عيد القسيس أنانينتاين!

الذي لا يكون بشرًا سويًا في مثل هذه الكوارث التي تقلب حياة الناس رأسًا على عقب؛ فلا أمل في أن يكون إنسانًا في أي وقت آخر.

ميؤوس منه / Giphy

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
14 فبراير، 2023

يُقال -الحقيقة أنني من يقول-: إن كلمة «الحب» وعبارة «إرادة الشعب» أكثر الكلمات التي استُخدمت بابتذال طوال تاريخ البشرية. وأبرز استخدامات هذه الكلمات عبر التاريخ هو أنها تكون مقدمة تمهد للبدء في علاقة محرّمة. ولا أعلم هل هو من نكد الدنيا على المرء أن يكون حديثه في يوم الحب عن شخصيات بغيضة، أم أن المقام فعلًا يناسب المقال.

الذين اخترعوا عيد الحب فعلوا ذلك غالبًا لأسباب تسويقية، شأنه شأن بقية الأيام المشابهة. وكون الحب سلعة لها مواسم وأسواق، فهذا أمر يلائم هذا العصر كثيرًا، كل شيء يمكن أن يصبح سلعةً قابلة للبيع والشراء والمزايدة. وإذا كانت حياة الناس نفسها بكل تفاصيلها أصبحت سلعة؛ فالحب ليس سوى تفصيلة من تفاصيل الحياة.

في الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري، كانت حياة الناس معروضة في سوق المزايدات. ومع أني أتفهم أن الجشع واحدة من ضمن الإعدادات الرئيسة للكائن البشري، لكني مصدوم -قليلًا- من المستوى الذي وصل إليه الإنسان في المتاجرة، والتكسب من آلام الناس وأوجاعهم. اللص كائن حقير في كل الأحوال؛ لكنه حين يسرق المعونات والمساعدات التي تُرسل للضحايا والمنكوبين، فإن هذا مستوى آخر من الوضاعة لا يصله كل اللصوص.

ولأننا في العام 2023، وهو عام في سلسلة الأعوام الغريبة العجيبة التي عاشها كوكب الأرض. فقد خرج الرئيس السوري بشار الأسد من قصره متوجهًا إلى مدينة حلب، ليعاين الأضرار التي تسبب فيها الزلزال الذي ضرب المدينة قبل أيام. والتقى بالناس الذين ذهبوا معه من الأساس، لكي يخبروه أمام الكاميرات أن المدينة كانت منكوبة حتى اللحظة التي وصل فيها، ومن ثم تغير حالها. ثم يتظاهر بأنه يصّدقهم قبل أن يلتقطوا بعض الصور ويبتسمون حتى تظهر الصور أجمل فيغادرون. لم يقدموا يد العون لأي من المنكوبين، ولم يسعفوا مصابًا، ولم يخرجوا أحدًا من تحت الأنقاض. وربما كان هذا من حسن حظ الذين بقوا تحت الأنقاض، لأنه ومرافقوه في الغالب سيقتلونهم بالبراميل المتفجرة بعد أن ينقذوهم من الزلزال.

يبدو المشهد كوميديًا بائسًا، وهو من المشاهد التي لا تعلم حقيقة مشاعرك تجاهها وأنت تشاهدها؛ هل تضحك أم تبكي؟ هل تصمت أم تشتم؟ لا تستطيع تحديد ماهية مشاعرك، ولا تستطيع تجاوز ما تراه وكأنه لم يحدث. لا تستطيع مهما اجتهدت فهم أسباب الضحكات التي تعالت على أنقاض المدينة المدمرة. الله والناس وجدران المدينة ورفات أهلها يعلمون أن التدمير الذي خلفه الزلزال، أخف مما فعلته براميل الرئيس المقاوم بالمدينة وأهلها. يفترض أن يتصنّع الحزن بما أنه جاء ليمثل على الذين يعرفونه، ويعرفون ما الذي فعله، أنه جاء ليمد يد العون للضحايا. ولأننا ما زلنا في العام ذاته فإن العجائب لا تتوقف، فهناك من يعزي القاتل في موت الذين لم يسعفه الوقت لقتلهم بيده.

Giphy 45
لا يُصدّق / Giphy

مثل هذه الأحداث تقرب الناس من أنفسهم، الذي لا يكون بشرًا سويًا في مثل هذه الكوارث التي تقلب حياة الناس رأسًا على عقب؛ فلا أمل في أن يكون إنسانًا في أي وقت آخر. والحديث عن هذا الكائن ليس لموقف سياسي، فالحديث عن الخلافات السياسية لها وقتها، وقد تكون ممجوجة في أوقات كهذه. لكنه حديث عن تاجر أزمات يريد أن يستغل هذه الكارثة، في محاولة تلميع صورته الملطخة بدماء مئات الآلاف من القتلى، وصرخات الملايين من المشردين والمهجرين وأوجاعهم، الذين لم يكن لهم ذنب إلا أنهم وجدوا في بلاد يحكمها هذا المعتوه. ومع ذلك فقد فشل في ذلك، وظهر للناس مبتهجًا، وكأن الزلزال انتصار له على ما تبقى من شعبه.

