تدور سهرتي العائلية مع أمي وإخوتي، عادةً، حول محاولة حلّ بعض الألغاز الخفيفة والمسلّية، وفي تحدّيات بيننا في المعلومات العامة. فقد نشأتُ على هذه العادة منذ طفولتي، عندما كُنّا نجتمع حول التلفاز لنشاهد برامج المسابقات الثقافية، وأذكر أنني لمّا كنتُ في الابتدائية اتصلتُ وشاركتُ عبر الهاتف في برنامج «سباق المشاهدين» الذي كان يقدِّمه المذيع حامد الغامدي.
انتشرت برامج المسابقات المعرفيّة انتشارًا كبيرًا في الثمانينيات والتسعينيات، وكان شهر رمضان الفضيل موسمها السنوي، وأذكر منها برامج مثل: «حروف» و«بنك المعلومات». هذه البرامج وغيرها كوّنت لديّ ولدى أبناء جيلي حصيلة معرفية وافرة ومتنوعة من المعلومات، وفتحت الباب أمامي كطفل للتعرف إلى كثيرٍ من المواضيع والأفكار والعلوم التي كانت محصورةً بين صفحات الكتب العلمية الضخمة.
بعدها، في مطلع الألفية، ظهرت مجموعة جديدة من برامج المسابقات، مثل «من سيربح المليون» و«وزنك ذهب»، وكان المختلف في هذه البرامج جودة إنتاجها العالية مقارنة بالبرامج التي سبقتها. لكنها في الوقت نفسه أضحت برامج ترفيهية أكثر من كونها برامج ثقافية، مع وعدها بتحقيق الثراء للمتسابق.
استمرَّت المسابقات التلفزيونية طوال السنوات الماضية في الاتجاه أكثر نحو الترفيه، حتى أصبحت برامج تافهة لا تزيد من حصيلة المشاهد المعرفية في أي مجال، بل تُسطِّح تفكيره. فنوعية الأسئلة أصبحت تتطلب الإحاطة بمعلومات عن حياة المغنيين والممثلين، وتنأى تدريجيًّا عن الأسئلة العلمية والتاريخية. وتُشيع من طرْفٍ خفيّ أن الذي يتتبع أخبار المشاهير هو المثقف العارف بأحوال العالم المهمّة، حسب وجهة نظر منتجيها.
لكني وجدت مؤخرًا، في غمرة مقاطع المقالب والتحديات التي اكتسحت يوتيوب، بعض البرامج النوعية التي أعادت إليّ ذكريات الزمن الجميل، منها برنامج «تحدي الثلاثين» الذي يقدمه اللاعب الكويتي السابق مساعد الفوزان. فقد نجح البرنامج في إيجاد عامل جذب جديد للمشاهد بجعله يترقّب قدرة الضيف على التذكّر، أو على تقديم أقصى عدد ممكن من المعلومات حول كرة القدم في مدة زمنية قصيرة. ويمكن لك ولعائلتك المشاركة في هذا التحدي والاستمتاع به.
لكن حتى مع وجود برامج مثل «تحدي الثلاثين»، فمن المستبعد أن تعود برامج مثل «سباق المشاهدين» و«بنك المعلومات» إلى قائمة مشاهدتنا، فقد كانت برامج المسابقات تجذب المشاهد لأنها تُدخِله في حالة من الترقب والانتظار للحصول على الجواب، واختبار مدى معرفته بالمعلومة. واليوم، مع سهولة الحصول على المعلومات، خفَتَ وهج برامج المسابقات بعد أن أصبحت كل الأجوبة متاحة للمشاهدين عبر الإنترنت.
كذلك، فإن الطابع الترفيهي لمفهوم المحتوى المرئي أصبح المحرك الرئيس لكل برامج المسابقات، وربما لكل أنواع المحتوى، فهو الذي يجلب المشاهدين وبالتالي يجلب الرعاة الذي يدفعون الأموال. أما في الثمانينيات والتسعينيات فقد كانت برامج المسابقات تقدم على محطات التلفاز الحكومي ولم يكن هدفها الربح، لذلك كانت قيمتها المعرفية عالية، وتحديًّا عائليًّا لا نزال نحتفظ بذكرياته!
مقالات أخرى من نشرة أها!
نشرة أها! ترحّب بانضمام أوكتافيو الاصطناعي
«جي بي تي» لا يكتب بالفطرة، ولا يكتب انطلاقًا من تجربة شخصية. هو يتغذى على مجموع ما كتبناه نحن البشر في الإنترنت.
إيمان أسعدكيف تظهر فخامة عيال النعمة في ثيابك؟
اتجهت معظم بيوت الأزياء العالمية إلى إنتاج قطع كلاسيكية وعملية جدًا، تجلب إحساسًا بالحصرية بناءً على القيمة الجوهرية للمنتج.
سحر الهاشميلماذا كُعَيْكات المواقع مصممة بطريقة «تنرفز»؟
بياناتك على الإنترنت لها قيمة كبيرة عند الشركات. وفي عالم الأعمال، من يملك البيانات يملك القوة والمعرفة اللازمتين لتنمية أعماله.
حسن عليلماذا نسينا كورونا بهذه السرعة؟
بين إصابتي المتأخرة بكورونا وعدم نيلي التعاطف المتوقع، وبين مرور خبر منظمة الصحة العالمية دون اهتمام، تنبَّهت أننا نسينا كورونا بسرعة!
أنس الرتوعيكيف نتصدَّق إذا اختفى الكاش؟
اكتشفت أنَّ تناقص الكاش في محفظتي إنما انعكاسٌ لتناقص الكاش عالميًّا، والشاهد الأول مطبعة «دى لا رو»، أكبر مطبعة عملات ورقيَّة في العالم.
إيمان أسعدمتى يحق لك أن تكون مسرفًا؟
لكي لا يعتقد القارئ الكريم إنني أُنظِّر عليه، سأشجّعه -قليلًا- على الإسراف في الأمور التي سيكون متأكدًا أنه سيستهلكلها لحدها الأقصى.
أحمد مشرف