هل تحكم على الكتاب من عنوانه

قلما صادفت من لا يعد العنوان جزءًا رئيسًا من تقرير معاني العمل. لكن الإشكال كامنٌ في اختيارات المترجم التي تمس بهذه المعاني.

الكاتب الإيطالي إيتالو كالڤينو / Getty Images
الكاتب الإيطالي إيتالو كالڤينو / Getty Images

هل تحكم على الكتاب من عنوانه

حسين إسماعيل

لطالما استفزني عنوان مقالة الكاتب الإيطالي إيتالو كالڤينو «لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي؟». نبع استفزازي قبل قراءتها من بغضي كل ما يرتبط بتكريس فكرة «الكلاسيكيات» أو «المعتمَد الأدبي» أو ما أشبه، وهو التكريس الذي يقولب الأدب عمومًا في مؤلفات معيارية تصبح مرجعًا لتقويم المؤلفات حاضرها وماضيها. وتمتلك الكلاسيكيات وفق هذا التصور ميزة عن غيرها، تقتضي وضعها في مصاف مختلف كليًا عن غيرها ويجعل الإلمام بها شرطًا لفهم المشهد الأدبي.

لذلك بدا لي عنوان مقالة كالڤينو كأنه يحتفي بهذا التصور الذي يجرد الأدب من ارتباطاته المتنوعة بالواقع لصالح ذائقة تقسر دوافع القراءة وحيثياتها ومآلاتها على القراء؛ فبمجرد أن يطالع القارئ «ملحمة جلجامش» مثلًا يجد نفسه واقعًا في شراك «الإلياذة والأوديسة» و«الإنيادة» و«الرامايانا» وغيرها من الملاحم، وذلك من حيث عدِّها جنسًا واحدًا يتطلب نظرة أدبية خاصة.

راودتني كل هذه الأفكار قبل أن أقرأ كلمة من المقالة. ولكن كما يحدث بطبيعة الحال بدأت قناعتي المسبقة تتغيَّر تدريجيًا لمّا باشرت قراءتها. ليس الأمر أني اقتنعت بالكلاسيكيات أو ضرورة قراءتها، فما زلت على النفور نفسه. تغيرت قناعتي نتيجة إدراكي أن المقالة تخالف إلى حد كبير الانطباع الأولي المتولد عن العنوان. فمن خلال التعريفات الأربعة عشر التي يوردها كالڤينو للأعمال الكلاسيكية قد يتضح للقارئ أن خطابه يبتعد من التصورات التي تمنح الأولوية لسمة كامنة في الكلاسيكيات، ويركز في تصورات وصفية في العلاقة الناشئة بين القارئ والمقروء.

يمكنني الإسهاب في تبعات ذلك على فكرة الكلاسيكيات الدارجة، ولكنه سيحيدني عن تساؤل آخر راودني لمّا اكتشفت اختلاف عنوان مقالة كالڤينو الأصلي. حين نُشرت المقالة أول مرة في صحيفة «الإسبرسو» الأسبوعية عام 1981 حمَلت عنوانًا أجده أكثر ملاءمة لمحتواها: «أيها الإيطاليون، أحثّكم على الكلاسيكيات». ولا أقول ذلك فقط لأن الجزئية الأخيرة في المقالة تلتمس العذر من القارئ الإيطالي وتعلل غياب الأدباء الإيطاليين، عدا ليوباردي، عن المقالة. بل أقول ذلك عطفًا على إمكانية قراءتها كخطاب موجه لقراء ذوي انتماء هوياتي محدد، بمعنى أن تعريفات المقالة وأمثلتها ترد بصفتها استمرارية (continuitá) ثقافية للهوية الغربية كما تصف نفسها وإرثها. 

فمثلما يقول جون كولنز في كتابه «دراسة في الأدب الإنقليزي» (The Study of English Literature) -المنشور عام 1891- بكون الأدب الإنقليزي امتدادًا لأدب إغريقي وروماني سابق، نجد كالڤينو يرسِّخ الفكرة نفسها بواسطة إحالته على لوكريتيوس الروماني ولوشيانو الإغريقي ومونتاني الفرنسي وإيرازموس الهولندي وكويڤيدو الإسباني ومارلو الإنقليزي وقوته الألماني. فالنتيجة إذن هي أن الإرث الذي يتخيله كالڤينو وينادي بأهمية قراءته ليس تراث الإنسانية جمعاء كما قد يوحي عنوان «لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي؟»، بل تراث غارق في الرقعة الجغرافية التي تتخيل نفسها منذ عدة قرون كتلة متجانسة ثقافيًا؛ وعليه يستهدف كالڤينو في المقام الأول القارئ الإيطالي الغربي المهتم بمتخيل تراثه الثقافي.

من غير المجدي طرح التساؤل الذي يدور بذهني على ضوء كليشيهات «الكتاب باين من عنوانه» أو «لا تحكم على الكتاب من غلافه» أو ما أشبهها، إذ يتجاوز الأمر محض انطباع أولي يتغير بمطالعة العمل. ما يثير اهتمامي هو القراءتان المتغايرتان اللتان قد تنشآن من عنوانين مختلفين لنص واحد عطفًا على الاتجاهات التي يشير إليها كل منهما.

مرَّ هذا التساؤل بذهني قبل بضعة أعوام حين قرأت مقدمة إدريس الملياني في استهلال ترجمته الخاصة لرواية دوستويفسكي «مذكرات من البيت الميت»، حيث يتناول تفصيلًا الخطأ الدارج في ترجمة عنوان الرواية إلى «ذكريات من منزل الأموات» كما فعل سامي الدروبي، أو إلى «بيت الموتى» كما فعل كونستانس قارنيت وغيره. يشير إدريس إلى اختلاف القراءة الناجمة عن جعل البيت ميتًا قبل وصف  أهله بالموتى، فضلًا عن عدم صحة استخدام معاني مفردة «ميورتفي» (Мёртвого) الأخرى مثل «مقفر» و«موحش» لنعت الأشخاص؛ وهذا يجعل عنوان إدريس أكثر اكتنازًا بالمعاني.

ومر التساؤل نفسه أيضًا حين قرأت مقدمة ترجمة علي المجنوني لرواية «زنج» للأمريكية نيلا لارسن ووجدته يصطفي لترجمته العنوان الأصلي الذي وسمت لارسن الرواية به قبل أن يرفضه الناشر ألفرد نوبف ويختار «عبور» (Passing) بدلًا منه. وقد يقول قائل إن العنوان الثاني «عبور» أدق في ربط العنوان بثيمات بنية مجتمع شيكاقو العرقية وتاريخ العبور وسياسات الهوية التي تتطرق لها الرواية، سوى أن في اختيار لارسن عنوان «زنج» (Nig) إحالة لا تقل دلالة على رواية كارل فان فيختن «جنة الزنج»، التي تسلط الضوء بدورها على مجتمع مدينة هارلم المفصول عرقيًا مطلع القرن العشرين، بكل ما في العنوان من إشكالات تبعت الاستخدام الازدرائي لكلمة «زنج» من قِبَل كارل الأبيض وتصويره حياة السود في هارلم.

لو أني استنتجت من خلال هذه الأمثلة الثلاثة أن عنوان الرواية بوصلة تشير إلى بعض نواحي العمل المحتملة دون أخرى لكان الاستنتاج بديهيًا أكثر من اللازم، وقلما صادفت أصلًا من لا يعد العنوان جزءًا رئيسًا من تقرير معاني العمل. لكن الإشكال الرئيس هنا كامنٌ في اختيارات المترجم التي تمس بهذه المعاني منذ الخطوة الأولى. 

وعلى حين أن من السهل مقارنة ترجمةٍ بأصلها ونقد اختيارات المترجم التي تغيّر المعنى جزئيًا أو كليًا بما يكشف للقارئ سياسات الترجمة على نحو أعم، إلا أن هذا النقد، رغم ضرورته، منصبّ على مرحلةٍ لاحقة إن صح التعبير؛ فثمة مراحل أسبق متعلقة مثلًا باختيار الكتاب المترجَم وتمهيد استقباله في ذهن القارئ، بل لدى توجهات دور النشر نفسها، وهي مراحل لا تزال حتى الآن غير متناوَلة على نطاق واسع. 


  1. أعلن المركز القومي للترجمة أسماء الفائزين بجوائزه، وفاز بجائزة جابر عصفور للترجمة في مجال الآداب والدراسات النقدية في دورتها الثانية المترجم محمد الفولي عن ترجمته رواية «الوحش». وحصل أحمد عمرو شريف على جائزة سميرة موسى للترجمة في مجال الثقافة العلمية وتبسيط العلوم عن ترجمته كتاب «آي كيو فاي: رحلة من الدماغ إلى الروح». وفاز بجائزة جمال حمدان للترجمة في مجال الدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية في دورتها الثانية مناصفةً  محمد حامد درويش عن ترجمته كتاب «خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها» وياسر محمد صديق عن ترجمته كتاب «سيد اللعبة: هنري كسينجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط». 

  2. أعلن اتحاد الناشرين العرب ضمن اختتام فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين عن جائزة أفضل ناشر عربي في نسختها الثالثة مناصفة بين دار الرواق للنشر والتوزيع ومنشورات المتوسط. 

  3. تصدر قريبًا عن دار الآداب رواية «الجنّة» للكاتبة اليابانية مييكو كاواكامي التي وصلت ترجمتها الإنقليزية إلى القائمة القصيرة لجائزة «مان بوكر» الدولية عام 2022.

  4. تحولت رواية «جنتلمان في موسكو» للكاتب الأمريكي أمور تاولز إلى مسلسل تلفزيوني سيعرض على منصة «باراماونت» في مارس المقبل. صدرت الرواية عن دار التنوير وترجمها إلى العربية إيهاب عبدالحميد.


من حنين صالح:

  1. دموع الرمل، شتيوي الغيثي

في غياهب الصحراء يكمن سر البدوي الذي ترعرع بين ثناياها وحاول منذ الأزل سبر أغوارها، وللتاريخ أن يشهد على ذلك. يحاول شتيوي الغيثي في رواية «دموع الرمل» أن يسافر بخياله ليسرد أحداثَ ما بين الحياة والموت، ووقف من خلالها على أحداثٍ ووقائع تاريخية كحرب ابن سعود ضد ابن رشيد، وحروب أخرى، مشكلًا بذلك رواية مكثفة ومشوقة.

  1. في أثر عنايات الزيات، إيمان مرسال

عبر مصادفة جمعتها برواية «الحب والصمت» تبدأ إيمان مرسال خوض رحلة ما بين أسوار الأمومة والكتابة لتقتفي أثر عنايات الزيات التي عَرفت فيما بعد أنها ماتت منتحرة في شقتها عام 1963. حيث تجمع فيها ما يمكنها الوصول إليه من أوراقها وأخبارها الغامضة لتتعرف سيرتها الذاتية بشكلٍ دقيق، محاولةً بذلك كشف الحجب عن قصة حياتها، والنظر إلى معاناتها من قرب، وما الذي أدى بها إلى التخلي عن حلم الكتابة ودفء الأمومة للانتحار.

  1. السندباد الأعمى: أطلس البحر والحرب، بثينة العيسى

عن الحب الذي تحول إلى هاجسٍ ينخر ضمير خائنه وينهشه، وعن حرب تحل محل الأمان المختزل في كلمة وطن، وعن طفلةٍ غير مرئية تضيع أسئلتها في دهاليز الحياة بلا هوادة فتكبرُ وتكبر أسئلتها معها، هكذا بدت ملامح رواية «السندباد الأعمى». بروح الراوي الذي يطوِّع اللغة والفكرة تجلت قدرة بثينة العيسى في تسليط الضوء على عدة قضايا مجتمعية محورية كاشفةً بذلك خباياها وتداعياتها من منظور إنساني يتمثل في شخوص الرواية، معلنةً بذلك أن لكل قضية صوتًا وقصة.

  1. أيها القارئ عد إلى وطنك: الدماغ القارئ في عالم رقمي، ماريان وولف

بدايةً من العنوان الذي تناشد فيه الكاتبة القارىء للعودة إلى وطنه: القراءة، بصيغة أكثر شاعرية، وصولًا إلى التحليل الدقيق للتغيرات التي تحدث لأدمغتنا حين نقرأ وسط عصر يضج بثورة تقنية غير مسبوقة. ناقشت ماريان وولف في هذا الكتاب قلقها حول التغيير الذي أحدثته هذه الثورة على مستوى الأفراد البالغين والأطفال، وكيف يمكن للقارىء أن يظل متمسكًا بفعل القراءة وسط زخم الرقمنة الذي يعيشه.

نشرة إلخنشرة إلخلغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.