كيف نتجهز لعصر السيارات الذاتية؟

لا نحتاج أن نفكر كثيرًا لنتوقع أن دخول السيارة الذاتية سيقلل من الحاجة إلى رجال الشرطة بسبب قلة المخالفات

كنت أقود سيارتي باتجاه منزلي بعد زيارة سريعة للسوق، وبينما كنت ألتف للجهة الأخرى من الطريق، فوجئت أن السير متوقف لأن سيارةً تابعة للمرور كانت تقف في منتصف الطريق. استنتجت من حركة السيارة البطيئة أن الشرطي يقيّد مخالفات على السيارات التي تقف بشكل خاطئ.

وما هي إلا أجزاء من الثانية حتى بدأتُ بالتفكير في السيارة ذاتية القيادة أو ما يعرف بالسيارة الذكية، وكيف أن شرطي المرور لن يكون بمقدوره إصدار مخالفة مشابهة خلال بضعة عقود. ولن يكون هذا هو الأمر الوحيد الذي ستتسبّب فيه السيارة الذاتية، بل ستكون هناك تغييرات على عدة مستويات تشمل تشريعاتٍ ووظائف وتخصصات علمية.

لا نحتاج إلى أن نفكر كثيرًا لنتوقع أن دخول السيارة الذاتية سيقلل من الحاجة إلى رجال الشرطة بسبب قلة المخالفات. وهو التأثير المباشر الذي نسمع عنه حين يتحدث الناس عن أثر الذكاء الاصطناعي في زيادة مستويات البطالة في المستقبل، حيث إننا لن نحتاج إلى العدد نفسه من شرطة المرور وغيرها من الوظائف التي ستقضي عليها الأتمتة.

ومع ذلك، سنجني الكثير من الفوائد،

فالسيارة الذاتية لن تُسرع لأنها بُرمِجت لاتباع قوانين المرور، وسيقلل هذا من حوادث السرعة، ويسهم مباشرة في تقليل نسبة الوفيات والإصابات. ولهذا الشيء أثره الاقتصادي الإيجابي، حيث تتكفل بعض الدول بعلاج بعض المصابين وبتوفير التسهيلات لهم، لكن هذا ليس كل شيء.

لن يكون دخول السيارات الذاتية مثل دخول موديلات جديدة من السيارات الحالية، بل إن الأمر أشبه بدخول الحواسيب إلى مجال العمل في القرن العشرين. سوف تحصل تغييرات تطال حياتنا على عدة مستويات؛ ثمة تغييرات على المستوى التعليمي والتشريعي والوظيفي، وسنحتاج إلى تعلّم مهارات جديدة والتخلي عن مهارات قديمة.

الشارع من منظور سيارة ذاتية القيادة

لو تفكّرنا في حالنا اليوم، سنلمس أثر التقنيات البسيطة مثل الشبكات الاجتماعية وقدرتها على إحداث تغييرات في المجتمعات حول العالم. لذا فإن تغييرًا في وسيلة النقل الأساسية التي اعتمدنا عليها أكثر من 100 عام سيكون له أثرٌ أكبر من مجرد فقدانِ وظائف أو اختفاء بعض المخالفات، وهدفي هنا تقديمُ صورةٍ للوضع الحالي واستشراف التغييرات التي ستطالنا مع دخول السيارات الذاتية حياتنا أو حياة أولادنا.

سيارة آلية وسيارة ذاتية

لنتفق على بعض التعريفات الأساسية، ففي عالم السيارات المؤتمتة هناك نوعان: الآلية والذاتية.

تتلقى السيارة الآلية التعليمات من البشر، مثلًا «اذهب من النقطة أ إلى النقطة ب عبر الشارع الفلاني». وتستطيع أن تعدّ هذه السيارات مجرد منفذ للتعليمات، فهي لا تعيد تغيير المسار لو كان الشارع مغلقًا أو مزدحمًا، بل تستمر في تنفيذ الأمر أو تتوقف في حالة الفشل. وبحسب إبراهيم المسلم الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن تتبّع المشاكل التي قد تحدث في هذا النوع من السيارات سهلٌ لمعرفة مواطن الخلل وأين حدثت المشكلة.

أما السيارة الذاتية (التي هي صلب حديثنا في هذه المقالة)، فهي التي تخبرها برغبتك في الذهاب من المنزل إلى السوق، وتبدأ في الحركة واتخاذ كافة قرارات الرحلة بنفسها دون أي تدخل من المستخدم. وتتبّع المشاكل في هذا النوع من السيارات أكثرُ تعقيدًا، لأن القرار يُتخَذ بناءً على العديد من العمليات الحسابية المعقدة التي تتم عبر ما يسمى بالشبكات العصبية، ولذلك قد يصعب تحديد أين حدث الخطأ في هذا النوع. ومن هنا يبدأ تعقيد عالم السيارات الذاتية الذي سنتحدث عنه لاحقًا.

مستويات الأتمتة وبدء التقنين

وضعت منظمة SAE ستة مستويات لأتمتة السيارات: من 0 إلى 5. وقد أصبح هذا المعيار متفقًا عليه بين مصنعي السيارات الذاتية حول العالم. يمثل المستوى صفر السيارةَ الخالية من أي أتمتة، وأما المستوى الخامس فيعني أن السيارة ذاتيةٌ بشكل كامل دون أي تدخل بشري تحت أي ظرف كان، وهو ما تدعي شركة تيسلا (Tesla) أنها تمكنت من الوصول إليه في نظامها الجديد الذي كشفت عنه في أواخر أبريل 2019.

وفي حوار أجريته مع فهد العييري المتخصص في أخلاقيات الروبوت من جامعة القصيم، أخبرني أننا نستطيع أن نعد الجيل الحالي من السيارات الذاتية قد وصل إلى المستوى الثالث. ولأننا على أعتاب النقلة القادمة، فإن الجيليْن الرابع والخامس سيواجهان العقبة الأكبر، فكلما زاد المستوى قلّت الحاجة إلى التدخل الإنساني في القيادة.

ولذلك يجب أن تخضع هذه التقنيات للعديد من الاختبارات المتعددة تحت العديد من الظروف للتأكد من تقديم أعلى مستوى من الأمان، وهو ما يحدث في العديد من الدول حول العالم.

اختبار تقنيات السيارات الذاتية

يشير موضوع نشر على موقع QZ.com في ديسمبر 2018 إلى أن 74 مدينة حول العالم بدأت في تجربة السيارات ذاتية القيادة، وذلك ضمن جزءٍ من التجهز ولفهم هذه التقنية أكثر وتقييم مخاطرها ووضع المحاذير اللازمة لتجنب أي مشاكل قد تحدث. وفي الولايات المتحدة، سنّت العديد من الولايات قوانين بخصوص تجربة السيارات الذاتية.

على سبيل المثال،

تسمح ولاية كاليفورنيا للشركات بتجربة السيارة دون وجود سائق داخل السيارة مع اشتراط إمكانية التحكم عن بعد، في حين توجب كلًا من ولايتي نيفادا وأريزونا وجود شخص داخل السيارة للسماح بتجربتها على الطرق العامة.

تطلب قوانين الولايات أيضًا من الشركات التي تقوم بتجربة سياراتها مشاركة بعض الأرقام الإضافية مثل المسافات المقطوعة، وعدد المرات التي احتاج فيها السائق إلى التدخل أو إيقاف السيارة لمنع حدوث مشكلة.

وتظهر بيانات قسم النقل في ولاية كاليفورنيا أن الأخير في هبوط مقارنة بالسنين الماضية، وهو ما يفسر سماح الولاية بتجربة السيارة عن بعد دون الحاجة إلى وجود شخص داخل السيارة. وما زالت التشريعات المتعلقة بالسيارات الذاتية في بدايتها، لكن يظهر لنا أن على بقية الدول البدء في خوض هذا النقاش وبدء طرح تشريعات أولية.

المسؤولية والأمان

يعد هذا السؤال من أهم الأسئلة المطروحة حاليًا، فدخول أتمتة القرار ووضعه في يد نظام تحكم بالسيارة يعني أن السائق ليس المسؤول الأول عن كل شيء، فالمصنع يَحمل هو الآخر جزءًا من المسؤولية.

