حينما قرأت مصطلح «الاستقالة الصامتة» (quiet quitting)، ظننتها التتمة غير الدرامية لظاهرة «الاستقالة العظمى» من العام الماضي. ثم اكتشفت أن «الاستقالة الصامتة» ليست استقالة أساسًا.
هي مصطلح جديد يشير إلى مفهوم قديم: عدم تعلّق الموظّف معنويًا وعاطفيًا بعمله، وقيامه بما يتوجب عليه دون أي زيادة. لكن طبيعة مواليد الألفية ومن جاء بعدهم، إضافةً إلى اجتياح توجهات إنترنتية سريعة، أعطت «الاستقالة الصامتة» نكهتها التكتوكية المتميزة.
أنا من جيل الألفية الذي ترعرع على الإنترنت وانضم إلى سوق العمل قبل ما يقارب خمس سنوات. وقد صادفت الجائحة بداية مسيرتي المهنية، ولعبت دورًا كبيرًا في تكوين وجهة نظري تجاه العمل. فبدأت أرى إمكانية الموازنة بين عملي ودراستي والوقت الذي أقضيه مع عائلتي، دون الحاجة إلى الخروج من المنزل.
لكن حينما انضممتُ إلى مقر العمل حضوريًا بعد فترة الحجر، شعرتُ بأن وقتي يضيع أثناء التنقل بين منزلي والمكتب، وأنني سأتخلص من تحمّل إزعاج الآخرين لو كنت أعمل من راحة غرفتي. كما تراكمت أعمالي وتضاعف عدد الاجتماعات التي كنت أحضرها في المكتب، مؤديًا إلى الإحساس بالاستنزاف.
أرى أن المشاعر التي تركها العمل عن بعد في نفسي مشتركة بين عدد كبير من الموظفين، فقد كانت من الأسباب التي أدّت إلى الاستقالة العظمى أساسًا، وإلى استقالتي أثناء تلك الفترة أيضًا. وهي المشاعر نفسها التي تحرّك الاستقالة الصامتة اليوم، إذ أتفهّم تمامًا فقدان الارتباط المعنوي بالعمل، وعدم الرغبة في المبادرة بما لا يُطلب أو يُشكر.
لكن ما أثار اهتمامي انتشار هذا المصطلح الجديد على تك توك. فقد مرت الأجيال السابقة بالتجربة نفسها بعدما انضمت إلى سوق العمل ولم تجده سهلًا كما توقعت. فما الجديد الآن؟
ما يميّز جيل «المترعرعين على الإنترنت» مشاركته لكل كبيرة وصغيرة على منصات مثل تك توك، باستخدام رموز ولغة جديدة للتعبير عن المعاناة. فحينما يتفاعل أحد مع الوسم (أو الهاشتاق) «quietquitting#»، تعرض الخوارزميات المزيد من المقاطع بالوسم ذاته، مما يخلق شعورًا بأن العديد من الأشخاص يمرّون بالصراع نفسه.
لا أعرف إن كانت الاستقالة الصامتة حركة حقيقة ستغيّر سوق العمل، أم توجّهًا إنترنتيًا سيختفي خلال أيام. لكن حتى إن لم يحل تك توك مشكلة الاستنزاف في العمل، فإنه على الأقل يمنحك «هاشتاقًا» تبكي على كتفه.
مقالات أخرى من نشرة أها!
بالنسياقا تقود عجلة التفاعل بامتياز
وراء كل إعلان يتلقاه الجمهور فريقٌ يقضي أيامًا في التخطيط. وهذا ما يجعلني أجزم أن حملة «بالنسياقا» كانت مدروسة بحذافيرها لإثارة الجدل.
رويحة عبدالربكيف تمحو الذكريات السيئة؟
في صناعتي لذكريات جديدة استطعت التخلص من تأثير الذكريات السيئة، وبدأت أخرج من الدوامة النفسية التي علقت بها.
أنس الرتوعيصانع المحتوى يلحق جزرة الخوارزميّات
لم «تجبرني» إنستقرام على التحوّل إلى الريلز، لكنها بالتأكيد مارست عليّ «الإجبار الناعم» من خلال «دندلة» جزرة الانتشار أمام عينيّ.
إيمان أسعدشهادتك الجامعية لا تنفعك
تروِّج الكثير من منصات التعليم التقنية إلى قيمة شهادتها العالية في التوظيف مقارنةً بالشهادة الجامعية، والمشكلة أنَّ ترويجها قد يكون صحيحًا.
ثمود بن محفوظلا تنظروا جهة الموت
إن الكارثة -الموت- آت لا محالة بفعل نيزك أو أزمة قلبية أو قشرة موز. فلماذا نجح فلم «لا تنظروا للأعلى» في تعليقنا بأحداثه؟
أشرف فقيهلماذا يحتقر المثقف الإيموجي؟
يفضل المثقف قول «جعلتني أتدحرج على الأرض ضاحكًا» عوضًا عن «🤣🤣🤣»،لئلا تسقط هيبته أمام جمهوره، ولئلا ينزلق عن سلم الحضارة قليلًا.
حسين الإسماعيل