ما الذي تخفيه في استعراض مشترياتك؟

لا يرى الكثيرون في مجتمعاتنا عيبًا في السلوك الاستعراضيّ، بل نجد أنفسنا نشارك فيه. فنعبّر للآخرين من خلال ما اشتريناه عن تحقيق نجاح.

استعراض الثروة / عمران

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
9 فبراير، 2023

في يونيو عام 1927، في عزّ استعراض الثراء الفاحش في أمريكا وقبيل انهيار الأسهم والكساد العظيم، نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالًا بعنوان: «كلما ازدروك في أيام فقرك، استمتعت أكثر باستعراض ثروتك». 

يقول مورقان هاوسل في كتابه «سيكولوجية المال»، أن المال «أعظم استعراض في الكرة الأرضية». ففي العادة، يخفى علينا حجم دخل الآخر، حتى إن كان ضمن أفراد العائلة والأصدقاء المقربين، لكون هذا الموضوع حساسًا. فلا نعرف حقيقةً سلوكه في الادخار ولا في الاستثمار، ونكتفي بما يستعرضه من مشترياته. وهنا، يتحدد موقفنا اتجاهه: هل سنقابل استعراضه بالحسد والاستهجان، أو بالغبطة والدعم المعنوي.

ويؤكد مورقان هاوسل فكرة الاستعراض في مقاله المنشور بداية هذا العام «الفن والعلم في إنفاق المال» (The Art and Science of Spending Money)، إذ يقول إنَّ نوعية مشترياتنا، وأسلوبنا في إنفاق أموالنا، قد يبيّن للآخرين أمورًا عنّا نود إخفاءها. 

أهم تلك الأمور، حاجتنا النفسية العميقة إلى الاحترام والتقدير. فإذا ازداد تركيز المرء على شراء المزيد من المشتريات الغالية -خصوصًا التي تظهر شعاراتها على الملابس والمقتنيات- واستعرضها في الحياة الواقعية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، فهذا مؤشر إلى «جرحٍ نفسيّ» أصابه في ماضيه. 

ربما يأتي الفرد المستعرِض من خلفية عائلية فقيرة لم تلبِّ طلباته، أو تعرّض للتنمر والاستهزاء في طفولته، أو عاش الفشل كثيرًا. 

وفي الواقع، لا يرى الكثيرون في مجتمعاتنا عيبًا في هذا السلوك الاستعراضيّ، بل نجد أنفسنا نشارك فيه. فنعبّر للآخرين من خلال ما اشتريناه عن تحقيق نجاح، أو بلوغ منصب أو مستوى اجتماعي لم يستطع البقية الوصول إليه.

الأمر الآخر الذي يكشفه إنفاقنا، كما يقول مورقان هاوسل، هو تباين ردة فعلنا بعد الأزمات الحادة، مثل جائحة كورونا. فإن كانت ردة فعلنا على الأزمة هي زيادة حرصنا على تأمين المستقبل والخوف من الظروف المفاجئة، ستكون أقصى أولوياتنا إخفاء ما يمكن إخفاؤه من المال، إما بالادخار أو الاستثمار. وإن كانت ردة فعلنا التفاؤل بعد نجاتنا من الأزمة، نميل إلى استعراض مالنا ومشترياتنا دلالةً على النصر.

فإذا ما عدنا إلى مقال واشنطن بوست في 1927، والذي استشهد به هاوسل في مقاله 2023، يظل استعراض الثروة استعراضًا زائلًا يزول معهما الاحترام والتقدير المرتبطان بها. وذلك على خلاف الاحترام والتقدير الذي نناله إثر خلق أعمال ذات قيمة معنوية وأخلاقيّة تغيّر حياة الآخرين للأفضل، وتجبر أيضًا الجرح الذي نخفيه.


مقالات أخرى من نشرة أها!
24 يوليو، 2022

هل أنت محاور أم دلو؟

يمكننا التشكيك في ثبات الأنماط الشخصية وجوهريتها، فالمتغيرات الداخلة في تشكيل دواخلنا معقّدة ولا يمكن قولبتها بهذا الاختزال.

حسين الإسماعيل
31 مايو، 2022

بصمتك الكربونيّة على سلاح الجريمة

مشكلتنا مع «البيئة» أعقد بكثير من مجرد غازات مصانع وعوادم سيارات؛ منظومتنا الحضارية بأسرها متعارضة مع معيار الأمان البيئي.

أشرف فقيه
22 مايو، 2022

يوتيوب يُشبع حاجتك العاطفية

على أي شيء يدل الطلب العالي لمنتج الـ«ASMR»؟ أهو انعكاس لحاجة الإنسان الأساسية إلى الاهتمام؟ أم أنه أسلوب الحياة العصرية؟

معاذ العميرين
14 فبراير، 2022

أشتهي طبق فول بالبستاشيو

غيَّر الإنترنت، وإنستقرام بالذات، من علاقتنا مع الطعام. فمع هوسنا بالتصوير، تحوَّل الطعام إلى نوع من الفنون البصرية التي تمتِّع الناظرين.

ثمود بن محفوظ
26 يوليو، 2022

ماذا لو عاش عنترة في الميتافيرس؟

الشواهد على حياتنا قد تختفي باختفاء مالكيها، آخذةً معها جزءًا من تاريخنا البشري وأحداثه، تمامًا كما حدث في قصتي مع المرحوم إكسبلورر.

ثمود بن محفوظ
9 مارس، 2023

هل تحلم بالسفر في أثناء العمل؟

رغم كوني لا أمتلك خطة سفر فعلية بعد، فإن أحلام السفر عمّا قريب تهوّن عليّ مشقة اليوم، وتتيح لذة الهرب المؤقت من العمل ولو لثوانٍ معدودة.

سحر الهاشمي