كنت قاب قوسين أو أدنى من خسارة سجلي الناصع، بعدم تفويت مباريات الجولة الأولى من الدوري السعودي للمحترفين خلال العقد الأخير. فأي متابع للكرة يعرف نشوة عودة المباريات بعد انقطاع أشهر، ويعرف أيضًا حماس الجولة التي تستفتح بها الفرق موسمها. ولذا ساورني القلق حين وجدت نفسي، يوم الخامس والعشرين من أغسطس الفائت، على متن حافلةٍ بطيئة كثيرة التوقف في درب طويل.
لكن لحسن حظي كانت أجهزتي عند الموعد، ولم تخيّب ظني طوال ساعات الرحلة الست. فإلى جوار توفر البث المباشر للمباريات، استطاع شاحني المتنقل إبقاء بطارية هاتفي وراوتري على قيد الحياة. وحتى حين منعتني انشغالاتي في اليوم التالي مِن التحديق في الشاشة، ومتابعة بقية مباريات الجولة، استغليت التطبيع الحاصل لوضع سماعة على أذن واحدة، كي أستمع إلى المباريات دون تفويت انشغالاتي.
لم أتمالك نفسي، كأي شاب كهل، من مقارنة الوضع اليوم بما كان عليه في السنوات العشر الأخيرة. لا يقتصر الأمر على صعوبة الحصول على روابط شغالة، ولا على تذبذب النت في أثناء التنقل وحسب؛ بل يطال حتى الكيفية التي تغيرت عبرها مشاهدة المباريات عامة.
فمن جانبٍ أول، كانت مشاهدة المباريات حدثًا جماعيًا أكثر منه فرديًّا، سواء لصعوبة اقتناء كل الدوريات، نتيجة توزُّعها على شبكات القنوات المختلفة (وهو الأمر الذي يقوي من مكانة الديوانيات والمقاهي)، أو لكونها جزءًا من طقوس الممارسات الشبابية. ومن جانب ثانٍ، لارتباط المباريات ببث الأقمار الصناعية. لذا استلزمت مشاهدة المباريات في السابق تخصيص مكان ووقتٍ ضمن الانشغالات اليومية؛ والأخذ بعين الاعتبار كل العوامل من ازدحام الطرقات وغيرها، لئلا يفوتنا شيءٌ من المباريات.
لكن لم يعد الأمران اليوم بتلك الأهمية؛ ليس الأمر أن انشغال فردٍ ما بمشاهدة إحدى المباريات على هاتفه -في حال رغب البقية بمشاهدة أخرى أو بفعل شيء آخر- بات طبيعيًّا وحسب، بل صارت القروبات الوتسابية بديلًا عن التجمع الجسدي أيضًا. وعلاوة على ذلك، أصبحت المهام الملحة أخف وقعًا مع سهولة الوصول إلى بث مباشر، خصوصًا إذا سمحت الظروف بوضع سماعة أو اثنتين في أثناء إنجازها.
صحيح أن متعة حضور المباريات أو مشاهدتها مع الآخرين لا تضاهى، ولكنها اليوم خيارٌ من بين خيارات أخرى ولم تعد فرضًا، وتوفُّر الخيارات بحد ذاته عاملٌ رئيس في شعورنا بالسلطة والتحكم وامتلاك زمام الأمور بشكل أكبر. وكما أنَّ متعة مشاهدة المباريات مع الأصدقاء لها طعمها الخاص؛ فإنَّ الخسارة بلا أصدقاء شامتين لها وقع خاص كذلك.
مقالات أخرى من نشرة أها!
سبوتيفاي لا تحفظ سيرتك الموسيقية
كثيرة هي الأسئلة، وكثيرة هي التجارب الإنسانية التي لا يمكن لقوائم سبوتيفاي وأنغامي أن تختزلها نهاية كل عام.
حسين الضوبالنسياقا تقود عجلة التفاعل بامتياز
وراء كل إعلان يتلقاه الجمهور فريقٌ يقضي أيامًا في التخطيط. وهذا ما يجعلني أجزم أن حملة «بالنسياقا» كانت مدروسة بحذافيرها لإثارة الجدل.
رويحة عبدالرببنت الحسب ومخابرات واتساب
أتصور أن يصبح تبادل حسابات الشبكات الاجتماعية و«اليوزرات» جزءًا من عادات الخطبة لتكوين صورة أفضل عن ابن الحلال، ولعله يدفع الشباب للتأدب.
ثمود بن محفوظهل سيرسم دالي غلاف أها!
تثير قدرة برنامج دالي على إنتاج صور بنوعية عالية وفي ثوانٍ معدودة المتعة لدى متابعي وسائل التواصل الاجتماعي، وتطرح أيضًا تساؤلات أخلاقية.
ثمود بن محفوظالبحث عن صديق في زمن التواصل الاجتماعي
في زمن يدفعنا للبحث عن متابعين أكثر من الأصدقاء، ربما يجدر بنا أولًا معرفة الحاجة لكِلا الاثنين ودورهما في حياتنا.
أحمد مشرفالنبات الروبوت
مع أننا نستشهد بخضرة الزرع كرمز لنقيض حضارتنا الصناعية، إلا أن إخوتنا النباتات ليسوا بمعزل عن أفكار العلماء وخططهم.
أشرف فقيه