السعودية في قطر 2022: مشاركة تاريخية ووداع حزين

انتهت المغامرة في قطر، لكنها لم تنتهِ للصقور بعدُ. خرجنا من كأس العالم مرفوعي الرأس. ينتظرنا العالم فيما هو قادم.

انتهت المغامرة لكنها لم تنتهِ في قلوبنا بعدُ. ذهبنا إلى كأس العالم لنستمتع أولًا فأمتعْنا العالم وربما خيَّبنا ظنه أيضًا. لكننا لم نقصر قطُّ، وهذا عزاؤنا الوحيد.

لم يتوقع أحد قبل البطولة أن حسابات التأهل ستشملنا حتى الدقائق الأخيرة، لكننا خضنا المغامرة بعزيمة الرجال. دفعنا الطموح إلى مبارحة الظل الذي اعتقد البعض أنه مناسب لنا، لكننا كذلك لم نكن مستعدين لكل هذا النور الباهر.

منذ أن خضنا مغامرتنا الأولى التي لا تُنسى عام 1994، لم نظهر ظهورًا مؤثرًا خلال النسخ الأربع التي شاركنا خلالها في فعاليات كأس العالم. وفي قطر استطعنا أخيرًا أن نعيد إلى ذاكرة العالم منتخب السعودية صاحب الأداء الراقي والنتائج المؤثرة.

مشاركة المنتخب السعودي في هذه البطولة تحديدًا غير، مغامرة ستظل تفاصيلها داخل القلوب وقتًا ليس بقصير. بدأتْ بالجنون التام وانتهت بأخطاء ودقائق من الندم الذي يعرفه جيدًا جمهور كرة القدم.

جنون، هكذا كانت البداية مثلما علق البلوشي على هدف سالم في شباك الأرجنتين، وما أجمل الجنون أمام ميسي وفريقٍ مدججٍ بالنجوم، وما أجمل الجنون في مدرجات اكتست باللون الأخضر، وكأنك تملك الدنيا فخرًا وأنت تصيح «سعودية» مرتديًا قميص الوطن وفي قلبك يقين تام أن العالم بأكمله ينظر إليك إعجابًا وتعجبًا.

ربما يقف ميسي بعد أيام متأبطًا كأس العالم أمام آلاف الكاميرات، لكننا لن نراه، سنظل نقول: «ميسي وينه»، لأننا حضرنا يوم لوسيل الأول ولم نجده، لذا بقي مجهولًا لنا وإن عرفه الجميع.

كنا ندرك حينئذٍ أننا بدأنا المغامرة من نقطة الذروة، بدأنا الرحلة من «الكريشندو»، لذا كان لزامًا أن يهدأ الإيقاع بعد ذلك، هدأ الإيقاع وضربتنا الإصابات ووقعنا في الأخطاء، لكننا لم نتخاذل أو ننكسر.

وصلنا إلى نقطة تحديد المصير بأيدينا، لكن الرحلة كانت قد أنهكتنا بالفعل، لم يشفع لنا الطموح أن نتجاوز أبعد من هذه النقطة. لم نعبر دور المجموعات على الورق، لكننا خضنا رحلة عبرنا فيها عائق المشاركة عديمة القيمة، وتولَّد داخلنا شوق لما هو قادم.

لم تكن الرحلة قاصرة على كرة القدم فحسب، لكنها كانت شغفًا خالصًا في قلوب الجماهير وشعورًا وطنيًّا طاغيًا يحتاج إليه المرء من حين لآخر، وربما كان هذا السبب الأكثر جاذبية الذي جعلنا لا نريد لهذه المغامرة أن تنتهي أبدًا، وإن كنا نعرف أنها لن تدوم أكثر من أيام.

كان الطابع السعودي طاغيًا في قطر، مئات الفيديوهات التي بثت من المدرجات وسوق واقف ومناطق المشجعين وعبر قنوات التلفاز الأجنبية تؤكد أن الحضور السعودي المؤثر كان خارج الملعب تمامًا مثلما كان داخل الملعب. سنفتقد قطر لكنها ستفتقدنا كثيرًا أيضًا.

مرت الأيام كالحلم، لكننا أبدًا لن ننسى أن الصقور جعلتنا نشعر بالفخر خلال تلك الأيام، فخر بدأ من قطر ووصل إلى العواصم العربية كافة. هكذا هي كرة القدم، مرآة لا تكذب، تعرف من خلالها صدق الشعور حلوه ومره.

يقول مارسيل بروست:

إن الرحلة الحقيقية ليست في أن ترى مكانًا جديدًا، بل في أن ترى بعينين جديدتين.

وهذا مربط الفرس، لقد بدلنا عيوننا إلى الأبد، أصبحنا اليوم نملك عيونًا مرت بالتجربة وتعلمت جيدًا، وفي انتظار القادم لاستكمال المغامرة.

انتهت المغامرة في قطر، لكنها لم تنتهِ للصقور بعدُ. خرجنا من كأس العالم مرفوعي الرأس. ينتظرنا العالم فيما هو قادم ونتحرق شوقًا للقاء العالم مرة أخرى.

المنتخب السعوديكأس العالمكرة القدم
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية