في يونيو عام 1927، في عزّ استعراض الثراء الفاحش في أمريكا وقبيل انهيار الأسهم والكساد العظيم، نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالًا بعنوان: «كلما ازدروك في أيام فقرك، استمتعت أكثر باستعراض ثروتك».
يقول مورقان هاوسل في كتابه «سيكولوجية المال»، أن المال «أعظم استعراض في الكرة الأرضية». ففي العادة، يخفى علينا حجم دخل الآخر، حتى إن كان ضمن أفراد العائلة والأصدقاء المقربين، لكون هذا الموضوع حساسًا. فلا نعرف حقيقةً سلوكه في الادخار ولا في الاستثمار، ونكتفي بما يستعرضه من مشترياته. وهنا، يتحدد موقفنا اتجاهه: هل سنقابل استعراضه بالحسد والاستهجان، أو بالغبطة والدعم المعنوي.
ويؤكد مورقان هاوسل فكرة الاستعراض في مقاله المنشور بداية هذا العام «الفن والعلم في إنفاق المال» (The Art and Science of Spending Money)، إذ يقول إنَّ نوعية مشترياتنا، وأسلوبنا في إنفاق أموالنا، قد يبيّن للآخرين أمورًا عنّا نود إخفاءها.
أهم تلك الأمور، حاجتنا النفسية العميقة إلى الاحترام والتقدير. فإذا ازداد تركيز المرء على شراء المزيد من المشتريات الغالية -خصوصًا التي تظهر شعاراتها على الملابس والمقتنيات- واستعرضها في الحياة الواقعية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، فهذا مؤشر إلى «جرحٍ نفسيّ» أصابه في ماضيه.
ربما يأتي الفرد المستعرِض من خلفية عائلية فقيرة لم تلبِّ طلباته، أو تعرّض للتنمر والاستهزاء في طفولته، أو عاش الفشل كثيرًا.
وفي الواقع، لا يرى الكثيرون في مجتمعاتنا عيبًا في هذا السلوك الاستعراضيّ، بل نجد أنفسنا نشارك فيه. فنعبّر للآخرين من خلال ما اشتريناه عن تحقيق نجاح، أو بلوغ منصب أو مستوى اجتماعي لم يستطع البقية الوصول إليه.
الأمر الآخر الذي يكشفه إنفاقنا، كما يقول مورقان هاوسل، هو تباين ردة فعلنا بعد الأزمات الحادة، مثل جائحة كورونا. فإن كانت ردة فعلنا على الأزمة هي زيادة حرصنا على تأمين المستقبل والخوف من الظروف المفاجئة، ستكون أقصى أولوياتنا إخفاء ما يمكن إخفاؤه من المال، إما بالادخار أو الاستثمار. وإن كانت ردة فعلنا التفاؤل بعد نجاتنا من الأزمة، نميل إلى استعراض مالنا ومشترياتنا دلالةً على النصر.
فإذا ما عدنا إلى مقال واشنطن بوست في 1927، والذي استشهد به هاوسل في مقاله 2023، يظل استعراض الثروة استعراضًا زائلًا يزول معهما الاحترام والتقدير المرتبطان بها. وذلك على خلاف الاحترام والتقدير الذي نناله إثر خلق أعمال ذات قيمة معنوية وأخلاقيّة تغيّر حياة الآخرين للأفضل، وتجبر أيضًا الجرح الذي نخفيه.
مقالات أخرى من نشرة أها!
مزاجيَّة التقييم الرقمي
انحسرت الجائحة، وما زلت أفضّل التواصل مع زملائي في العمل عن بعد رغم وجودنا في الشركة. فهل اعتدنا مع التواصل الرقميّ على الانفصال عن بعضنا؟
أنس الرتوعيهل تخشى صحبة الصمت؟
الآن، وفي هذا الشهر الفضيل، أستحضر فضيلة السكينة، وأجدها فرصة مناسبة لتوطيد العلاقة بالنفس والتعوّد على إمضاء الوقت معها.
حسين الضواحذف تطبيق الأسهم من جوَّالك
بعد إحباط تجاربي الأولى مع الأسهم، اتجهت إلى معرفة سر أسطورة الاستثمار في الأسهم وارن بافيت، والسر بسيط لكن قد يراه الكثير صعب التنفيذ.
تركي القحطانيحتى لا تطير أموال اشتراكاتك الشهريّة
نسيت إلغاء الاشتراك قبل انتهاء الفترة التجريبية، ليُوقعني النسيان في أكبر خطأ مُكلِف ارتكبته في حياتي. ولستُ الوحيدة التي وقعت في هذا الخطأ.
رويحة عبدالربالانخراط في الوسط الثقافي يجعلك إنسانًا رديئًا
في هذا الفضاء المؤسَّس بصلابة على هذه القواعد الرديئة أخلاقيًّا، تُمارَس «الألعاب» الثقافية بسلطوية، وتجر الممارسة اللاأخلاقية الأخرى.
حسين الضوأيهما أقرب إليك: اللهجة البيضاء أم المحليّة؟
خيار التحدث باللهجة البيضاء قد يبدو إغفالًا عن أهمية اللهجة المحلية، لكن إشراك الآخر بالمعنى يمثل الطريق الأقصر لكسب الود والتفاهم السريعين.
سحر الهاشمي