وضّح لي المسلم أن هناك بعض النقاشات والتوصيات التي تدور حول هذا الموضوع، وأن الغالبية تميل إلى أن تنتقل المسؤولية في حالة ارتكاب السيارة أي مخالفة إلى الشركة المصنّعة وليس السائق، لأن المصنع هو الذي بنى النظام وبرمجه وجربه. وفي حال تم هذا الأمر، فسوف تظهر الحاجة إلى الخروج بتشريعات جديدة، مثل تراخيص بيع السيارات الذاتية، والاشتراطات الحكومية التي يجب أن يستوفيها المصنعون.

ويفترض أيضًا أن يكون هناك تأمين تدفعه الشركات المصنعة لتغطية الأضرار التي قد تنتج من سياراتها في حالة وقوع أضرار لا سمح الله.

هناك بعض المخاوف من التلاعب المحتمَل في السيارات الذاتية، فقد استُعرِضت العديد من الطرق لاختراق السيارة أو تنفيذ هجمات إعماء على الكاميرات التي تراقب الطريق لبضع ثوانٍ، وهو وقت كاف لحدوث مصيبة أو حادث وهو ليس أمرًا صعب التنفيذ. وهذه المحاضرة في مؤتمر بلاك هات (Blackhat) تستعرض كيفية خدع العديد من الحسّاسات الموجودة على السيارات باستخدام أدوات بسيطة ورخيصة.

كما أن الخلل البرمجي أمرٌ وارد كما في حالة سيارة تيسلا التي فشلت أنظمتها في التعرُّف على الشاحنة واعتبرتها جزءًا من السماء، متسببة في مقتل سائقها.

لعل الأمان أحد أكبر المخاوف التي تطرأ على بال الناس، وهو خوف مبرر، فاختراق سيارتك مختلف تمامًا عن اختراق حاسبك الذكي. فقد يعرضك أحدهما للموت، أما الثاني فضرره يختلف بحسب نوع الاختراق.

ومن أجل ذلك، يرى المسلم أن نتعلم من صناعة الطيران التي تتمتع بمعايير أمان عالية جدًا، وذلك عبر إيجاد سياسات ومقاييس وممارسات تجعل من السيارات الذاتية أكثر أمانًا. وليس الأمر مجرد تحديث أو برنامج يُركَّب في السيارة، بل منظومة متكاملة بين البشر والآلات، وهو أمر سنتطرق إليه في حديثنا عن الوظائف.

فلسفة السيارات الذاتية

تدور أيضًا بعض النقاشات التي قد يراها البعض فلسفية. ولعلكم قرأتم أو سمعتم عن أشهرها: معضلة العربة، وسنفترض فيها أن السيارة مقبلة على حادث أكيد، ولكن هناك خياران: الأول أن تتسبب في مقتل خمسة أشخاص، والثاني أن تتسبب في مقتل شخص واحد.

والسؤال الفلسفي الذي يطرح نفسه: «ما القرار الذي يجب أن تتخذه السيارة؟» وهل نستطيع أن نضمن أن هذا الخيار هو الخيار الصحيح؟ بناءً على ماذا سيتم الاختيار؟ ماذا لو كان الأشخاص الخمسة مجرمين سابقين والشخص الواحد طبيبٌ في طريقه إلى علاج المرضى؟

هل تريد المزيد من المعضلات الفلسفية؟ ماذا لو كان على السيارة أن تختار تجنب الحادث ولكنها ستضحي بحياتك؟ هل ترى أن إنقاذ حياتك أهم من إنقاذ خمسة أشخاص؟ عشرة؟ عشرين؟

هناك العديد من التوصيات حول الموضوع. ففي عام 2017، أصدرت ألمانيا بعض التوصيات بخصوص السيارات الذاتية.

وفيما يتعلق بمعضلة العربة، قررت ألمانيا أن على السيارة أن تتبع فكرة «الأقل ضررًا»، بمعنى أن السيارة سوف تختار الشخص بناءً على معطيات سابقة لتقرر هل تصدمه أم لا مُحدثةً أقل ضررٍ ممكن على المجتمع. ولن تفرّق السيارة بين مسن أو طفل، أو رجل أو امرأة، وسيكون القرار بيدها. وفي حال وجدَت أن موتك سيشكل الضرر الأقل، فقد تضحي السيارة بحياتك.

