رغم ازدهار قطاع التقنية المالية ازدهارًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، و خاصة قطاع «البنوك الرقمية» (Neo Bank) أو «المصارف المنافسة» (Challenger Bank)، فإن جيلًا جديدًا ناشئًا من هذه البنوك يقدم جميع الخدمات المصرفية بالإضافة إلى مميزات إضافية ذات قيمة ومعنى.
منها مثلًا «المؤسسات المالية بأهداف نبيلة» (Financial Institutions for Purpose)، وهي مؤسسات تقدم خدمات مصرفية مسؤولة اجتماعيًا، إلى جانب تركيزها على تحفيز مستقبل أكثر استدامة ووضع مصلحة العميل فوق أي اعتبارات أخرى من خلال التركيز على السلامة المالية للعميل.
تؤدي المؤسسات المالية دورًا محوريًا في النظام الاقتصادي من خلال عمليات الإقراض. وتلتزم «المؤسسات المالية لأهداف نبيلة» باستخدام الودائع الموجودة لديها في مشاريع أهدافها سامية تتوافق مع قيم المجتمع والإنسان. فقد صرحت، مثلًا، شركة «بيربس» (Purpose) وهي مؤسسة مالية لهدف نبيل أنها لا تقدم أي قروض لشركات تصنيع الأسلحة والتبغ ومشاريع إزالة الغابات. كما أعرب الرئيس التنفيذي لشركة «ريماجن» (Remagine) عن التزام الشركة بتقديم 10% من أرباحها في مشاريع لها تأثير إيجابي بيئيًا واجتماعيًا.
المؤسسات المالية وتبني استراتيجيات نبيلة
تضع «المؤسسات المالية لأهداف نبيلة» مصالح عملائها في صميم عملها من خلال بناء علاقات قوية معهم وتعزيز ثقتهم ومساعدتهم في الوصول إلى السلامة المالية. وتستفيد هي بالمقابل من ارتفاع نسبة الاحتفاظ بالعملاء ومن ثَم من نمو الإيرادات.
من قصص النجاح في هذا المجال ما قام به «بنك الكومنولث الأسترالي» (CommBank)، حيث عين منذ ثلاث سنوات مديرًا عامًا للسلامة المالية، للعمل على إحدى استراتيجيات البنك المتمثلة في تحسين السلامة المالية للعملاء. فنجح هذا نجاحًا باهرًا، إذ أدى كل تحسن بنسبة واحد في المئة في السلامة المالية للعميل إلى زيادة عائد البنك على الاستثمار في هذا العميل (ROI) بمعدل خمسة أضعاف. كما انخفض معدل تناقص العملاء (Churn Rate) بنسبة 30% بعد أن بدأ البنك التركيز على تقديم أدوات رقمية لمساعدة العملاء على تحسين سلامتهم المالية.
ووفقًا لما أوردته سلسلة تقارير شركة «أكسنتشر» (Accenture) عن القطاع المصرفي، فقد حققت «المؤسسات المالية لأهداف نبيلة» عائدًا على حقوق الملكية (ROE) أعلى بنسبة 3.2% من البنوك التقليدية، كما أن السعر السوقي للسهم إلى قيمته الدفترية (P/B ratio) كان أعلى بـ 113%. يشير التقرير أيضًا إلى أن تبني المؤسسات المالية لمثل هذه الاستراتيجيات يصب في مصلحة العميل والمؤسسة المالية، فقد حققت زيادة في الإيرادات بنسبة 9% مقارنة بالبنوك التقليدية.
الحكومة البريطانية وتبني ثقافة مجتمع سليم ماليًا
على صعيد الحكومات، نجد الخطة البريطانية للسلامة المالية. فقد أسست الحكومة مطلع عام 2019 هيئة مستقلة للمال ورواتب التقاعد تتبع وزارة العمل والمعاشات التقاعدية. وتهدف الاستراتيجية لمساعدة المجتمع على تحسين السلامة المالية وبناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة، من خلال العمل بشكل تعاوني في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
تضمنت الاستراتيجية خمس مستهدفات رئيسة منها حصول نحو سبعة ملايين طفل وشاب على تعليم مالي، ليتمكنوا من تحقيق أقصى استفادة من أموالهم ومعاشاتهم التقاعدية. وكذلك زيادة عدد المدخرين إلى سبعة عشر مليونًا ليستطيعوا بناء احتياطيات نقدية في حالات الطوارئ، ويكون لديهم تركيز أوضح على مستقبلهم المالي.
إلى جانب برنامج عمل أشمل يوضح مواعيد استحقاق المستهدفات الخمس الرئيسة، التي ستحدد وصول المملكة المتحدة للسلامة المالية بحلول عام 2030.
جيل زد
إن التداعيات التي تدفع بها أزمة كورونا الأفراد إلى إعادة التفكير في أولوياتهم المالية وتغيير سلوكياتهم المصرفية، بالإضافة إلى طريقة تفكير جيل زد، تعني أن نقطة التحول في القطاع المصرفي قد تحدث في وقت أقرب مما يظن العديد من البنوك. Click To Tweetوأظهرت نتائج البحث تمتّع هذا الجيل باهتمام عالٍ بالقضايا الاجتماعية والبيئية، إلى جانب حرصه على سلامته المالية. وتشير الدراسة أن 43% من خريجي المدارس الثانوية يريدون تعلم ثقافة الادخار، و 38% يريدون تعلم إدارة نفقاتهم، و 36% يريدون الحصول على دروس خاصة في تقديم الضرائب.
يمكننا التنبؤ إذن بأن الجيل القادم سيكون على دراية مالية عالية، مما يحتم على بنوك المستقبل تقديم خدمات مالية تجعل العميل أولوية. يدفعنا كل هذا للتساؤل: هل ستكون البنوك قادرة على تغيير استراتيجياتها بسرعة كافية للحفاظ على حصتها السوقية عندما تحين اللحظة؟ والسؤال الأهم هو متى ستتبنى المؤسسات المالية استراتيجيات مصرفية هادفة؟
اقرأ المزيد في الرأسمالية
الثورة الصناعية: بين أم كلثوم ونانسي عجرم
خدعة الإعجاب
كيف ارتبط البتكوين بجرائم غسل الأموال؟
هل غيرت كورونا نظرتنا للعمالة الأجنبية؟
العلبة التي لم يتغير سعرها 70 سنة
