بات رائجًا أن ترسل تطبيقات الأغاني المشهورة مثل أنغامي وسبوتيفاي قوائم شخصية نهاية العام لمستخدميها، قائمة تشمل الفنان المفضل والأغنية المفضلة والصنف الموسيقي وعدد ساعات الاستماع، شيء أشبه بسيرتك الموسيقية للعام بأكمله.
ويعود رواج هذه الظاهرة إلى اللذة التي تتبع استذكار أغانٍ استهلكناها. ولو قدَّمت لنا هذه التطبيقات سيرة موسيقية لعقد كامل، لصار الأمر أمتع، إذ يتدخل عامل النوستالجيا أيضًا. لكن ماذا لو قدمت لنا سيرة موسيقية لحياتنا بالكامل؟
لا أظنني أبالغ حين أقول إنني أستطيع سرد تفاصيل محطات حياتي غنائيًّا وموسيقيًّا، وربطها بأحداث حياتي. إذ تحمل الأغاني ذاكرة زمان ومكان، ولكنهما ليسا زمانها ومكانها، بل ذاكرة المتلقي نفسه. إذ يستحيل أن تتصادف ذاكرتان لشخصين مختلفين بشأن المجموعة ذاتها من الأغنيات، والسبب في ذلك واضح، هو استقلالية التجربة الحياتية لكل شخص وتفردها عن الآخر.
فأنا لا أستطيع تجاهل ذكرياتي الزمانية والمكانية للأغنية عندما تندلع عشوائيًّا من المسجل لدى قيادتي السيارة؛ هذه تنقلني لحظيًّا إلى ليالي كالقاري الباردة، وتلك الأغنية الهادئة تنقلني إلى لحظات امتزاجي بالطبيعة من حولي وسط جبال بانف، وأخرى تأخذني إلى صباحات الصيف الرمضانية عندما كنت أعود إلى الوطن زائرًا.
ولدى استماعي إلى أغاني إيمنيم، وفيفتي سنت، وسنوب دوق، وأغاني الراب الأخرى، أتذكر استماعي إليها في المرحلة المتوسطة والثانوية، ليس لإعجابي البحت بأغاني الراب وثقافة الهيب هوب فحسب، بل ولاهتمامي حينها بتعلم اللُّغة الإنقليزية، واستخدام هذه الأغاني بصفتها تحديًّا لي لصعوبتها.
لا شك أننا نستمع إلى الموسيقا أحيانا لأغراض بسيطة، لأسباب مباشرة كتفادي الهدوء المحرج، أو كخلفية لدى عملنا على شيء ما، إلا أنني أؤكد أنَّ الموسيقا مثل الأوعية التي تمتلئ بشتى صنوف ذاكراتنا الشخصية. ولعلَّ هذه الذكريات هي ما يخرج في شكل زفرات عميقة وطويلة عندما تندلع أغنية ما.
هل استمعت إلى أغان من ثقافة أخرى لأنك كنت واقعًا في حب فتاة من ذاك البلد؟ هل تعرفت على نوع من الأغاني لأنك مغرم بنوع من الأفلام؟ هل سببت لك صدمة موت قريب الاستماع إلى نوع محدد من الأغنيات؟ هل تظن أن الأغنيات المتفائلة والمبهجة مناسبة للصيف، والهادئة والبطيئة للشتاء؟ وهل تترتب ذاكرتك وسيرتك الموسيقية بناء على ذلك؟
كثيرة هي الأسئلة، وكثيرة هي التجارب الإنسانية التي لا يمكن لقوائم سبوتيفاي وأنغامي أن تختزلها نهاية كل عام.
مقالات أخرى من نشرة أها!
أريد لأجهزتي أن ترعاني
من جوال نوكيا إلى اليوم، تطورت أجهزتي وتعددت مهامها وازدادت ذكاءً. لكنّها عقّدت عليّ مهمة واحدة: الاعتناء بها.
أنس الرتوعيازدواجية «الألمان في خبر كـان»
يجب ألا نتخلى عن حقيقة وجود أوجه متعددة اليوم لفرض حضور الثقافات وتباينها، دون الارتكان لمنظور الغرب الشمولي وتعريفاته عن الحياة الفاضلة.
حسين الإسماعيلفخ التربية الإنستقرامية
بينما أفادتني الحسابات التوعوية بمعلومات ثرية ومُثبَتة علميًّا، تبيّن أن أغلب حسابات المؤثرين لم تُفدني بشيء سوى الشعور بالتقصير.
رويحة عبدالربالتيه في خرائط قوقل
قد نرى الاعتماد على خرائط قوقل مضرًّا لنا، الا أن طبيعة الحياة بكافة تعقيداتها جعلت من هذه الأداة ضرورة لإنقاذنا من التيه في بلوغ وجهاتنا.
ثمود بن محفوظلا تسلبوني مشترياتي الرقميَّة
وفَّرت المنصات مثل آيتونز وكندل وبلاي ستيشن سهولة شراء المنتجات الرقمية عبر خدماتها. لكن ما يغيب عنَّا أنَّ الشراء منها شراءٌ وهميّ.
ثمود بن محفوظأنا أنام إذن أنا أفكّر
تعلمت أيضًا درسًا لن أنساه: حين تستفحل المعضلة وتستغلق أبوابها، فالنوم جزءٌ رئيس من أي محاولة لإدراك خيوط حلها.
حسين الإسماعيل