تأبين التأمين!

لماذا لم تفكر شركات التأمين مثلًا في أن تكون مكافأتها لمن يكفي الناس أذاه ويمر عليه العام دون حوادث أو مخالفات مرورية؟

تقول المرور إن تطبيق نظام ساهر، وتغليظ المخالفات المرورية، قد قلل من الحوادث المرورية. وتقول شركات التأمين إن ارتفاع نسبة الحوادث المرورية سبب جوهري وربما وحيد في ارتفاع أسعارها، لتكون الأعلى في الوطن العربي. ويقول الناس لا حول ولا قوة إلا بالله.

يدفع منطق السوق إلى نزول الأسعار لمستويات أقل، وزيادة التنافس بين الشركات، والسعي لجذب العملاء؛ نتيجة زيادة عدد طلبات التأمين بحكم ارتفاع عدد السائقين والسيارات، وإدراج عدم التأمين ضمن المخالفات المرورية، واشتراط وجوده عند بيع السيارات أو شرائها أو تجديد رخص القيادة والسير. لكن من قال إن المنطق والأسعار يجتمعان معًا في جملة واحدة، سواء كان الحديث عن التأمين أم عن غيره من الأشياء التي يدفع الناس أموالًا للحصول عليها.

ومن طبائع النفس البشرية أن تميل إلى البحث عن مصالحها الخاصة قبل النظر في أي مصلحة أخرى. وكون لشركات التأمين يدٌ في سن القوانين والضوابط التأمينية بشكل أو بآخر؛ فإنه من الطبيعي والمنطقي والمتوقع أن تكون تلك الأنظمة في صالح الشركات. ولو كنت شركة تأمين وطلب مني وضع القوانين، لوضعت شروطًا تلزم الناس بالتأمين والدفع لي مجددًا عندما يرتكبون الحوادث، وألزمت المؤمّنين بإكمال بناء منزلي الذي لم أبدأ فيه بعد عن يد وهم صاغرون.

يهم شركات التأمين في المقام الأول أن تكون علاقتها على ما يرام مع شركائها الحقيقيين، أمثال مروجي ما يسمى بالتأجير المنتهي بالتمليك، الذين يمارسون أعتى أنواع الغبن والاستغلال والوحشية وأشدها. ولعلها مناسبة تعيسة أن أتذكر قصتي الحزينة مع التأجير المبتدئ بالاستغلال والمنتهي بالغبن. فالبنك الذي يؤجر إليك السيارة يؤمن عليها لدى شركة التأمين التي يختارها، ولكنك أنت من يدفع التأمين، وعند تعرضك لحادث فإن البنك هو الذي يأخذ التعويض. وهذه قمة الإعجاز العلمي في التكسب القسري من حاجات الناس.

Giphy 42
وقّع هنا / Giphy

ولو افترضت أيها الإنسان المستهلك أنك وقّعت معهم عقدًا، هم من يضع كل شروطه وأحكامه على شراء سيارة بنظام التأجير قيمتها مليون ريال -على سبيل المثال-، ثم سددت تسعمئة وتسعة وتسعين ألفًا وبقي ألف وحيد يتيم، فإن من حقهم مصادرة تلك السيارة وبيعها وأخذ قيمتها كاملة. واعتبار كل ما دفعته مقابل تأجير فقط، مع أنك من كان يدفع التأمين مرغمًا طوال فترة تسديد الأقساط. كل ذلك لأنك لم تسدد ذلك الألف اللعين المتبقي.

ويكاد يبدو الربا عملًا صالحًا دالًا على الورع والتقوى حين يُقارن بالموبقات التي ترتكبها شركات التأمين وشركات التقسيط. ثم إن الأمر أكثر استفزازًا حين تصنف تلك الموبقات على أنَّها حلول «إسلامية». والجميل في الأمر -إن كان للجمال موضع في هذا الحديث- أن شركات التأمين عزت ارتفاع أسعارها إلى زيادة حوادث السيارات. ومرد الجمال هنا أن السبب يبدو -في الظاهر على الأقل- سببًا منطقيًّا، ولم تعز الارتفاعات كالمعتاد إلى سلاسل الإمداد والحرب الأوكرانية الروسية، والتصعيد في كشمير، والتوتر بين الصين وتايوان، والصراع على السلطة في دول وسط إفريقيا، وموت الملكة إليزابيث، وصفقات نادي تشيلسي الإنقليزي. وأتمنى ألا يكون سبب عدم الحديث عن هذه المبررات الآن أنهم قرروا تأجيل استخدامها إلى الموجة القادمة من ارتفاع الأسعار، وليس احترامًا لعقل المستهلك. مع أن عقل المستهلك لم يعد يعمل بشكل يمكنه من استيعاب ضربات الغلاء التي تأتيه من حيث لا يحتسب. 

مرت شركات التأمين على وجه الخصوص بتجربة ممتدة منذ أن كان التأمين محرمًا حتى أصبح واجبًا. وهذه التجربة والعمر المديد والتقلبات في هذا المجال يفترض أن يجعلها أكثر خبرة وقوة ومعرفة وفهمًا للسوق الذي تقتات عليه، وتزيد أرباحها من مستهلكيه. وإذا كانت شركات التأمين لا تحقق أرباحًا كما ينبغي، فلماذا تتزايد أعدادها. وإذا كان السوق السعودي يختلف عن غيره من أسواق العالمين فلماذا تتحسس شركات التأمين الوطنية من دخول شركات عالمية للسوق السعودي. 

بالطبع لا أعرف الإجابات، وليس شرطًا أن كل ما أقوله صحيح ودقيق. المعلومة الصحيحة التي أنا متأكد منها ولا تحتاج إلى تقديم أدلة وبراهين أن الأسعار مبالغ فيها، وأنها أكبر من قدرة السواد الأعظم من الناس على تحملها. وأن شركات التأمين وغيرها من الشركات التي تعد خدماتها إلزامية على المستهلك لا خيار له في تجنبها، تستغل هذه الضرورة بصورة بشعة.

وعود على بدء، فإن ارتفاع نسبة الحوادث يعني أن الحل -أو ما يشبه الحل- هو أن تكون العلاقة تكاملية بين الجهات التي لها يد أو رجل في هذا الموضوع، لماذا لم تفكر شركات التأمين مثلًا في أن تكون مكافأتها لمن يكفي الناس أذاه ويمر عليه العام دون حوادث أو مخالفات مرورية، بأن يمنح تأمينًا مجانيًّا أو مخفضًا تخفيضًا مغريًّا ومحفزًا؟ ولو حذفنا إجابتين واستعنا بصديقين، فإن الإجابة غالبًا ستكون لأن الهدف هو الربح المادي فقط، هذه الشركات لا تريد أن يكون لها أي دور اجتماعي أو مشاركة حقيقية في حل أي مشكلة من أي نوع.

السعوديةالسياراتالمجتمعالرأي
نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!