حرروا الرواية العربية من قبضة النازيين

يوجد احتقان ضد اللهجات المحكيّة في الأدب، ودعاوى بأنها ليست كفوءة لأن تكون لغة أدبية. وكلما ظهر عمل جديد باللهجة المحكية برز معه الاحتقان.

نازيّو الفصحى / عمران

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
19 مارس، 2023

عود ليش نتعلم العربية الفصحى واحنا ما نحچي ولا نحب ولا نحلم بيها؟!

لم ترد هذه العبارة في فِلم، بل في رواية «بلبل السيد» للروائي العراقي حسن بلاسم، وهي الوحيدة من بين أعماله التي نشرها باللهجة العراقية المحكية، بعد نشره أعمالًا بالفصحى وصلت إلى العالمية مِن حيث التلقّي والترجمات. فقرار الكتابة باللهجة الدارجة لا علاقة له البتّة بإتقان الفصحى أو عدمه، بل بالأدبيّة الشاملة لكل اللغات واللهجات.

ففي «بلبل السيد»، يوظّف بلاسم اللهجة العراقية شكلًا وموضوعًا في الرواية. إذ يتطرق بطل الرواية إلى سبب كتابته باللغة الدارجة، ويضيف إلى ذلك تورية بعضِ الكلمات، فيقول: «انهزمت من العراق»، وهي بالعراقيّ تعني «تركت العراق»، في إيحاء بأن كل تاركٍ للعراق مهزوم.

يوجد احتقان غير مبرّر ضد اللهجات المحكيّة في الأدب، ودعاوى بأنها ليست كفؤة لأن تكون لغة أدبية. وكلما ظهر عمل جديد باللهجة المحكية برز معه هذا الاحتقان، وثارت ثائرة حماة اللغة وصائني الأخلاق من هذا الصنيع «الفاحش».

لا يخطر ببال هؤلاء النازيّين أن تصوّرهم للأدب قد لا يوافق حقيقته، أنَّ الأدب ليس تنطُّعًا في اللفظ وتقعُّرًا في النطق، بل أبعد من هذا. فها هو ذا دوستويفسكي يقول على لسان مارميلادوف، أحد أبطال روايته «الجريمة والعقاب»: «هل تدرك يا سيدي ما معنى ألاّ يكون للمرء مكان يلجأ إليه؟»

ليس في هذه العبارة أي كلمة متكلفة أو غريبة، فلا توجد «ألق» أو «رونق» أو غيرها مما يطيب لبعضهم استخدامها في بَوحهم وخواطرهم، إذ تكمن أدبيّة العبارة هنا في تأثيرها في نفس القارئ.

ومما يُستغرب مِن استنكار هؤلاء النازيّين للّهجة المحكية: قبولهم الشعر النبَطي وطربهم بمعانيه العميقة وألفاظه وصوَره الشعرية، رغم اعتدادهم بالشعر الفصيح -قديمه وحديثه- دون افتعال صراع بين الصنفين. فهل للعادة دور في ذلك؟ أي: لو ظلّت الرواية تُكتَب بالدارجة قرنًا من الزمن، فهل ذلك كفيل بتطبيعها؟ 

يقول بعضهم إن روايات اللهجة العامية رديئة. وهم مُحِقّون، لكن لا علاقة للهجة بتلك الرداءة. فتلك الروايات رديئة لأنها لا تستوفي شروط العمل الأدبي الرصين، من حيث الحبكة وتشظّي المعاني وغيرها من عناصر الرواية، إضافة إلى قلة الكتابة وممارسة التجريب فيها. إذ لا يوجد تراكم معرفي وخبرة يصبّان في تطوير الكتابة باللهجة المحكية، ولا يمكن إنتاج عمل فني رصين دون ممارسة متواصلة وإخفاقات.

«الأدب لغته سامية وعالية»، ذلك أيضًا مما يتوهمه كثيرٌ من هؤلاء النازيّين. ولأن أكثرهم لا يتقن سوى لغة واحدة، يصعب عليه أن يتخيل أن كثيرًا من هذا الأدب مكتوب بالدارجة دون أن يؤثّر ذلك في أدبية العمل. بل يتجاوز بعض المترجمين النازيّين هذه الخصوصية اللغوية ويحوّل مقطعًا على لسان إنسانٍ عادي، بكلمات سهلة تناسب النص، إلى خطبة عصماء؛ ظنًّا منه أنه يُسْهم بذلك في تحقيق«أدبية» النص.

للموضوع أبعاد أخرى، ويمكن مقاربته مع موضوعات تاريخية ذات صلة كاللغة اللاتينية وموقعها بأوربا في القرون الماضية بصفتها لغة علم وأدب، وكيف تغير الأمر، وما كان يُنظر إليه على أنه لهجة متدنية، مثل اللغة الفرنسية، تحولت إلى لغة رصينة تُستخدم في الأدب وغيره من الكتابات الرسمية. إلا أن هؤلاء النازيّين، بحكم نازيّتهم، يرفضون مجرد الحديث في الموضوع ودراسته بذكاء أشدّ.


مقالات أخرى من نشرة أها!
24 فبراير، 2022

سوق الأسهم ومخاطر المزاج

لا يمكن تجاوز المخاطرة في الاستثمار بالأسهم إلا بالتنويع في استثماراتك. فمهما كنت عالمًا ودارسًا ومحللًّا، ستفاجئك الأسواق بتقلبات مزاجها.

تركي القحطاني
16 فبراير، 2022

التطبيق يغنيك عن الطبيب

مع التوسع في استخدام التطبيقات الطبيَّة، سيُمكِّن الطب الاتصالي الطبيب من اختصار وقت الموعد، وبالتالي تقليل الوقت المهدر عليه وعلى المريض.

أنس الرتوعي
21 يونيو، 2022

مدقق النصوص الدكتاتوري

دخول الذكاء الاصطناعي مجال اللغة من باب موجة «سياسة الصوابية» (political correctness) التي تجتاح أميركا اليوم يفتح لرقابة فكرية مباشرة.

ثمود بن محفوظ
1 فبراير، 2022

التيه في خرائط قوقل

قد نرى الاعتماد على خرائط قوقل مضرًّا لنا، الا أن طبيعة الحياة بكافة تعقيداتها جعلت من هذه الأداة ضرورة لإنقاذنا من التيه في بلوغ وجهاتنا.

ثمود بن محفوظ
9 يناير، 2023

ضياع أصالة اللعبة في عصر الريميكات

الريميكات تلعب على وتر النوستالجيا، وفي الوقت نفسه تتكيّف مع تطلعات الأجيال اللاحقة، الأمر الذي يحقق أرباحًا عالية.

حسين الإسماعيل
15 ديسمبر، 2022

أن تكون نادرًا أمرٌ في غاية الصعوبة

حتى تكون «نادرًا» فاعلم أنَّ النُدرة لا تتطلب فقط مهارات استثنائية، بل جهودًا استثنائية تفوق ما يستطيع معظم الناس تحقيقه.

أحمد مشرف