تُقام بطولة كأس الخليج العربي منذ أن كان لدى الكويت فريق لكرة القدم حتى يومنا هذا. وقد مضى أكثر من نصف قرن وهي تحمل الاسم ذاته الذي لم تحتج عليه إيران، ولم تمتعض لأن العرب لا يسمون بطولتهم بطولة الخليج الفارسي. ولكنها امتعضت أخيرًا، وأن تمتعض متأخرًا خيرٌ من ألا تمتعض. وسبب امتعاضها المتأخر أن البطولة أقيمت في العراق الجديد، وهي تعد كل ما يحدث فيه وعلى أرضه شأن إيراني خالص، يجب أن يحدث وفق تصوراتها ورؤيتها لما يجب وما لا يجب.
وليس لدي مشكلة في افتخار كل أناس بقوميتهم ولغتهم؛ بل إني أجد أن الافتخار بالهوية أساس حقيقي لأي بصمة حضارية تريد أمة من الأمم أن تضعها وتتميز بها عن بقية الأمم. لكن الوضع في الحالة الفارسية مختلف قليلًا؛ فالدولة الإيرانية -إن صحت التسمية- ليست ذات أغلبية فارسية في الأساس. وبعيدًا عن الأكثريات والأقليات، وعن كون الجزء الذي يطل على سواحل الخليج من إيران -الحالية- عرب أقحاح؛ وهذا يعني أن الخليج بمائه وسمكه وملحه ولؤلؤه محاط بالعرب من كل اتجاه. بعيدًا عن كل هذا، فإن الشخصية المحورية في المذهب الإيراني، التي تعتمد عليها إيران في تصدير ثورتها واسمها وقوميتها هو الحسين -رضي الله عنه- خاصةً، وسلالة علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- عامة.
وبلغ التقديس لهذه الشخصيات ما يجعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- في أدبياتهم الدينية شخصية هامشية. فكل التعليمات والقصص والروايات والأحداث والأحكام تبدأ بعلي -كرم الله وجهه- بشكل ثانوي، ثم الحسين وذريته بشكل أساسي ومحوري.

وأنا بالطبع لست ضد أن يعتقد كل إنسان ما يشاء، ولا أن يؤمن بالطريقة التي يريدها. فأنا -كما تعلمون- لست مكلفًا بمحاسبة العباد على طريقة تعبدهم؛ لكني فقط أمارس حقي في الاستغراب من هذا الحب الأسطوري الذي يروج له الإيرانيون للحسين رضي الله عنه. وكيف أن مجرد مرور اسمه يجعل العبرات تنهمر، والحزن والأسى يصل إلى حد الإضرار المتعمد بالجسد، من خلال الضرب والشعائر التعبدية التي نعرفها جميعًا. وكيف يمكن الجمع بين هذا الحب وبين كراهية نسبه العربي، واحتقار كل ما يمت إليه بصلة.
يريد المحب عادة أن يشبه محبوبه، أن يتجمّل بمزاياه لأنَّه يرى فيه الكمال البشري، فكيف إذا كان هذا الحب حبًا عقديًا يحدد المصير في الدنيا والآخرة. أزعم أن الحب الفارسي للحسين وذريته، لو كان حقيقيًّا وصادقًا، لتعلقوا بالعرب والعربية أكثر من تعلقهم بمسمى الخليج الفارسي، وربما تعلقوا بالعربية إلى حد ادعاء أن العرب أجداد الفرس.
ولعله من المفيد أن أنوّه هنا، إلى بعض الأخوة متّقدي الذكاء، أنني لا أتحدث عن المذهب الشيعي؛ فالإيرانيون الفرس يحتقرون العرب بالجملة، سنتهم وشيعتهم، فوق كل أرض وتحت كل سماء. حتى الإيرانيون العرب ينالون نصيبهم الوافر من الكراهية الفارسية. ومن باب الإنصاف فلا يمكن تجاهل عدالة إيران في توزيع كراهيتها على العرب، دون تمييز مذهبي أو إقليمي.
ولأني قدوة يجب أن تتبعها الأمم، عربها والعجم، سأعترف لكم أني أحب اللهجة السكاوزية التي يتحدث بها سكان مدينة ليفربول الإنقليزية، وأحاول أن أتعلمها. وكلما سمعت سكاوزيًا يتحدث بلهجته الغريبة شعرت بشيء من الانتشاء، وتخيلت العظيم جيرارد وهو يرفع كأس دوري الأبطال في نهائي إسطنبول الشهير. وبلغت مرحلة العشق خاصتي إلى الاعتقاد بأن لهجة السكاوز أجمل لهجة تحدثت بها الكائنات البشرية.
وربما لو كنت فارسيًا وجيرارد عربيًا لتعلمت العربية وعشقتها، وأحببت أن يخطئ الناس في نسبي ويظنون أني عربي؛ فكيف إن كان المعني ليس لاعب كرة قدم تزحلق على أرضية الملعب، في اللحظة الوحيدة التي كان يجب أن يقف فيها، بل هو الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه. وقد بلغ ادعاء محبته درجة أن يكون الأساس الذي قامت عليه جمهورية إيران الحديثة هو التمهيد لظهور حفيد الحسين والانتقام من قتلته.
يدعونه في السراء والضراء، وينطقون اسمه كفاتحة لكل حديث، ويقيمون المآتم والعزاءات إحياءً لذكره وذكر ذريته. لكنهم في الوقت نفسه يكرهون كل ما انتمى إليه الحسين بن علي القرشي العربي ابن العربي حفيد خير العرب والبشر كافة، ابن الجزيرة العربية مهبط القرآن العربي المبين. التي ينظر إليها الفرس على أنَّها مصدر الشرور والآثام في كوكب الأرض والكواكب المجاورة.
ولأنَّ المسميات ليست أهم من الأفعال والتصرفات، فلعلي أقترح حلًا جذريًّا لهذا النزاع، بأن يسمى هذا الخليج بالخليج الاتفاقي. ليس لأن نادي الاتفاق يقع على إحدى ضفافه -مع أنَّه سبب وجيه للتسمية- ولكن من باب الإشارة إلى أن أفضل وضع تعيش فيه الأمم أن تكون متفقة مع جيرانها على حسن الجوار، وأن يأمن كل جار بوائق جاره، وذلك من كمال الإيمان، كما جاء في حديث الرسول العربي عليه أفضل الصلاة والسلام.