إن التوصيات الألمانية ما هي إلا محاولة تقنينٍ مبكرة، لكنها تريك مدى تعقيد التشريعات، فأنت لا تتحدث عن تحديد مخالفات سير وتنظيم سوق العمل، بل يصل الأمر إلى تقرير مصائر الناس.

ونستطيع أن نرى بعض الأمور التي ما زالت تحتاج إلى شرح، فكيف ستحصل السيارة على المعطيات التي ستبني عليها قرارها؟ هل سيكون على الدولة جمْع بيانات الأشخاص في قاعدة بيانات كبيرة وإعطاء كل شخص تقييمًا بناءً على قيمته في المجتمع؟ ألا يتعارض هذا مع الحق الإنساني؟

للأسف، لا توجد أجوبة واضحة لهذه المعضلات الفلسفية، فهي ما زالت بحاجة إلى سنين من النقاش. ولننتقل للحديث عن شيء أوضح قليلًا وهو الوظائف.

الوظائف في مستقبل السيارات الذاتية: لن يموت الإنسان جوعًا

هذه الأيام يكثر طرح الأسئلة عن تأثير الذكاء الاصطناعي على عالم الوظائف، وتمتلئ الكثير من المواقع بالتوقعات السوداوية التي تعدُنا بمستقبل أسود مليء بالبطالة، لكنها قد تكون مبالغة.

قد يعتقد البعض أن مجيء السيارة الذاتية سيمحي الكثير من الوظائف الحالية، وهو توقع في محله (جزئيًا). فمع نجاحها سوف تحتاج السيارة الذاتية إلى منظومة كاملة من البشر، فالسيارة سوف تحتاج إلى مبرمجين وبيانات ومصنعين ومشرعين… إلخ وكل هذه الأدوار سيكون الإنسان في مركزها.

على الجانب التشريعي، ستظهر الحاجة إلى متخصصين في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لشرح تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمع والحياة، ووضع تصوراتهم حول الموضوع لمساعدة الدول على وضع تشريعات تتلاءم مع مجتمعاتهم.

تعتمد سيارات العصر الحالي على الوقود النفطي، ولكن وقود المستقبل هو البيانات، وسوف تحتاج السيارة الذاتية إلى كم هائل من البيانات من أجل أن تتخذ القرار وتدرس الأمور، ولا بد أن تخضع هذه البيانات للتدقيق والتجربة، وهنا سيأتي دور البشر.

يعتقد العييري أن ظهور مسميات وظيفية مثل «مدقق بيانات» و«مختبر بيانات» سيكون جزءًا طبيعيًا من التوجه المستمر لتبني الذكاء الاصطناعي في كل المجالات. وسيكون مدقق البيانات منوطًا بالتحقق من أن البيانات سليمة وخالية من أي مشاكل أو أخطاء، وأما الثاني سيجرب هذه البيانات ضمن بيئة محاكاة للتأكد من أن السيارة تستفيد من البيانات بشكل صحيح ولا تتسبب في أي مشاكل؟

جون كرافسيك الرئيس التنفيذي لشركة Waymo

وقد تكون هاتان الوظيفتان مطلوبتين من شركات السيارات التي تود التأكد من سياراتها وأنظمتها قبل بيعها وتحديثها. وفي الوقت نفسه ستكون هناك وظائف حكومية في مثل هذه المجالات من أجل التأكد من مطابقة السيارات للمواصفات والمعايير والتشريعات الخاصة بكل بلد.

السيارات الذاتية كحلقة ربط

في حوار ثانٍ لي مع العييري أخبرني أن هناك وظائف ستخدم كحلقة ربط بين الآلة والإنسان وقد بدأت تتضح معالمها:

  1. المدربون (Trainers)

  2. المفسرون (Explainers)

  3. المدققون (Sustainers)

ستكون وظيفة المدرب تعليمُ الذكاء الاصطناعي كيفيةَ التعامل مع الحالة البشرية بطريقة أفضل ليخدم الغرض الذي صُمِّم من أجله بشكل أفضل. فالذكاء الاصطناعي في مجال خدمة العملاء لا بد أن يكون مدرَّبًا للتعامل مع غضب العملاء وحل مشاكلهم بسرعة.