وربما كان سعيدًا لأنه وجد في المساعدات الإنسانية للضحايا مغنمًا سهلًا لسرقتها والتكسب منها، بصفتها رافدًا اقتصاديًّا يضاف إلى تجارة «الكبتاجون». وهو يفعل ذلك  لأن بعض الدول قررت أن ترسل المعونات والمساعدات إليه شخصيًّا، والذين فعلوا ذلك فعلوه بطريقة تلائم كثيرًا حالة «العبط» التي تجتاح الكوكب؛ فهي كما قال أحدهم تشبه أن ترسل معونات إلى هتلر لمساعدة الناجين من المحرقة. مع أني أظن -وليس كل الظن إثم- أن إرسال المعونات لهتلر تبدو أكثر منطقية من إرسالها إلى بشار، وفي كلٍّ شر. 

وعلى أي حال، ربما نتفق بأن إفساد أسبوع الأعزاء الذين يقرأون هذه النشرة ضمن مهامي في الحياة؛ إلا أني لا أجد بأسًا في القول بأن الجانب المضيء في تبعات هذه الكارثة المؤلمة، هو شعوري بالفخر والاعتزاز لانتمائي إلى هذه الأرض الطيبة، وأن أهلها الطيبين الخيرين هم أهلي. كان السعوديون وما زالوا وسيبقون -إن شاء الله- أصحاب اليد النظيفة التي تمتد لمساعدة الناس لأنَّهم بشر أولًا وأخيرًا، الذين يقيمون وزنًا للمشتركات الدينية والإنسانية. ينفقون بسخاء ويساعدون لأنهم يقدمون لحياتهم، وليس لأنهم ينتظرون ثناءً أو شكرًا من أحد. 

والأصوات القليلة التي تريد وتدعو إلى البحث في خفايا القلوب قبل مد يد العون لأي إنسان، هم في الغالب بخلاء لن يساعدوا أي إنسان في أي وقت، وأيًا كانت خفايا قلبه. ربما يفعلون ذلك حتى يتجنبوا الإحساس بالذنب وانكشافهم أمام أنفسهم. والذين يعتبرون العطاء خسارة موجودون عبر العصور وليسوا اختراعًا جديدًا، بخلاء في المشاعر وفي الأموال في كل شيء، ومعيار النجاح في عقولهم هو أن تأخذ، والعطاء سذاجة ودروشة. ومن حسن حظ الكائنات الحية أن هؤلاء لا يملكون في الغالب سوى الأموال. ولا أحد يعرفهم أكثر من خالقهم سبحانه «قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورًا».

فرص المساعدة موجودة وموثوقة، والدولة السعودية وفرت كل ما يضمن أن تكون هبة الكريم للمستحق. فإما أن تساعد المنكوبين مثلما يفعل الأسوياء، أو كف لسانك عن الذين يفعلون ذلك، سيكون عملًا عظيمًا وصالحًا ومشعًا في صفحة أعمالك المظلمة. ولا تقلق سيخترعون لك يومًا تحب فيه نفسك؛ سيبحثون عن قسيس أناني كان يكره الناس، ويجعلون له يومًا مثلما جعلوا للقسيس فلانتين يومًا يتظاهر فيه «الداجّون» أنهم مغرمون ببعضهم بعضًا.

الوسوم: الإنسان . البيئة . سوريا .

اقرأ المزيد في الرأي
مقال . الرأي

معايدات واتساب من طقوس فرحة العيد

أجزم أن التهاني الواتسابية تتميز بحميميتها الخاصة. إذ لا يمكن لأي مكالمة هاتفية أن تحمل روح الاحتفالية في مجموعتنا العائلية.
رويحة عبدالرب
مقال . الرأي

هل أنت مصاب بالاكتناز الرقمي؟

مثلما يكمن الشفاء من الاكتناز القهري برمي الخردة خارج بيتك، فالشفاء من الاكتناز الرقمي يكمن في حذف تلك الملفات والقوائم بكل أشكالها.
محمود عصام
مقال . الرأي

من دفء الصحيفة إلى دفء النشرة البريدية

يتجاوز عدد مستخدمي البريد الإلكتروني أربعة مليار مستخدم، ومتوقّع ارتفاع العدد في عام 2025؛ ما يجعلنا في عصر ذهبي للنشرات البريدية.
رويحة عبدالرب
مقال . الرأي

كلمة السر كتكوت

إذا استخدمتَ كلمة السر «كتكوت» لبريدك الإلكتروني سيخترقه أصغر هاكر بسهولة، فالأفضل أن تستخدم كلمات سر لا تستطيع حتى أنت حفظها.
ثمود بن محفوظ
مقال . الرأي

الفراسة الإلكترونية تفضح مشاعرك

تقنيات «الفراسة الإلكترونية» مقبلة علينا، وحيث تغيب عين الإنسان، سيكون الذكاء الاصطناعي حاضرًا ليقرأ تعابير الوجه.
ثمود بن محفوظ
مقال . الرأي

لماذا تشتم الآخرين نيابةً عن المشهور؟

تذكَّر أنك ذاتٌ مستقلة، لا تحتاج إلى مشهور يكون امتدادًا لك، ولست في حاجة إلى أن تكون مجرد مرآة يتأمل فيها النرجسيّ انعكاس قيمته.
ياسمين عبدالله