محفل ثقافي أم ترزّز اجتماعي؟

في المحافل الثقافية مثل معرض الكتاب ومهرجان الأفلام، يكون الموضوع الرئيس -الكتاب أو الفلم- مجرد قناة ومعبر للحديث عن رأس المال الاجتماعي.

في نشرة أها! من ثمانية

في ندوة عن الرواية التاريخية، في جمعية الثقافة والفنون في الدمام، دار حوار خلفي بين اثنين بشأن ضيف الندوة: «هو عنده شركتين كمان..» ليجيبه الآخر، «ما شاء الله..» لا. من كانا خلفي لم يذكرا أي شيء ذي علاقة بالرواية التاريخية.

عُقدت تلك الندوة قبل عدة أعوام؛ وأزعم أن فعاليات أي محفل تعبّر عن أفكار المؤسسة الحاضنة، بينما يعبّر الهامش عن المناخ الثقافي العام، ومن ضمن هذا الهامش الأحاديث الجانبية. ولكني الآن أجلس هنا، أحتضن معطفي وأحاول كتم أنفاسي المتسارعة بعد اعتلاء السلالم. إذ قررت في اللحظة الأخيرة حضور مهرجان لندن السينمائي، ومشاهدة فلم أليخاندرو إنياريتو الأخير «باردو» (Bardo).

هامش أي فعالية هي تلك الأحاديث التي تطير حول رأسي، والتي لم تتطلب الكثير من «رمي الأذن» لاقتناصها، فالمقاعد صغيرة ومتراصة كعادة كل شيء في أوربا. أحاديث تنبع من اهتمامٍ بالسينما عمومًا وبسينما إنياريتو خصوصًا. فالحضور جمعته رغبات متشاركة في مشاهدة فلم إنياريتو، والاستمتاع بتجربة المشاهدة ضمن اشتغالات يومهم واهتماماتهم، وبعد ذلك الانفضاض كلٌّ في حال سبيله.

لا أحد من الحضور كانت لديه رغبة بمعرفة كم شركة لدى إنيارتو، أو تقييم مدى نجاحه في الحياة. ولا أحد منهم جاء لأنه يبدو المكان اللائق لتقمّص طبيعة اجتماعية ما.

هذه ليست مقارنة معتادة بين الـ«نحن» والـ«هم»، وإنما سؤال حول أصالة اهتماماتنا. كيف نستطيع أن نمارس ما نحب في مجتمع يسيّس أفراده كل تفاصيله، بما في ذلك هواياته واهتماماته؟

ففي جميع المحافل الثقافية مثل معرض الكتاب ومهرجان الأفلام، يكون الموضوع الرئيس -الكتاب أو الفلم- مجرد قناة ومعبر للحديث عن رأس المال الاجتماعي. ويُخيل لي أحيانًا ألا رغبة هناك ولا شغف يمكن ممارسته في مجتمع جماعاتيّ، يرى كل هواية واهتمام ونشاط مجرد غنيمة، وكل محفل فرصة للترزّز وإثبات المكانة الاجتماعية. فكيف يكون هناك إنتاج ثقافي أساسًا دون وجود رغبة أصيلة؟ 

مثل هذا المجتمع الثقافي الصغير، وإن بدا عكس ذلك، منغلقٌ على نفسه، ويعرف جميع أفراده بعضهم بعضًا، مما يجعل الأصالة شبه مستحيلة. إذ كيف تستطيع أن تظهر كما أنت، والجميع ينظر إليك ويجعلك محل نقد وتقييم لكل تفاصيلك، بما في ذلك اهتماماتك؟ 

يبدو واضحًا أنَّ سبب وجود الشخصين خلفي في مكان لا يناسبهما كان الاندماج في طبقة اجتماعية ونيل مكاسبها. وأخشى أن الحضور بأكمله اليوم، في كل المحافل الثقافية، هم ممن يحاولون الاندماج. أمّا الكِتاب والفلم وغيرهما -الاهتمام الرئيس للمحفل- ليس سوى وسيلة اجتماعية.

الإنسانالثقافةالمجتمعالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+350 متابع في آخر 7 أيام