وقفت مرة مع أحد نجوم القراءة على هامش محفل ثقافي، فقاطعنا رجل يقف على مسافة الخادم للسيد ينتظر فرصة للحديث إليه. أنهيت المحادثة وابتعدت مستمعًا إلى اضمحلال صوت الرجل بجُمل لم تخلُ من إذلال للذات.
حين أستذكر هذا المشهد المتكرر، أتساءل: هل الانخراط في هذا الوسط يجعل منا نسخًا أكثر رداءة من أنفسنا؟
أستطيع الخوض باستطالة حيال المنتجات الثقافية، ومحاولة التعليق على ما يمكن أن تكون إشكالات منهجية أو معرفية، لكن ما أقصده بالسوء هنا هو السوء الأخلاقي، وتلك إشكالية أكثر جدية من الإشكالات المعرفية.
يبدو أن هذه الإشكالات تطيح بكل من يلقي بنفسه داخل هذا الوسط والانبطاح لقيمه دون مقاومة. أولها: انعدام احترام الذات، وهي لب الإشكالات اللاأخلاقية الأخرى. إذ يقوم هذا الوسط على أساس اختزال الفرد في حكم القيمة الثقافي؛ أي أن يكون لكل فرد فيه وزنًا وقيمة، أو بصورة أسوأ «بطاقة سعر» تعبر عن رأسماله الثقافي، ورأس المال هنا هو مجموع ما قرأ وأنتج ثقافيًّا.
هذا «التسعير» المجاني هو اللبنة الأولى لخلق مجتمع طبقي قائم على تشييء الإنسان وتسليعه، في ممارسةٍ ظاهرها الثقافة وباطنها التمكن والتكسب.
ففي هذا الفضاء المؤسَّس بصلابة على هذه القواعد الرديئة أخلاقيًّا، تُمارَس «الألعاب» الثقافية بسلطوية، وتجر الممارسة اللاأخلاقية الأخرى. ومكمن كل هذه الأفعال اللاأخلاقية هو قبولنا بقوانين اللعبة في هذا الوسط.
إذ ما الذي يدفع أحدهم إلى سرقة نصوص غيره ونسبتها لنفسه إن لم يكن السبب تحصيل رأس المال الثقافي ذاك؟ وعلاوة على ذلك، لا تعد السرقة الأدبية جرمًا بذلك القبح إذا ما كان مرتكبه ذا «تسعيرة» باهظة. بل إن المنخرطين في هذا الوسط لا يمانعون أن يستمر مرتكب هذا الفعل بالصمت شهرًا، ثم يعود ليمارس التثاقف وكأن شيئًا لم يكن، فهو شخص مؤثر في هذا الوسط. فإذا ما أردت البقاء فيه، فعليك أن تقبل بالسرقة الأدبية وإن كنت ترفضها بقلبك.
ينسحب هذا على كل المهاترات الميديائية غير المعرفية، فهي تَمثّلٌ آخر وصراع للحفاظ على «السعر» مرتفعًا. هو نقاشٌ على طريقة المصارعة، وكل لكمة فيه تؤدي إلى نقصان قيمة المثقف، وكأننا أمام مباراة في «مورتل كومبات». وعليه تتحول المثاقفة المعرفية إلى شتى أساليب التدليس والمراوغة لغرض إبقاء المثقف على حظوظه في هذا الوسط.
وماذا عن التحرش، وعن القصص التي سمعناها والتي لم نسمع عنها؟ وكيف يكون لأصحاب السلطة في الوسط ذراع للتلاعب والخداع؟
عندما أستحضر كل هذه السقطات والبذاءات، أتساءل: أليس هذا هو الوسط الذي يتغنى الجميع برقيّه ووعيه؟ أليست هذه الصفة، صفة المثقف، هي ما يضعها الفرد على صدره لإثبات ذكائه وأخلاقه؟ ما هذه المفارقة التي تجمع بين رغبتي في أن أكون واعيًا وأخلاقيًّا، والانخراط في وسط يمثل النقيض تمامًا؟
أرفض أن أكون منعزلًا يمارس القراءة والتثاقف على مستوى ضيق من الأصدقاء، فهذا الوسط ليس حكرًا على أحد ولا يمكن أن تسطو عليه مجموعة ما، وإنما أدعو إلى قلب قوانينه وتغييره. ولذلك أسأل نفسي السؤال الأهم: لماذا يقبل الكثير بهذه اللعبة عوض محاربتها وتغييرها؟
مقالات أخرى من نشرة أها!
من يحك أنفه كذَّاب
الإنترنت يتيح لنا بحرًا من المعلومات التي تساعدنا ألا نجهل كثيرًا من العلوم، لكن في المقابل لا يعني هذا أننا أصبحنا عالمين ببواطن الأمور.
محمود عصامحاجة «الأنا» إلى شفقة المتابعين
مهما أمدتنا منشورات «الأنا» بشعورٍ أفضل حول أنفسنا في البداية، فهي تظل مؤقتة في تأثيرها، بل بعد فترة قد تُشعِر المتابعين بالشفقة عليك.
أحمد مشرفلماذا نسينا كورونا بهذه السرعة؟
بين إصابتي المتأخرة بكورونا وعدم نيلي التعاطف المتوقع، وبين مرور خبر منظمة الصحة العالمية دون اهتمام، تنبَّهت أننا نسينا كورونا بسرعة!
أنس الرتوعيلم تعد أنت السلعة في منصات التواصل
مثلما استسلمتُ لابتزاز إيلون مسك قبل شهر، سأستسلم لابتزاز المنصات الأخرى التي أحب استخدامها؛ فأنا مستعدة للدفع مقابل إنستقرام وسبستاك نوتس.
إيمان أسعدلماذا نسكب الحليب في المتاجر!
رغم موقفي الصحيّ من منتجات الألبان، إلا أنني لا أفهم تصرفات بعض الناشطين المدافعين عن حقوق الحيوان، ووقوفهم وراء انتشار ظاهرة سكب الحليب.
أنس الرتوعيهل شبّه شكسبير النساء بالصحف؟
سهَّل الإنترنت وتطوراته نقل المعلومات، إلا أنه جلب معه شكلًا جديدًا من الفوضى المعلوماتية وأصبح الكل يغرق في معلومات لا أساس لها من الصحة.
ثمود بن محفوظ