قبل بضعة أشهر، وأنا أتنقل عشوائيًّا بين «ثريدات» ريدت قبل النوم كما اعتدت يوميًّا، وقعتُ على سلسلة يتبادل فيها الأعضاء تجاربهم الخاصة في تعلم اللغة بوسائل غير تقليدية. حضَرَت الأغاني والمسلسلات والأفلام، كما هو متوقع من سلاسل مشابهة سابقًا، ولا سيما مع انتشار القنوات اليوتيوبية التي تترجم الأغاني لمختلف اللغات، أو مع وجود إضافات المتصفح التي تعرض مسلسلات نتفلكس بترجمتين مختلفتين في الوقت نفسه.
ما لم أكن أعرفه حينها هو مدى الأفق المتفتح في تعلّم اللغات، والذي وجدته في تعليق عشوائي في تلك السلسلة يشيد بتجربة تحويل اللغة في ألعاب الفيديو المفضلة إلى اللغة المراد تعلمها. جربت الأمر على لعبة «بوكيمون إكس» (Pokémon X). حولت لغتها للإيطالية، وبدأت عيني تقرأ أسطرًا متتابعة من العبارات غير المفهومة. حينها استيقظت فجأة نوستالجيا طفولةٍ كابوسية وعبقرية، طفولةٍ جابهت اللغات الأجنبية بالأقلام والدفاتر والتجارب والتخمينات.
في تلك المرحلة، نظرًا إلى جهلي بأي لغة عدا العربية، لم تكن اللغة التي ألعب بها مهمة جدًا، وكانت الأولوية للاستمتاع وليس لمعرفة تفاصيل قصة اللعبة وخياراتها. ونظرًا لانتشار الألعاب المنسوخة والقادمة من شتى بقاع الأرض، فكثيرًا ما حدث أن أقتني لعبة يابانية وأبلغ فيها بعيدًا، معتمدًا على ذاكرتي وتجاربي والكلمات المفتاحية التي دونتها في دفاتري، إضافة لمجلات الحلّ الكامل والتشاورات مع الأصدقاء.
كانت هذه الظاهرة سائدة لدرجة أنَّ الكثير من الألعاب اكتسبت اسمها من أوصاف شعبية متداولة للعبة أو بنطق مغلوط لأسمائها. ينطبق ذلك مثلًا على «ويننق إيلفن» (Winning Eleven) الذي شاع في أوساطنا باسم «الياباني»، وعلى كراش «السيارات»، أو جزئيًا على «قراند ثيفت أوتو» (Grand Theft Auto) الذي انتشر باسم «حرامي السيارات»، أو حتى على «مورتل كمبات» (Mortal Kombat) و«تيكن» (Tekken) وغيرها.
في كل هذه الأمثلة، لم يكن الجهل بلغة اللعبة أو باسمها أو بتفاصيلها مانعًا من لعبها وحياكة مختلف السيناريوهات عن محتواها. في أحسن الحالات، يمكن إنهاء اللعبة دون عقبات حقيقية. لكن في حالات أخرى، يتطلب الأمر تدوين الخيارات كما في لعبة كابتن ماجد على كمبيوتر العائلة، لئلا يجد الفرد نفسه يعيد المراحل الأربع الأخيرة من «شوارع الغضب» لأنه أخذ خيارًا خاطئًا أمام الزعيم الأخير.
حضرت هذه الذكريات اليوم وأنا أجد نفسي واقعًا في موقف مشابه، مع فارق الظروف طبعًا. صار هاتفي اليوم بجانبي لترجمة أي مفردة ومعرفة نطقها، وصرت أكثر تركيزًا على كل شاردة وواردة في اللعبة من أجل إثراء حصيلتي، دون شعور بالعجز الناجم عن جهلي باللغة كما مضى. ولكن الأمتع من كل ذلك، إدراكي أني أستطيع إضافة وسيلة تعلم ماتعة جديدة لممارساتي، دون الحاجة لتصورها ضمن المهام المنهكة.
مقالات أخرى من نشرة أها!
قتلني غياب الرصيف
غياب الرصيف عن مدننا لم يكن هجومًا على صحتنا البدنية والنفسية فقط، وإنما هجومًا يفتك بعلاقة الفرد بأرضه وطبيعتها، وبنسيج مجتمعنا.
حسين الضوالتيه في خرائط قوقل
قد نرى الاعتماد على خرائط قوقل مضرًّا لنا، الا أن طبيعة الحياة بكافة تعقيداتها جعلت من هذه الأداة ضرورة لإنقاذنا من التيه في بلوغ وجهاتنا.
ثمود بن محفوظالحرب العالمية الثالثة لن تندلع في أوكرانيا
تصاعد هاشتاق «الحرب العالمية الثالثة» مع أحداث الغزو الروسي لأوكرانيا. لكن أوكرانيا لن تكون فتيل الحرب العالمية الثالثة، بل تايوان.
نايف العصيميسناب شات تصنع مستقبلي
نقطةٌ حمراء صغيرة على مبوبة الذكريات في سناب شات كفيلةٌ بإثارة اهتمامنا وتهييج نوستالجيّاتنا: أين كنا في مثل هذا اليوم قبل عام؟
حسين الإسماعيللا تتكاسل عن تصحيح لخخيقثشيس
ليست المصيبة في تسهيل حياتي، بل في أنني صرت أكثر كسلًا من التدقيق وراء ما أكتب حتى في المنصات التي لا تعرفني أكثر من نفسي.
حسين الإسماعيلموت المؤلف بالضربة القاضية
حتى تحافظ منصات المشاهدة على أرباحها الخيالية، وتضاعف إنتاجها بمحتوى جديد يحافظ على اهتمام المشاهد واشتراكه، لن يعود المؤلف البشري كافيًا.
أشرف فقيه