قررت ذات يوم أن أجرّب التأثير الثقافي لما تشاهده ابنتي الصغيرة التي تدرس في الصف الثاني. ناديتها وسألتها «هل تعرفين الهالوين؟» أجابتني «نعم، يلبسون فيه ملابس تنكرية.» ثم انتقلت للسؤال الثاني «هل تعرفين عيد الفطر؟» فارتسمت ملامح الحيرة على وجهها، وأجابت بالنفي. هنا صرخ مظهر أبو النجا داخل عقلي «ياااا حلااااااوه».
استغرق مني الأمر بضع دقائق لأوضّح لها أنَّ عيد الفطر هو العيد الذي تلبس فيه الجديد ونزور فيه بيت جدها لتقبض العيدية فعرفته (فالمال ينعش الذاكرة). خرجت ابنتي من الغرفة وتركتني مع إحساسي العارم بفشلي كأب.
اتصلت بابن خالي وسألته عن ابنته الصغيرة وأكد لي أنه يعاني من المشكلة نفسها. راسلت صديقًا أشكو له الحال، فأخبرني أنَّ ابن أخته يجيد الإنگليزية ويعبّر بها أفضل من العربية، والولد لم يدخل المدرسة بعد. فخفَّ قليلًا إحساسي بالفشل الأبوي.
حين كنا صغارًا كان ما يعرض على شاشات التلفزيون يتوافق مع قيمنا وأفكارنا كمجتمع. حتى البرامج الأجنبية المدبلجة كانت تراعي ثقافتنا المحلية، مثل الكابتن ماجد، الذي كان يشار له بأنه «عربي» ويلعب في منتخب «عربي» بالرغم من أصله الياباني.
أما اليوم وبفضل منصات المشاهدة مثل نتفلكس ويوتيوب وما سواها فما يعرض لا يمر على فلاتر قيم المجتمع وأفكاره. بل يمر على الخوارزميات التي تختار بناءً على معايير لا تهتم كثيرًا بنوعية الأفكار، فينتهي الأمر بأطفالك غارقين في ثقافة لا تمت لهم بصلة.
وقد لا يقف الأمر عند التأثير الثقافي، بل قد يُقترح عليهم مشاهدة فيديو يتخفّى بأنه موجه للأطفال لكنه مليء بالإيحاءات الجنسية كما حصل مع فضيحة «إلسا گيت» (ElsaGate) في 2018.
لا توجد حلول سريعة للمشاكل المركبة كهذه. فالأمر يتعدى مشكلة فلترة لأنه خليط ما بين شحّ الإنتاج العربي المتجدد، والخوارزميات المكتوبة دون مراعاة لثقافتك، وصعوبة شرح مفهوم القيم للآلات أصلًا!
وكتقنيّ، أستطيع أن أؤكد لك بأن الحلول التقنية لا تصلح هنا. بل عليك أن «تربي عيالك» وتتحول إلى الفلتر الذي يمنع عنهم الغث والسمين، وإلا احتفلت بالهالوين كل عام مع أحفادك.
مقالات أخرى من نشرة أها!
احذف تطبيق الأسهم من جوَّالك
بعد إحباط تجاربي الأولى مع الأسهم، اتجهت إلى معرفة سر أسطورة الاستثمار في الأسهم وارن بافيت، والسر بسيط لكن قد يراه الكثير صعب التنفيذ.
تركي القحطانيما يتمناه المثقف من إيلون ماسك
إن كان إيلون ماسك مصرًا على تركيب الشرائح في أدمغتنا، أتمنى أن تكون الترجمة الفورية سمعًا وبصرًا وكلامًا هي التطور التقني القادم.
حسين الإسماعيلنتفلكس لن تختار لك جلباب أبي
إذ تستخدم منصات البث العديد من الخوارزميات التي تحلل حركتنا داخل التطبيق، ومع الوقت تبني لنا أذواقنا عبر اقتراحها ما يجب أن نشاهده.
أنس الرتوعيمتحف رسائل الواتساب الصوتيّة
لعلَّ رسائلنا الواتسابية تجد طريقها إلى أرشيف في متحف، لكنها لن تكون كأشرطة الكاسيت. فتغيّر الوسيلة أدّى إلى تغيّر طبيعة التواصل أيضًا
رويحة عبدالربتويتر يقلِّد عين حائل
بعد أن كانت وسيطًا محايدًا، تخطو منصات ميتا وتويتر وگوگل نحو تحمُّل مسؤولية مجتمعية، لكن إلى أي حد سيقبل عملاء تلك المنصات بهذا التحوُّل؟
مازن العتيبيتأملات في الانتقال الآني
ما بين تفكيكك وإعادة تركيبك، هل يُعد موتًا يليه بعث؟ وهل يضمن الانتقال الآني إعادة تكوين الروح؟ أمامنا الكثير حتى يتحقق هذا الخيال العلمي.
أشرف فقيه