وفي حالة السيارة الذاتية، ستُدَرَّب السيارة لتتعامل مع المحيط التي ستقود فيه، وأقرب مثال أستطيع التفكير فيه هو تدريب السيارة على القيادة في الشوارع المحلية التي لن تكون الحالة المثالية، فستكون هذه الشوارع مظلمة أو غير مخططة أو مليئة بالحفر، وغيرها من الحالات التي تُصعِّب على السيارة اتخاذ القرار.

ولو أردنا مثالًا أقرب للمنطقة، فيجب أن يكون هناك من يدرب السيارة على «التطعيس» والقيادة في الصحاري كونها هوية منتشرة محليًا، مع أنني أرى هاتين الأخيرتين صعبتين جدًا. كما يجب أن يتدرب الذكاء الاصطناعي للتعرف على عباءة المرأة في الدول الإسلامية وتمييزها كي لا يصدم المشاة، لأن لمثل هذه الأمور خصوصيتها في مجتمعاتنا.

الأمر شبيه بمدرب اللياقة في النادي، ولكن هذا المدرب سيعمل على تقوية عضلات الذكاء الاصطناعي وجعله أقوى في التعامل والفهم.

لماذا اختارت السيارة طريق المدينة بدل شارع التحلية؟

ستكون الإجابة لدى مفسري الذكاء الاصطناعي. ويمكنك النظر إلى هؤلاء كمحققي الأفلام البوليسية.

سيكون لدى المفسرين خلفية كافية عن أنواع الذكاء الاصطناعي، وكيفية عملها، ولذلك سيكون لهم دور في توضيح الأمور للناس وشرح الأسباب التي جعلت الذكاء الاصطناعي يرتكب خطأ أو مخالفة معينة. وفي حالات الحوادث ستكون هناك حاجةٌ للخروج بتفسيرات لأسباب الحادث ولِمَ لَمْ تحمِ السيارة السائق مثلًا؟ ولهذا سيكون لمفسري الذكاء الاصطناعي دور كبير في المستقبل.

رغم أن كلمة (Sustainer) لا تعني «مدقق» حرفيًا، فإنني وجدت أنها أقرب توصيفٍ للمعنى. فوظيفة هؤلاء التأكدُ من أن الذكاء الاصطناعي يعمل كما هو مفترض، وأنه يتبع القواعد التي وُضعت له. وسيكون لهم دور في فهم الصورة الأكبر لتأثير الذكاء الاصطناعي على سير العمل والتدقيق في سير عمل الخوارزميات وتقرير استبدالها في حالة كانت هناك خوارزميات تقوم بالعمل بشكل أفضل ليكون النظام أكثر فعالية وأمانًا.

وحتى مع كل ما ذكرت، تظل هناك الكثير من الوظائف التي ستظهر والتي لا نعلم عنها شيئًا بعد، وهذا يعطي سببًا للتفاؤل بأننا لن نموت جوعًا في المستقبل.

ملكية السيارات الذاتية

تحدثت أعلاه عن التغييرات التي ستطال حياتنا من الجانب الوظيفي والتشريعي وحتى الأخلاقي، وحان الوقت لنترك خيالنا يسرح قليلًا. كان مما تحدثت فيه أنا وإبراهيم المسلم عن التغييرات التي قد تطال «ملكية السيارة».

حين تصبح السيارات ذاتية، هل ستكون هناك حاجة إلى التملك؟ ماذا سيحدث للمخالفات؟

يتصور إبراهيم أن السيارات في المستقبل هي ما سيسجل المخالفات على البشر.

مثلًا مخالفة قطع الشارع من المكان الخاطئ؛ حين يقوم الإنسان بذلك ستسجل السيارة المخالفة عليه وترسلها للشرطة، أو رمي المخالفات من نافذة السيارة. ومن يدري لعل السيارة ستقوم بالإبلاغ عنك في حالِ لم تقم بعمل الصيانة الدورية، ولو كنت من الأشخاص أصحاب السيارات العادية (الكلاسيكيين) وقدت بسرعة زائدة أو مخالفة أنظمة السير، فقد تبلّغ هذه السيارات عنك.

