يعلو بين فترة وأخرى صياح الاتهامات المتكررة تجاه بعض الأجناس الغنائية العربيّة الجديدة، مثل أغاني المهرجانات والراب والشيلات. وتجتمع هذه الاتهامات تحت مظلة واحدة: السطحية والتفاهة والانحطاط. وأيضا فإن مرجع هذه الاتهامات واحد وهو الكلمات.
فأنا لم أسمع أحد المتذمّرين يعلّق على «البيتس» لأغنية راب، أو اختيار عازف الكيبورد لسلَّم موسيقي دون سلَّم آخر في أغنية المهرجانات تلك، أو يعلّق على سوء اختيار الآلة الموسيقية، ولو أنها عُزفت بالعود مثلًا لأطربت آذاننا وسلطنتنا.
ينصبّ الهجوم على الكلمات فقط؛ لأنها التبرير الأسهل لما لا تستسيغه آذاننا البسيطة موسيقيًا، ولعجزنا عن وصف هذا النفور تجاه الموسيقا والنغَمة. لذلك تأخذ أغلب الاتهامات هذا الشكل: «أهم شيء عندي في الأغاني.. الكلمات!».
تهجم «النخبة» هجومًا مستترًا ومستمرًّا على فكرة الاستمتاع باللحن والنغمة وحدهما، وتتهم استماعك إلى أغنيةٍ ما -لأنك أُعجِبت بموسيقاها- بأنه تلقٍّ شعبويّ، وفي مستوى ثقافيّ أدنى! هذا الهجوم نابعٌ أصلًا من عدم إلمام «النخبة» بالموسيقا ذاتها. إذ يجهل هؤلاء أن للموسيقا لغتها الخاصة – بمعزل عن الكلمات.
وهاني شنودة له كلام لطيف حول هذا. إذ يذكر أن للموسيقا جُملًا وأصواتًا وأسئلة، ولكننا نجهل ذلك لغياب الموسيقا في المؤسسات التعليمية. فالكثير منا -بجانب جهله لفيزياء الصوتيات- يجهل أيضًا الجانب الثقافي والغنائي للكوردات ومعاني التوليفات الصغيرة والكبيرة.
لم تقتنع؟
حسنًا، إليك تجربة بسيطة تثبت استقلالية الموسيقا عن الكلمات.
عندما تقابل صديقك يومًا ما اسأله: ما هي -مثلًا- الأغنية المصرية؟ فإن أجابك إنها الأغنية التي يغنيها مصريّ، فأخبره أن الجسمي يغني مصري أهو! وإذا قال: إنها الأغنية المكتوبة باللهجة المصرية، فأسمعْه إحدى المقاطع الموسيقية الشعبية: المصرية أو اليمنية أو الهندية أو السودانية، وستتفاجأ بأنه يعرف منشأها على الرغم من غياب الكلمات!
فالموسيقا منتج ثقافي مستقل، ولها لغتها الخاصة حتى قبل دخول الكلمات عليها. لذلك من الطبيعيّ أن يكون تلقيها انطباعيًّا وانفعاليًّا (وهو الانطباع الذي تفرّ منه النخب طمعًا في العمق اللي ذابحهم). وعليه فإن وجود الموسيقا في مجال الترفيه هو وجودٌ عضويّ مهم؛ لأنَّ محلّ تأثيرها المشاعر، والمشاعر يشترك فيها البشر جميعهم.
أما الالتفات للكلمات وحدها في كيل الاتهامات، فإما أنها محاولة من النخبويّ لإخفاء متع محرمة (وكأنه لم يطرب لـ«دسباسيتو» (Despacito) دون حتى معرفة معناها!)، أو أنها محاولة لاقتحامه سوق الترفيه للتحذلق وتسييس متعة الجماهير!
مقالات أخرى من نشرة أها!
الإعلان الأكبر يراقبك!
قد تتخلل مسلسلات المستقبل إعلاناتٌ موجهةٌ لنا شخصيًا ونُجبَر على مشاهدتها بسبب وقوع أعيننا صدفةً على غرضٍ ما في البرنامج الذي كنا نتابعه.
حسين الإسماعيلالبحث عن صديق في زمن التواصل الاجتماعي
في زمن يدفعنا للبحث عن متابعين أكثر من الأصدقاء، ربما يجدر بنا أولًا معرفة الحاجة لكِلا الاثنين ودورهما في حياتنا.
أحمد مشرفهل تتذكّر شعور الدهشة؟
استحضار الدهشة سيغدو أصعب وأصعب. فماذا لو أصبح بمقدور التقنية أن تشاركك رائحة عطرٍ ما في إعلاناتها؟ أو مذاق طبق في صفحة المطعم؟
فيصل الغامديضريبة التوصيل المزدوجة
سهَّلت علينا تطبيقات التوصيل الحصول على «البرقر» الذي نريد وقتما نريد، إلا أن لتلك السهولة ضريبة إضافية نتحملها نحن.
ثمود بن محفوظالسلطة الزائفة لقوائم معرض الكتاب
الـ«لماذا» ستدفعك كقارئ إلى التأمل: هل أنت منساقٌ وراء تيار أو موضة ما في اختيارك للكتاب، أم أنت قادرٌ على رسم خارطة قراءاتك بنفسك؟
حسين الإسماعيلشارك رأيك ولا تكشف اسمك
يصوّر واقعك أنَّ استخدام الأسماء المستعارة هروبٌ من إبداء رأيك ومواجهة رد الآخرين عليه، لكنها ببساطة تعني أنَّك قررت الاحتفاظ بخصوصيتك.
ثمود بن محفوظ