إن وجود أحدنا، قيمته الأدبية والمادية، عبارة عن بيانات قابلة للتداول وللحفظ، وقابلة أيضًا للفقد والتلاعب. هكذا يقول الواقع بالرغم من كل الضمانات التي وضعت لصد المخاطر التقنية التي لا تنفك تتطوَّر لتكسر هذه الضمانات في لعبة لا نهاية لها.
فأنت بالنسبة للحكومة رقم هوية وطنية. إذا حصل وتوفاك الله -بعد عمر طويل- ستوضع مقابل اسمك في السجلات الرقمية علامة «متوفى». لكن ماذا لو «هكَّر» أحدهم قاعدة البيانات وأمات نفسه رقميًّا؟
في هذه الحالة فإنه سيُعفى من دفع الضرائب. لكن ثروته، المحفوظة في البنك بصيغة رصيد رقمي، ستؤول لسواه.
سنفترض أنه توصَّل إلى طريقة لتجميد رصيده، هل يمكنه الاستمتاع بهذه الأموال تحت هوية أخرى؟ أو يسحبها نقدًا وينفق منها في موتته الرقمية؟ كيف سيسافر ويتنقل بدون بطاقة ائتمانية ولا فواتير خاضعة للمراقبة؟
ثم، ألن يفضحه تنقله المسجل رقميًا عبر هاتفه المربوط بشبكة الجوال؟ أم أنه سيستغني عن الهاتف الذكي اللعين؟ كيف سيحجز في الفنادق والمطاعم وعلى الطائرات؟
ماذا لو زوّر أحدهم بقية وثائقك الرقمية أو مسحها، شهادتك الجامعية مثلاً؟ كيف ستثبت لجهة عملك أنك تستحق راتبًا قدره كذا عطفًا على شهادة الدكتوراه المزعومة؟ كيف ستثبت لأحفادك أنك أديب مرموق إذا ضاعت كل نصوصك المنشورة على الفيسبوك؟ أو اختفت صفحتك من على موقع قودريدز كأن لم تكن؟
ماذا لو أصاب عطلٌ كامل قاعدة بيانات سجل المواليد؟ كيف ستسجل عيالك في المدارس وفي التأمين الصحي؟ وإذا قرر عابثٌ ما أن يعدل بياناتك ويصيبك بمرض ما، أو يشفيك منه، فما العواقب؟
إذا تلخبطت السجلات الرقمية وصرت فجأة مالكًا لسلسلة محال تجارية، فمن يخلصك من متابعة وزارة التجارة ومصلحة الضرائب والجمارك؟ ماذا لو لُفقت لك تهمة إلكترونية، أو قال «النظام» أنك لا ينبغي أن تسير حرًا قبل قضائك فترة محكومية ظهرت بسبب خلل ما؟
ماذا لو كنت رجلاً، وأشارت السجلات أنك مستحق لإجازة وضع؟ سترفع شكوى.. عبر النظام الإلكتروني نفسه. هل سينصفك النظام؟ أم سيقرر أنك بشريٌّ محمَّل بعلل الخطأ والنسيان، ما دفع بالبشر في المقام الأول لربط كامل تفاصيل حياتك بنظام رقميّ عرضة لاحتمالات لا حصر لها من الضياع والتلاعب.
مقالات أخرى من نشرة أها!
هل ستكون من القلّة في 2023؟
أؤمن أنَّ قارئ هذه السطور سيكون ممن يقولون «لا»، لأن لولاها لكنتَ مستغرقًا اللحظة في تصفح التواصل الاجتماعي دون هدف.
أحمد مشرفهل تتغلب تك توك على قوقل؟
إن كنتُ أبحث عن تقييمات ممتعة حول مطعم، سألجأ إلى تك توك. لكن اختياري للبحث العميق وقراءة المصادر والأبحاث سيظل قوقل.
رويحة عبدالربالحلقة المفرغة من البطالة الخفيّة
قد تكون مشكلة قلة العمل مغرية بالنسبة لك؛ لكن قضاء ساعات طويلة في مكان العمل، دون مهام تشغلها، هو أشبه بحلقة مفرغة من «البطالة الخفيّة».
بثينة الهذلولتمسَّك بالملابس التي تحبّك
الملابس التي نرتديها مثل اللغة، تتكلّم عنك وتتكلّم إليك، حتى إن لم نفهم كل معانيها. لهذا علينا أن نكون أكثر وعيًا بتأثيرها وعلاقتنا بها.
بثينة الهذلولالحرب العالمية الثالثة لن تندلع في أوكرانيا
تصاعد هاشتاق «الحرب العالمية الثالثة» مع أحداث الغزو الروسي لأوكرانيا. لكن أوكرانيا لن تكون فتيل الحرب العالمية الثالثة، بل تايوان.
نايف العصيميلا تدع «صورة الجسد» تسيطر عليك
تعلمت كيف أحب هذا الجسد، وأن أعمل على إنقاص وزني من أجل صحتي الجسدية والنفسية، لا إذعانًا لسلطة «صورة الجسد» السلبية.
بثينة الهذلول