أما عن التملك،

فقد نشهد تحول ملكية السيارات إلى نظام الاشتراكات أو الدفع عند الحاجة على غرار أوبر، ولكننا قد نشهد دخول كبار مُصنعي السيارات هذ المجال أو نشهد تشكُّل تحالفات. وكل ما عليك فعله الاشتراك في خدمة مرسيدس أو تويوتا وطلب السيارة التي ستوصلك إلى مكانك وتذهب إلى الزبون التالي عبر التطبيق.

أسطول أوبر من السيارات الذاتية (Sept. 12, 2016)

وهذا الشيء ليس خيالًا، فكلًّا من أوبر وقوقل تعملان على بناء أسطول من السيارات الذاتية تجهزًا للمستقبل. وبحسب هذا الخبر المنشور في مارس 2019، فإن أوبر تخطط لدخول هذا السوق في عام 2022.

قد يدفع التحولُ إلى النموذج أعلاه الحكوماتِ إلى تبني نظام ضرائب جديد، سيتوجب على الشركات دفع ضرائب للحكومة مقابل وجودها واستخدام الشوارع، وهو دخْل قد يُستفاد منه في العديد من الأمور مثل فكرة الضمان الإجتماعي للجميع أو ما يسمى (Universal Basic Income) تحسبًا لأي زيادة في البطالة بسبب الفجوة الوظيفية التي قد يخلقها دخول الأتمتة في الكثير من الوظائف.

وثمة تصور آخر وهو أن تتحول السيارات الذاتية إلى خدمة حكومية كاملة مملوكة للحكومة مثل الكهرباء، مع أن هذا الأخير مستبعد للتعقيدات الكثيرة وسهولة ترك التصنيع والإدارة والصيانة للقطاع الخاص.

لو انتقلنا للحديث عن الجانب التشريعي، فكلنا يتذكر القصص التي كانت تتغنى بفضائل الشبكات الاجتماعية وقدرتها على ربط الناس؟

وها نحن اليوم بعد مرور أكثر من عقد على ظهور هذه التقنيات نتجادل في الأضرار التي سببتها وكيف نستطيع تقنينها، ولذلك فإن دخول السيارة الذاتية سيسبب الكثير من المشاكل التي لا نعلم عنها كونها لم تكن موجودة في الأساس.

قصور تخيّل المستقبل

في بداية القرن العشرين، طُلِب من مجموعة من الرسامين رسم تصور لحياة الناس في عام 2000، لكن هذه الصور لم تُنشَر، ثم اكتشفها الكاتب الشهير أيزك أزيموف ونشرها في كتابه الصادر عام 1986 بعنوان «أيام المستقبل» (Futuredays).

احتوت هذه الرسوم على العديد من الأفكار والأحلام التي أصبح بعضها واقعًا مثل محادثات الفيديو عن بعد، وما زال البعض خيالًا كالصورة التي تتخيل نقل محتويات الكتب إلى رؤوس الطلبة عبر جهاز إلكتروني. وهناك بعض الصور لها علاقة بالتنقل عن بعد والكثير منها تُصوّر البشر يستخدمون ما يشبه الطائرات الصغيرة من أجل التنقل عوضًا عن السيارات.

تكشف لنا هذه الصورة قصورًا في الخيال في مواجهة المستقبل، فلعل الطيران كان أقصى أحلامنا في بداية القرن العشرين. ولم تدخل فكرة الحواسيب والذكاء الاصطناعي في هذا الخيال، لأن الحاسبات الأولية ظهرت في الثلاثينيات بينما ولد الذكاء الاصطناعي في الخمسينات، ولذلك لم يكن من الممكن أن تدخل هذه الأفكار ضمن خيال الرسامين.

مررنا خلال هذه المقالة على العديد من المحطات ووضعنا الكثير من التوقعات، لكن علينا أن ندرك أن أي توقع مرهون بالمعطيات المتوفرة حاليًا. لذلك فنحن اليوم مثل رسامي تلك الصور من بداية القرن العشرين: مليئون بالأحلام، وجاهلون بما يحمله بالمستقبل. وغالبًا ستكون بعض توقعاتنا صحيحة والكثير منها خاطئًا ونصيحتي الحالية أن تنظر يمينًا ويسارًا حين تقطع الطريق.

التقنيةالذكاء الاصطناعيالمستقبل
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية