اليابان تعيد صناعة العائلة
تعيد اليابان اليوم صناعة العائلة إذ تواجه أزمة في إنحدار معدل المواليد وهجرة العمال واضمحلال مفهوم العائلة لتخلق الروبوتات عهد جديد من رعاية البشر
إلى الروبوتات، أهلاً بكم في وظائكم الجديدة: العناية والاهتمام بالبشر. كما ذكرنا في نهاية حلقة فنجان عن التعليم إن الإنسان يملك قويتين، الأولى الجسدية والتي ما إن تغلبت الآلة عليها في القرن الماضي إلا وأخذت كل تلك الوظائف، والقوة الثانية هي الذهنية، والتي بدأنا نجد الآلة تتطور لتشكّل خطرًا على مستقبل الوظائف لنا البشر. والعقد القادم سيشهد المجتمع تحولاً عظيمًا عندما يستطيع الإنسان العيش جنبًا إلى جنب مع الآلة. إلاّ أن مصائب قومٍ عن قومٍ فوائد.
في اليابان، حيث كبار السنّ يزداد عددهم، والشباب قلّة، والعجّز أكثر السكّان. نجد متوسط عمر الإنسان في اليابان 80 عامًا للرجال، و87 للمرأة، وهذا متوقع أن يزداد ليصل إلى 94 عامًا خلال السنوات القادمة. وبين 2010 و2025، يتوقع أن يزيد عدد الشيوخ بمقدار 7 ملايين شخص. اليوم، 25% من الشعب هم في عمرٍ يزيد عن 65 ربيعًا. وكو الأمر في تزايد مستمر، ففي 2020 يتوقّع أن يزيد حتى 29%. والتطارد مستمر ليصل إلى 39% بحلول عام 2050.
اليابان في مأزق
وكلّ هؤلاء الشيوخ والعجائز يحتاجون للعناية والاهتمام، وعندما كانت العائلة لديهم تتضمحل، حيث أنّ عدد المواليد في إنحدار، فإنّ مسألة وجود من يعتني بهم أصبحت مسألة مقلقة لكل اليابانيين. وتزداد تعقيدًا مع قوانين الهجرة الصارمة، وقوانين العمل والعمّال، حيث أنّ الحكومة اليابانية تتوقع أن تحتاج إلى 4 ملايين وظيفة رعاية إضافية بحلول عام 2025. كم تتوقع عدد تلك الوظائف اليوم؟ لا يوجد سوى 1.4 مليون موظف للرعاية في الدولة كاملةً.
واليابان لا تسمح إلا بـ 15 ألف تأشيرة عمل سنويًا تحت كلّ الظروف. فكيف لها أن تغطي العجز، وتحلّ أزمة رعاية ثلث السكان الذين يحتاجون للرعاية والاهتمام؟
ومع هذه القوانين، وضعف نسب الإنجاب، وزيادة أعمار المواطنين، تجد اليابان نفسها في مأزقٍ لا يستطيع الخروج منه سوى اليابان نفسها. فكما أنّ اليابان أعادت اختراع السيارة في السبعينات، وكشفت عن ثورة الإلكترونيات في الثمانينات، هم اليوم، يعيدون صناعة (العائلة).
الآلة ترعى الإنسان
الآلات التي نراها تعتني بنا في الأفلام الغربية، تصبح واقعًا في العشر السنوات القادمة في اليابان. حيث تكرس تويوتا وهوندا جهود مهندسيها وعلماءها لاختراع الآلة التي تعتني بالإنسان وتقدم له الاهتمام والرعاية. بنت تويوتا الآلة الممرضة التي اسمتها (روبينا)، والتي سمّتها تيّمنًا بالشخصية الكرتونية روزي التي تعتني بأهلها. روبينا هي ممرضة أنثى، تزن 60 كيلوجرامًا، وبطول 1,60 سم. وأمّا هيومنويد، فهو الذكر الذي يقوم بأعمال المنزل من تنظيف للمطبخ وترتيب الملابس والترفيه لمن في المنزل. هما كستارورز إلاّ أنهما بيض بدلاً من أولائك المذهّبين.
في المقابل، نجد هوندا تصنع لنا، آلةً اسمها: أسَمو. هذه الآلة الذكية التي تتجاوب مع الإنسان تفهم تحركاته وإيماءاته وحديثه، تبدو كما لو أنّه رائد فضاء تاه في الأرض. تستطيع أسمو أن تعتني بالإنسان، فتوقظه من فراشه، وتجلب له الأكل والدواء، وتخاطبه بصوت لا يظهر كأنّه آلة، كما أنّها تقدّر العادات والتقاليد اليابانية ?. أيّ أنّها لو كانت لدينا، فلن تستطيع القيادة ?.
وخلاف الشركتان هاتين، هناك محاولات من مراكز الأبحاث، التي أنتجت الآلة “ريبا”، القادرة على رعاية البشر، حتى حمل الإنسان من على سريره إلى الحمام مثلاً. وريبا قوية حيث تستطيع أن تحمل ما يزن 80 كلج. وهنا الأخرى، معهد IAST الذي خلق الآلة “يبرو”.
هل تستطيع الآلة أن تعتني بصحة البشر؟
اليوم، تقود اليابان العالم في مجال صناعة الآلة، في محاولة لحل أزمة مواطنيها، وتوفير الرعاية لهم. لكن، يبقى السؤال، هل تستطيع الآلة أن تعتني بصحة البشر؟
في عام 2013، دفعت الحكومة اليابانية 2.6 مليار دولار لأجل تطوير الروبوتات التي تعتني بالإنسان. وأي شركة في اليابان تهتم بتطوير الآلة لهذا الغرض تحصل على دعم حكومي يصل إلى نصف تكاليف قسم الأبحاث والتطوير في تلك الشركات. الآلة التي تطمح لها تلك الشركات والحكومة معًا، هي تلك التي تستطيع أن تعتني بالإنسان، وتقدم له الرعاية والاهتمام والترفيه والمرح.
هذه الصناعة لا تزال في بدايتها، وهي تواجه بعضًا من التحديّات، فحتى الآن لم تسطع الشركات أن تجعلها دقيقة في بعض التفاصيل كتفريش الأسنان، إلاّ أن التوقعات أن تصبح الآلة بديلاً للإنسان بحلول 2030.
دولة المليار شيخ
ولمّا نجد كبار السن يحبّون الحديث، نحن الشباب لا ننصت جيدًا لتلك القصص التي لا تنتهي. إلاّ أنّ اليابان استطاعت أن تجعل الآلة قادرة على الإنصات بدون ملل وباهتمام بالغ. تعتقد اليابان أن الاستثمار في هذه الصناعة، ستقودها للسيطرة على العالم في المستقبل القريب. فكما أن سكّانها يعمّرون، فذات الأمر يحصل في كلّ دول العالم بنسبٍ متفاوتة.
أوربا تحاول جاهدة أن تزيد نسب الشباب، إلاّ أنّ هذا لا يعني أن الشيّاب سينقرضون، فهم كذلك جزء من القارة، وكلّ هؤلاء بحاجة للعناية والاهتمام. فنسبة كبار السن في أوربا تزداد بشكل متسارع لتزيد من 17% اليوم إلى 30% في المستقبل القريب.وأمّا الصين، فهي الآن على مشارف عصر يزداد فيه الشيوخ لتصبح دولة المليار شيخ.