تويتر ليس مساحة للهشاشة النفسية

مشاركة التجارب الشخصية النفسية في وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا في الانفتاح المجتمعي على النقاش، وشجعتنا على تقبل فكرة العلاج النفسي.

الهشاشة النفسية في منصات التواصل / عمران

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
8 ديسمبر، 2022

كنت مستاءة، وهذا الاستياء حفّز دوامة من المشاعر والمخاوف الدفينة. وهكذا، في طريقي إلى سيارتي، كتبت تغريدة: «ضمن آلاف القرارات الفاشلة اللي أخذتها في حياتي، أكثر قرار ناجح أخذته أني ما تزوجت ولا أنجبت، كنت سأظلمهم وأظلم حالي.» ونشرتها.

وأتفق معك تمامًا، نشرها لم يكن قرارًا حكيمًا.

أصبحت ظاهرة «استعراض الهشاشة النفسية» سمة من سمات التفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي. وربما التصقت وصمتها بجيل الألفية المتأخر وجيل زد، حيث تطغى مفاهيم العناية بالذات وحمايتها من «سميّة» الآخرين والحياة، من قبيل: «إذا صعبت الوظيفة استقل، إذا العلاقة لا تريحك اقطعها.» 

لكن بصفتي أنتمي إلى جيل الطيبين الشهير «بقوة عزيمته»، فالهشاشة لا تقتصر على الجيل الحالي الذي يصغرني بعشرين عامًا، بل قد نكون نحن أكثر هشاشة. فنحن قضينا نصف عمرنا الأول في ظل مجتمع يصم أي علّة تتعلق بالصحة النفسية إما بالجنون أو التلبّس أو الحسد، أو حتى الدلع ونكران النعمة والابتعاد عن الدين، ما يعني أنَّنا الجيل الذي احترف الكبت.

إلا أنَّ مشاركة التجارب الشخصية النفسية في وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا في الانفتاح المجتمعي على النقاش، وشجعتنا على تقبل فكرة العلاج النفسي. لكنها أيضًا منحتنا مساحة تفاعلية تؤلبنا أحيانًا على أنفسنا، وتشجعنا على «استعراض الهشاشة النفسيّة» أمام الغريب قبل القريب. 

الهدف بالطبع نيل التعاطف، تبرير حزنك في تلك اللحظة وعدم إنكاره، تفادي اكتشاف مبالغتك في تقدير هذا الحزن، كما الأطفال. فالنضج يتطلب منك ألا تنجرف في الدوامات العاطفية دونما تمحيص في جذورها، وهو ما تفعله في عزلة المساحة الآمنة لدى المعالج النفسي. 

إن ذهبت يومًا إلى معالج نفسي، ستلاحظ أنك مهما كنت منفعلًا، ومهما بدا كلامك غير منطقي، الملامح على وجهه خاوية من أي ردة فعل. لن يبكي معك، لن يغضب عليك، لن يتفاجأ، لن يستنكر ولن يؤيد. هذا الحياد العاطفي يجبرك على التعامل فقط مع عواطفك دونما علاقة بعواطف الآخر، مما سيسمح لك باستكشافها. وبعد أن تفرغ من الإفصاح عن مكنون النفس، بنبرة هادئة ومحايدة سيطرح المعالج عليك سؤالًا، متوقعًا جوابًا ناضجًا بعد أن انتزعت الدوامة العاطفية من صدرك.

ما يجعل تغريدتي «استعراضًا لهشاشة لحظيّة» وليس مشاركة عقلانية وعميقة لتجربة نفسية أنّها كُتبت في لحظة ممزوجة من الضعف والغضب، وبالإفصاح عنها ثبّتها بمسمار. فتحت الباب للآلاف -من ضمنهم عائلتي وأصدقائي ورفاق عملي- على مساحة كان يفترض بها أن تكون آمنة مع معالجي النفسي، ويسترقوا النظر إليّ في لحظة هشاشتي العابرة.

كاتبة ومترجمة


مقالات أخرى من نشرة أها!
8 سبتمبر، 2022

من سيربّي روبوتك؟

إن حصلت معجزة ما وقررت الآلة الذكية أنَّ الإطار الأخلاقي البشري غير مناسب لها، هنا سنعيش في عالم يربّينا فيه عيالنا الآليون.

أشرف فقيه
16 أكتوبر، 2022

رتّب مكانك خارج التطبيقات

من يحرص على ترتيب مكانه أكثر جدوى في تنظيمه لمشاعره وأفكاره وأعماله. وهذا النوع من التنظيم لا يحتاج إلى تطبيقات إلكترونية خارقة.

أحمد مشرف
5 أبريل، 2023

هل تخشى صحبة الصمت؟

الآن، وفي هذا الشهر الفضيل، أستحضر فضيلة السكينة، وأجدها فرصة مناسبة لتوطيد العلاقة بالنفس والتعوّد على إمضاء الوقت معها.

حسين الضو
18 أكتوبر، 2022

لماذا يحتقر المثقف الإيموجي؟

يفضل المثقف قول «جعلتني أتدحرج على الأرض ضاحكًا» عوضًا عن «🤣🤣🤣»،لئلا تسقط هيبته أمام جمهوره، ولئلا ينزلق عن سلم الحضارة قليلًا.

حسين الإسماعيل
28 سبتمبر، 2022

يوتيوب ترميك من الطائرة

ما يزعجني حقًّا النظرة العامة إلى من يقدم على رمي نفسه من طائرة على أنه شخص مغامر وجريء. وفي المقابل، يصبح من لا يجرب ذلك شخصًا مملًا.

أنس الرتوعي
20 مارس، 2023

هذه حكايتنا مع رمز القلب ❤️

سيظل ❤️ جزءًا أساسيًّا من لغة تواصلنا، ولن يظل لوقتٍ طويل رمزًا للكهولة وموضة قديمة. فقد أثبت الرمز قدرته على البقاء وتطوّر استخدامه.

رويحة عبدالرب