لا خصوصيّة في زمن المسحّب

أجد نفسي متسائلًا: متى بلغتُ هذا التساهل في إفشاء بياناتي؟ وما الذي جعلني لا أتردد بتاتًا في مشاركة بعضها؟

لا خصوصية لبياناتك / عمران

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
6 أكتوبر، 2022

لو وصلتني رسالة وتسابية من رقم مجهول يطلب مني إرسال موقعي ويخبرني أنه قادم، لتجاهلته وبلكته دون تردد خوفًا على سلامتي. لكن لو وصلني الطلب نفسه من رقم مجهول يدعي أنه مندوب إحدى شركات التوصيل، لأرسلت له موقعي وأخبرته عن أوقات وجودي بالمنزل، ووصفت له الأبواب المفتوحة من الأبواب المغلقة، بل ولسولفت معه لاحقًا عن وجباتي المفضلة وأوقاتها والكلمات السرية لبطاقات البنك.

أوكى! إخباره بكلمات السر مبالغة 😏 لكن كل ما قبلها سبق أن حدث فعلًا. أجزم أن موقع سكني وبابه الخارجي معلوم عند العشرات من الأشخاص الذين لا أعرف حتى أسماءهم، في حين أنهم يعرفون اسمي ورقمي وتوقيت تناولي لبعض وجباتي وذائقتي في الأكل. فضلًا عن أن سيارتي -المرحومة- ظاهرة في أغلب تلك الصور. 

ولكن بحكم اطمئناني نسبيًا لكوني لست مشهورًا يلحقه الباباراتزي، أو موجودًا على «قائمة الموت السوداء» لأحدهم (أو أتمنى أني لست كذلك)، فإني مستمر في ترقيم المناديب وإفشاء خصوصياتي لهم وفق الحاجة. ربما فات الأوان لأخذ خصوصيتي في الحسبان، ولكن ذلك لا يمنعني من حلب الموضوع في تدوينة أو اثنتين. 

هنا أجد نفسي متسائلًا: متى بلغتُ هذا التساهل في إفشاء بياناتي؟ وما الذي جعلني لا أتردد بتاتًا في مشاركة بعضها؟ الجواب سهلٌ عندي: بدأ الموضوع حين صارت شركات الشحن وتطبيقات توصيل الأكل جزءًا من أسلوب حياتي. ولقد استخدمتُ صيغة الجمع -للأسف- لأن تساهلي تناسَبَ طرديًا مع عدد الشركات والتطبيقات والراحة (والتكلفة) التي يوفرها تطبيقٌ ما مقارنة بالبقية.

وهكذا فإني فعليًا أشتري راحتي وراحة بالي. ولكنني لا أشتريهما بالمال فقط، بل صرت أدفع جزءًا من خصوصيتي مع كل عملية جديدة. فلم يعد معنى «إن كان الشيء بالمجان، فأنت السلعة الحقيقية» محصورًا في فكرة الإعلانات والتسويق بشكلها القديم وحسب، بل صار مرتبطًا بتتبع كل آثارك الإلكترونية الممكنة في سبيل استخدامها وبيعها. 

والحقيقة أن مشاركة المندوب عنواني ليس إلا الحلقة الأضعف في هذه العملية المعقدة، إذ أمتلك في نهاية المطاف حرية اختيار موقع التسليم. لكن الطامة الكبرى هي في البيانات التي أجهل أساسًا أن هذه التطبيقات تجمعها، وجهلي بالآليات التي تستخدمها فيها. 

ليظل السؤال، ما القيمة الحقيقية لوصول المسحب ساخنًا إلى باب بيتي؟


مقالات أخرى من نشرة أها!
13 يوليو، 2023

لماذا أسعدني انتقال القادسية إلى أرامكو

أنا موقن أنَّ أرامكو التي نجحت سابقًا في تحويل بطولات الهواة إلى بطولات محترفين لن يصعب عليها تحويل نادي القادسية إلى نادٍ منافس.

أنس الرتوعي
28 مارس، 2023

نفورنا من المنتَج المحلي سبب رداءته

أزعم أن رداءة هذا المنتج المحلي هو نتاج رداءة الممارسة الثقافية ذاتها وعدم مقدرتنا على معرفة موضوعاتنا الثقافية وأسئلتها.

حسين الضو
3 يناير، 2023

اعمل في شركة تنتمي إلى قيمها

من البداية، اختر العمل في مؤسسة تؤمن بقيمها بحيث لا تضطر لمخالفة قيمك الشخصية، أو انتقل إلى مؤسسة تشاركك قيمك.

أنس الرتوعي
17 نوفمبر، 2022

الذكاء الاصطناعي شريكك الإبداعي

نحن نتعامل بتشاؤم مع كل خبر عن برامج الذكاء الاصطناعي، وننسى أنَّ الذكاء الاصطناعي في النهاية امتدادٌ لذكائنا البشريّ.

إيمان أسعد
29 أغسطس، 2023

لماذا تعلَّقنا بأفلام كريستوفر نولان؟

هذه الحيرة في المشاعر هي ما تجعلنا متعلقين برغبة مشاهدة معظم أفلام نولان أكثر من مرة. ليس لأنها غامضة، بل لأنها تمنحنا «ارتياح الدهشة».

أنس الرتوعي
29 ديسمبر، 2022

هل ستكون من القلّة في 2023؟

أؤمن أنَّ قارئ هذه السطور سيكون ممن يقولون «لا»، لأن لولاها لكنتَ مستغرقًا اللحظة في تصفح التواصل الاجتماعي دون هدف.

أحمد مشرف