المغرب.. فخر العرب على طريقة «بونو»
إذا كانت الكاميرات تجتمع حول رونالدو ولا تفارقه حتى وإن كان على دكة الاحتياط، فالجماهير العربية ستلتف اليوم حول منتخب المغرب ولن تفارقه.
لا يبدو الأمر غريبًا أن السيد وليام مكروم مخترع ركلات الجزاء كان حارس مرمى. أغلب الظن أن ويليام شعر بالتهميش، لماذا يذهب كل الثناء لمحرز الهدف دون أن يتلقى بعضه الرجل الذي يقف طوال المباراة محاطًا بقائمين وعارضة في محاولات مميتة كي لا تعانق الكرة الشباك.
اخترع وليام ركلة الجزاء ثم قرر رجل آخر دخول التاريخ من خلالها يُدعى أنتونين بانينكا، وذلك بعد أن سدد الكرة لتعلو مؤقتًا قبل أن تستقر في منتصف المرمى وتعرف باسمه للأبد. وهو ذات التكنيك الذي استخدمه أشرف حكيمي في تسديد الركلة الأخيرة ضد إسبانيا والصعود بالمغرب لربع نهائي قطر 2022.
وفي المباراة نفسها قرر ياسين بونو أن يكتب تاريخًا جديدًا باسمه تمامًا مثل مكروم وبانينكا، لقد تصدى لركلات الترجيح وهو يضحك. ليس المقصود هنا وجه بونو الباسم المعتاد، بل إنه في ركلة بوسكيتس الأخيرة ذهب نحو الكرة وهو يضحك مثل طفل.
لم أستعدَّ حتى لركلات الترجيح بهذا القدر، حاولت فقط الاستمتاع بها. يتعلق الأمر بالفطرة وقليل من الحظ، هذا كل شيء.
هكذا فعلها بونو إذن، لقد قرر أن يستمتع بالأمر، أن يتحرك بفطرة في انتظار قليل من الحظ. وهكذا شعرنا مع منتخب المغرب خلال الأيام الماضية، تشاركنا المتعة والالتفاف حول منتخب الأسود بفطرة متمنين قليلًا من الحظ الذي لم نحظَ به مع بقية المنتخبات العربية في البطولة.
لم يتخيل أحد أن كأس العالم قطر سيحمل كل تلك الرسائل للبلاد العربية. كان الحديث دومًا عن نسخة عربية لكأس العالم من زاوية كيف ستتلاقى الثقافات الأجنبية مع ثقافتنا العربية. لكن وللأمانة كانت هويتنا العربية ذاتها هي المستفيد الأكبر.
هناك عشرات الفيديوهات التي بثت من كل البلاد العربية احتفالًا بتأهل المغرب. ظهر الحماس بركلة حكيمي حقيقيًّا وليس مصطنعًا. كان التشجيع فطريًّا دون الالتفات للغطرسة الكروية المعتادة لمشجعي الكرة. اكتسى ملعب المدينة الجامعية بقمصان فريق المغرب التي ارتداها مشجعون كثر من جنسيات عربية مختلفة.
بونو الذي قرر اللعب للمغرب على الرغم من حمله الجنسية الكندية يدرك أن الدماء العربية لا يمكن ابدًا التخلي عنها بسهولة. حكيمي الذي وُلد في إسبانيا وعاش بها أكد أن والدته كانت تُذكِّره كل يوم أن المغرب وطنه وأن ما أبعده عنه الظروفُ وليس رفاهية الاختيار.
لهذا شعرت الشعوب العربية بالفخر عندما شاهدت منتخب المغرب يحجز مكانه بين الثمانية الكبار. لأن المغرب فعلها على طريقة الكبار، في كل المباريات كان يبدو جليًّا أن رفاق بونو يمكنهم إلحاق الأذى بالخصم في أي وقت مهما كان اسم هذا الخصم.
في قطر لم نشعر بالتعاطف مع المنتخبات العربية مثل البطولات الماضية، بل شعرنا بالفخر والمتعة والتحقق. ولا نريد لهذا الشعور أن ينتهي أبدًا، فلتكتمل المتعة التي تحدَّث عنها بونو دون الالتفات للنتيجة النهائية.
فلنقف في وجه البرتغال ندًّا للتقدم نحو المربع الذهبي. ولمَ لا وقد وصلنا هنا عن جدارة واستحقاق، نحن هنا للمتعة ولاستكمال كتابة التاريخ. إذا كانت الكاميرات تجتمع حول رونالدو ولا تفارقه حتى وإن كان على دكة الاحتياط، فالجماهير العربية ستلتف اليوم حول منتخب المغرب ولن تفارقه حتى ولو لم تسعفه النتيجة.
وفي مشاركتنا القادمة في كؤوس العالم، سيكون العنوان: لنفعلها على طريقة بونو، لنستمتع بالمواجهات الكبرى ونضحك في أكثر الأوقات صعوبة، لأننا بتنا ندرك جيدًا أن مكاننا الحقيقي بين الكبار.