الإفراط في العنف الموجود بالرواية إلا أن ابنتي بفضل ريفانس شرعت في القراءة.»

وعلى رغم هذا النجاح الباهر الذي تعيشه هذه الكاتبة الشابة، التي حركت سوق المبيعات وضخّت فيها دماء جديدة وأموالًا تجاوزت ثلاثة ملايين يورو ونصفًا ، إلا أن أقلام النقاد والإعلام الأدبي لا تكترث لهذا النوع من الكتابات، وتتجاهله وتقصيه من الحديث في الدوائر الثقافية، فمهما بلغت أرقام المبيعات ستبقى سارة ريفانس كاتبة آتية من «واتباد»، وتكتب في جنس أدبيّ لا يرقى لينافس أعرق الأقلام والأساليب الأدبية الفرنسية، ويرى لكبار أن هذا الهيجان ليس سوى موجة تحمل ربحًا انتهازيًّا لدور النشر، وستنتهي قريبًا، مفسحة المجال لعودة الكبار مجدّدًا للسيطرة على المشهد الأدبي.


اقرأ المزيد في الثقافة
مقال . الثقافة

ثمانية أسئلة مع طيّار

نستضيف الطيار المدني عبد الحميد الفضل، ليجيب على أسئلتنا عن مهنة الطيارين والتحديات والمواقف التي واجهته خلال مسيرته المهنية.
أيمن الحمادي
بودكاست أرباع . الثقافة

هل تعرفه؟ نعم. هل يعرفك؟ لا.

العلاقات التعلقية هي علاقات طبيعية والمشاعر الناتجة عنها طالما لم تقد إلى أفعالٍ مؤذية هي مشاعر طبيعية، فما الضير من أن تحزن أو تتعاطف مع المصائب التي...
الوليد العيسى
مقال . الثقافة

المواعظ آخر ما يودّ المكتئب سماعه

لماذا لا يساعد ذكر مصائب الاخرين الأشدّ قسوة، وتذكير المكتئب أنّه أفضل حالًا من كثيرين غيره، وأنّ كثيرين مروا بظروفٍ أصعب وتجاوزوها، في التّخفيف من الاكتئاب
همام يحيى
فلم . الثقافة

كيف طفرة أنقذت المجتمع السعودي؟

في هذا الفلم من «جينوم» نوضّح كيف أنقذت الأنيميا المنجلية السعوديين من الموت، وماذا يحدث لو تغيّر حرف واحد في جيناتك؟
فارس الفرزان ، الوليد العيسى
مقال . الثقافة

سطوة الاحتياج إلى القبول في الشبكات الاجتماعية

لست أحاول هنا الوصول إلى حياة خالية من سلطة «رأيكم يهمني»، لأن هذا مستحيل. ولأننا كائنات اجتماعية مجبولة على طلب القبول الاجتماعي.
حاتم النجار
مقال . الثقافة

تجربة بريطاني في مواقف سيارات سعودية

عندما ذهب البريطاني ويليام ريدجواي إلى المملكة العربية السعودية، ظنّ أنّه عاد للعصور الوسطى في أوربا، لكن ما حدث كان عكس ما تخيّل تمامًا.
روان الفريح