خرافة «من الصفر» في حكاية رائد الأعمال

إن نقطة الصفر التي ينطلق منها دعاة الاستثمار خرافة، والتنظير الفوقي المتعالي منهم ليس إلا إمعانًا فيها وإهانة ضمنية لظروف الآخرين.

خرافة البدايات الصعبة / ImranCreative

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
6 يوليو، 2022

نزولًا عند رغبة أحد الأصدقاء، حضرت ندوة استضيفت فيها مؤسَّسة شركة محلية تبلغ قيمتها السوقية رقمًا فلكيًا. تحدثت الضيفة عن رحلتها من الصفر معتمدةً على نفسها دون أي مساعدات عدا مساعدة بسيطة جدًا: تمكُّنها من مقابلة أحد كبار المسؤولين. وهذا المسؤول سهّل حصولها على التراخيص المطلوبة، بحكم نفوذ والدها وشبكة علاقاته.

تذكرني حكايتها بحكاية إمبراطوريّة دونالد ترامب المليارية التي صنعها ابتداءً من الصفر. فترامب استطاع تكوين نفسه بنفسه دون امتلاك شيء، عدا القرض الذي منحه إياه والده بقيمة مليون دولار. وبغض النظر عن التقارير التي تتحدث عن تضليلية هذه المعلومة وأن قيمة «قرض» الوالد تجاوزت ستين مليون دولار، لا تزال قصة ترامب تُقدَّم بوصفها قصة نجاح من الصفر.

يستحضر ذهني هذه الحكايات كل مرة أقع على تغريدات تنادي بضرورة الانعتاق من قيود الوظيفة وبدء «بزنس» شخصي، أو تغريدات تعلّم الناس كيفية إنفاق الراتب بما يسمح باستثماره وتوفير جزء منه شهريًا. القاسم المشترك بينها هو افتراض أصحابها معرفتهم بحقيقة النقطة «صفر»، وأنهم يتساوون مع الجميع في معايشتها.

لكن في الحقيقة هذا الافتراض ليس إلا نسخة معاصرة من «إذا لم يجدوا الخبز دعهم يأكلون الكعك،» إذ ينطوي على انفصال متعدد المستويات عن الواقع.

من أواخر التغريدات سلسلة تحتوي مثال تقسيم راتب شهري «بسيط» بشكل يضمن توفير 20% منه. يتضح من النظرة الأولى أنَّ المقصود موظف ينتمي للطبقة المتوسطة، ويحظى بامتياز العيش باستقلالية كما لو أنه مقطوع من شجرة. 

فمنذ لحظة استلام راتبه، يستطيع هذا الفرد إنفاق أغلب الراتب على مصروفاته الشخصية بفائض ترفي واستثماري. فليس ثمة ديون يسددها ولا التزامات عائلية يتكفل بها أو يسهم فيها، ولا حاجة لادخار مبلغ لشراء سيارة مثلًا. فضلًا عن افتقار التقسيمة للرأسمال الابتدائي الذي يؤهل الفرد للانتقال لمدينة أخرى للعمل.

إن نقطة الصفر التي ينطلق منها دعاة الاستثمار خرافة، والتنظير الفوقي المتعالي منهم ليس إلا إمعانًا فيها وإهانة ضمنية لظروف الآخرين وتدبيرهم لأمورهم. ويتجاهل هذا الخطاب الاستثماري الدعوي عشرات العوامل المحورية، سواء تمثلت في أثر بيئة النشأة البالغ على العديد من الفرص الحياتية، أو تباين سلم الأولويات (لا يصدق داعية للاستثمار أن هناك من لا يتشارك معه أولوياته)، أو حتى الصدفة السعيدة أحيانًا. 


مقالات أخرى من نشرة أها!
15 أغسطس، 2023

نجاح الرأسمالية في بيع اليوقا علينا

أصبحت اليوقا مثل وجبة هندية، مظهر آخر من مظاهر الاندماج مع حضارة أخرى وخيار أساسي في أسلوب حياة البعض بصفته منتجًا يُباع ويُشتَرى.

سحر الهاشمي
12 يونيو، 2022

هل شبّه شكسبير النساء بالصحف؟

سهَّل الإنترنت وتطوراته نقل المعلومات، إلا أنه جلب معه شكلًا جديدًا من الفوضى المعلوماتية وأصبح الكل يغرق في معلومات لا أساس لها من الصحة.

ثمود بن محفوظ
3 أغسطس، 2023

شتَّان ما بين السكينة الغربية والإسلامية

لا توجد مشكلة في الإنفاق على راحتنا النفسية، بل إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. المشكلة هي في ربط سعادتك كلها بذلك.

حسن علي
4 أكتوبر، 2022

لماذا كنسلت اشتراك ميديم؟

بفضل الإنترنت، انهارت حواجز دخول عالم الكتابة، وأصبح بمقدورك حجز عمودك في منصات مثل ميديم والكتابة فيها مثل أكبرها صحفي.

ثمود بن محفوظ
27 سبتمبر، 2022

لماذا نحتاج إلى بعض الأوهام؟

تمسُّكنا بالأوهام شكلٌ من أشكال استحضار الصبر. نتدرب من خلاله على الإمساك بالطرق الطويلة التي توصلنا إلى نتائج غير متوقعة.

أحمد مشرف
18 سبتمبر، 2022

عين دور النشر على كتابك المستعمل

تنظر بعض دور النشر إلى سوق الكتب المستعملة بعينٍ حاقدة. فما يباع هناك من كتب ربحٌ ضائع لأنهم ليسوا جزءًا من عملية البيع.

ثمود بن محفوظ