لوكا مودريتش: الاستمتاع بأسطورة الأداء الثابت

خط وسط كرواتيا، الذي أفسد على ميسي ومحبيه ذكرى هدفه الأول، كان قائده شاب يصنع أسطورته ببطء لكن بثبات اسمه لوكا مودريتش.

قبل اندلاع شرارة صدام يدور بعد ساعات، حيث مباراة نصف النهائي بين كرواتيا والأرجنتين في كأس العالم قطر 2022، يتفاءل محبو ميسي بمعلومة لطيفة، وهي أن أول أهدافه الدولية كانت ضد منتخب كرواتيا، بينما يتجاهلون عمدًا أن كرواتيا فازت بالمباراة في النهاية.

أقيمت تلك المباراة الودية في عام 2006، سجل ميسي وهو دون العشرين عامًا، ليبدأ مسيرة أسطورية يحفظ الجميع تفاصيلها، لكن على الجانب الآخر كانت خيوط أسطورة أخرى تُغزل على مهلٍ. فخط وسط كرواتيا، الذي أفسد على ميسي ومحبيه ذكرى هدفه الأول، كان قائده شاب يصنع أسطورته ببطء لكن بثبات اسمه لوكا مودريتش.

قبل أربعة سنوات وخلال كأس روسيا 2018 انتزع مودريتش الضوء من الجميع؛ إذ قاد فريقه إلى النهائي، ذلك بعد أن قاد ريال مدريد إلى نيل دوري الأبطال، وكان منطقيًّا أن ينال «البالون دور» ويكتب اسمه بصفته أول لاعب ينتزع من ميسي ورونالدو جائزة فردية بعد هيمنة دامت عشر سنوات، وهو أمر لو تعلمون عظيم.

قبل كأس العالم قطر، ذهبت التوقعات إلى عدد من الفرق الكبرى، والتفّت الكاميرات لتوثيق المشاهد الأخيرة لرونالدو وميسي؛ لكن لم يضع أحد رهانه على طاولة كرواتيا ومودريتش، فقد ظن الجميع أن المفاجأة لا تتحقق مرتين. وتلك هي قصة مودريتش ببساطة، ينظرون إليه وكأنه مفاجأة لن تتكرر، لكنه يكرر ما يفعل كل مباراة وكل بطولة، حتى أجبر الجميع على توثيق لقطاته الأخيرة هو الآخر كونه لا يقل أبدًا عن ميسي ورونالدو.

يمكنك فهم كل ذلك في مشهد خروج مودريتش أمام منتخب اليابان بعد دقائق من بداية الأشواط الإضافية. استُبْدل مودريتش الذي ما أن اقترب من خط التماس حتى ارتفع صوت الجمهور بأكمله، سواء كانوا مشجعي كرواتيا أو مشجعي اليابان أو حتى المسئولين عن الملعب ليهتفوا باسمه. أدرك الجميع في هذه اللحظة أنهم ربما بعد دقائق سيودعون أسطورة حية، وأنهم شهود على هذا الوداع الجميل.

استطاع الحارس الكرواتي ليفاكوفيتش تأجيل تلك اللحظة حتى حين؛ عبرت كرواتيا عقبة اليابان ثم فعلتها أمام البرازيل، واليوم تقابل أرجنتين ميسي الذي يشجعه جمهور الكرة أجمع، وهي فرصة مثالية حتى يحصل مورديتش على وداع مستحق أو نصر ملحمي رغم دموع الكثيرين. اليوم نودع أحد أسطورتين، اليوم تنقسم الشاشة بين كبيرين؛ ميسي الذي يتعاطف معه العالم كله، ومودريتش الذي يستحق أن يتعاطف معه العالم أجمع.

يملك مودريتش قصة أسطورية كذلك خارج الملعب؛ كان يرعى الغنم صغيرًا مع جده، حتى شهد مقتله بدم بارد على يد المتمردين الصرب، ليفر برفقة العائلة ويعيش لاجئًا في زادار الكرواتية، ثم يلعب كرة القدم ويتطور كما لم يفعل أحد من لاعبي جيله. مودريتش هو أفضل لاعب وسط في هذا الجيل بفارق كبير.

ردًا على توقع الجميع باعتزال مودريتش اللعب الدولي بعد نهاية قطر 2022، أكد مودريتش أنه لم يتخذ القرار بعد، فهو يلعب ويستمتع ويشارك أساسيًّا في جميع المباريات، سواء برفقة الريال أو منتخب كرواتيا. ربما هذا السبب الأخير الذي لا يشعر معه الناس أنهم بصدد وداع أسطورة من أساطير كرة القدم. إنَّ هذا الأداء لا يليق بأداءٍ ودائعي. على العكس، فهذا الذي من المفترض أن يتكئ على مجهود زملائه هو من يمد فريقه ومنتخب بلاده بالطاقة وهو في السابعة والثلاثين.

لكنه العمر الذي يدرك الجميع، أغلب الظن أن هذا هو الكأس الأخير لكرويف البلقان، واليوم ربما يكون اليوم الأخير له في مسابقات كأس العالم المهمة. لذا إذا كان قلبكم مليئًا بالشوق والشغف والتقدير لما سيفعله ميسي اليوم، أرجوكم اتركوا جزءًا ولو قليلًا من هذا القلب للاستمتاع بمودريتش وإعطائه الوداع أو الثناء الذي يستحق.

كأس العالمكرة القدم
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية