أثناء تصفحي خطي الزمني التويتري قبل بضعة أسابيع، وقعتُ على تغريدةٍ فاجأتني. لم أتمالك نفسي حينها عن ضغط زر المشاركة وإرسالها لأحد أصدقائي معقبًا: «فلان استخدم إيموجي!»
استغربت استخدام فلان للإيموجي لكونه أحد المنتمين إلى جيلٍ قديم من المثقفين الأكاديميين، إلى جيلٍ يبدو -من متابعتي الجيدة لحساباتهم على الشبكات الاجتماعية- أنه يخجل من استخدام الإيموجيات (إلا حين يحللها «موضوعيًا»). ومن ثم فإن استخدام فلان للإيموجي في حسابه الرسمي يمثل افتراقًا عن صورةٍ سائدة عند جيله بأن الإيموجيات نوعٌ أدنى من التواصل.
لشيوع هذه الصورة أسباب مختلفة. فمن جانبٍ أول، يقول التصور السائد أنَّ اللغة تطورت من الرموز الصورية إلى أنظمة معقدة من الحروف المرتبطة بالأصوات. فسواء تعود نقطة الأصل إلى مصر القديمة أم بلاد ما بين النهرين، تقول الفرضية الشائعة إن الكتابة التصويرية كانت الشكل الرئيس في التواصل حتى اندثرت بعد ظهور الأبجدية في الألفية الرابعة قبل الميلاد.
وفي حين أن هنالك أوجهًا عديدة في نقد هذا المنظور وارتباطه بأطر استعمارية أوربية تبلورت منذ أواخر القرن الخامس عشر، إلا أن المثقف العازف عن استخدام الإيموجيات والمحتقر لها يتماشى في الحقيقة، بلا وعي، مع هذا الإطار التطوري.
فإذا كان التواصل بالرموز الصورية تواصلًا بدائيًا، فلا شك أن اقتصار المثقف على اللغة المكتوبة يرسخ مكانته في أعلى درجات سلم الحضارة، وتضاف نقاطٌ إضافية إن كانت اللغة منمقة وفصيحة.
لكن اليوم أعادت الإيموجي لغة الصور الرمزية إلى الواجهة. وباتت جزءًا أساسيًا من لغة التواصل في مختلف الوسائط، مع استخدام ما يقارب 92% من رواد الإنترنت لها لما تكتنزه من قدرة تعبيرية لا يمكن للأبجدية وحدها إيصالها. مع ذلك، فإن الصورة السائدة لدى المثقف عن تطور اللغة تغيّب هذه الجوانب، ويصر على قولبة استخدام الإيموجي ضمن قيم الحضارة والبدائية والسمو والدنو وغيرها.
من هذا المنطلق يفضل المثقف قول «جعلتني أتدحرج على الأرض ضاحكًا» عوضًا عن «🤣🤣🤣»،لئلا تسقط هيبته أمام جمهوره، ولئلا ينزلق عن سلم الحضارة قليلًا. وهكذا تُضاف الإيموجيات إلى قائمة محظورات المثقف، كالإندومي والبايسُن ولبس البلوزة أثناء الخروج إلى المقهى.
مقالات أخرى من نشرة أها!
لا تنخدع بلغة التواضع
أجادل أنَّ التواضع اليوم ليس إلا بديلًا آمنًا للمتكبّر لإظهار كبره، ووسيلة إضافية لمضاعفة رأس المال الاجتماعي.
حسين الضولا تلغِ النسيان يا إيلون
ماذا لو زُرِعت الرقائق في الدماغ لتضاعف من قدراته وتخزّن الأفكار والأحلام؟ بغض النظر عن إمكانية تحقق ذلك، يظل التفكير في ذلك خطيرًا ومخيفًا.
أشرف فقيهمن تهشتق فقد تزندق
إذا كان الخوف من العواقب السوشال ميديائية وتهم «الزندقة» عاملًا رئيسًا في استخدامنا لغة «صائبة»، فذلك يعني نفاقًا جماعيًا.
حسين الإسماعيلأنت ناجح ولست محتالًا
«متلازمة المحتال» نمطٌ نفسي يشكّك الفرد في مهاراته، ورغم كفاءته وتحقيقه للعديد من الإنجازات في حياته إلا أنه ينسب نجاحه إلى الحظ.
بثينة الهذلولالشغف لا ينتهي عند التخصص الجامعي
لا شيء يدعونا لاكتشاف الذات سوى كثرة التجارب والخبرات المتراكمة، التي لا تأتي إلا من خلال الانخراط في مهام عملية يومية مع فريقٍ داعم.
أحمد مشرفلا تتكاسل عن تصحيح لخخيقثشيس
ليست المصيبة في تسهيل حياتي، بل في أنني صرت أكثر كسلًا من التدقيق وراء ما أكتب حتى في المنصات التي لا تعرفني أكثر من نفسي.
حسين الإسماعيل