🎬 «إسعاف» محاولة يائسة لإنعاش ثنائية الأكشن والكوميديا!

زائد: فِلم «Sinners» أكثر من مجرد فِلم تجاري

تنبأ الرئيس التنفيذي لنتفلكيس بموت السينما، وقال: إنّ المستقبل سيكون لمنصات العرض.

هذا التصريح أتى في وقتٍ تعاني فيه السينما. لكنني سمعت ردًّا من الممثل سيث روقن عن سؤال حول موت السينما، قال فيه: «السينما تحتاج فلمًا واحدًا فقط لتعود إلى الحياة»، وضرب المثال بما حدث مع «أوبنهايمر» و«باربي». والحقيقة، أجدني مقتنعًا بذلك.

نشهد الآن كيف أنعش فِلم «sinners» السينما بحضورٍ كثيف من الجمهور لمشاهدته.

السينما باقية، ولن نتخلى عن تجربتها أبدًا.

نايف العصيمي


فِلم «إسعاف» / تصميم: أحمد عيد
فِلم «إسعاف» / تصميم: أحمد عيد

🎬 «إسعاف» محاولة يائسة لإنعاش ثنائية الأكشن والكوميديا!

عهود أبو خيرة

انطباع أول محبط... رغم التوقعات المرتفعة!

من اللحظة الأولى، شعرتُ بالإحباط بمجرد أن وقعت عيني على بوستر فِلم «إسعاف». فالتصميم باهت، لا يحمل أيّ لمسة بصرية مشوّقة أو احترافية تليق بفِلم سينمائي سعودي يُفترض به أن ينافس في شباك التذاكر. وأنا مشاهِدة عادية تبحث عن فِلم ممتع لقضاء أمسية مع الأصدقاء أو العائلة، لكن كان البوستر -للأسف- كفيلًا بجعلي أتوقع تجربة سطحية ومملة.

ومع ذلك، منحتُ الفِلم فرصةً بسبب ثقتي الكبيرة في الممثل إبراهيم الحجاج، الذي أثبت سابقًا قدرته على خطف الأضواء في أعمال مثل «سطار» و«يوميات رجل عانس». فحضوره العفوي على الشاشة وكاريزمته جعلتني أُراهن على «إسعاف»، خصوصًا مع اسم المخرج البريطاني كولن تيق، الذي أخرج واحدة من أنجح التجارب الدرامية السعودية «رشاش».

لكن، ما إن بدأتُ المشاهدة حتى شعرتُ أن هذه الرهانات كانت في غير محلها. فالفِلم لم ينجح حتى في أول اختبار بسيط: شدّ الانتباه منذ المشهد الأول؛ لا حدث مفصليّ، لا تصاعد، لا لحظة تجعلني أقول: «أوه، الآن بدأنا!».

كوميديا متخبِّطة وشخصيات بلا روح

حاول «إسعاف» أن يكون فِلم «بَدي موفي» (Buddy Movie) على الطريقة الأمريكية: ثنائي غير متجانس، يوضع في ظرف خطير، ومن خلال المفارقات والمواقف تنمو العلاقة بينهما ويصنع الفِلم لحظاته الكوميدية والمثيرة. وخذ على سبيل المثال ثنائية ويل سميث ومارتن لورنس في سلسلة أفلام «Bad Boys»، حيث امتدت نجاحاتهما لعقود بسبب الكاريزما المتبادَلة، أو ثنائيات مثل جاكي شان وكريس تاكر في «Rush Hour».

لكن في «إسعاف»، لم نشهد هذا النوع من الكيمياء أو الديناميكية بين الثنائي. إذ بدت العلاقة بين «عمر» و«خالد» ضعيفة ومبنية على مواقف سطحية، دون لحظات تطوير حقيقية تُشعرنا أننا نتابع رحلة صداقة أو شراكة تتطور، وهذا ما جعل التجربة تفقد الكثير من زخمها؛ إذ كان من المتوقع أن نشاهد علاقة تنمو مع تصاعد الأحداث، لكنّ الواقع كان مختلفًا تمامًا.

إبراهيم الحجاج، المعروف بخفّة ظلّه، ظهر هنا وهو يحاول أن يضحكنا بالقوة؛ فالإفيهات مرهقة، والنكات مكررة أو مفككة، وبعضها لا يخدم السياق. بدا وكأن النص مكتوب بطريقة تقول للممثلين: «قولوا أي شيء، أهم شيء تضحّكون الناس»، دون عمق أو بناء منطقي للمواقف.

أمّا شخصية «خالد» (المسعف)، التي أداها محمد القحطاني، فظلت باهتة طوال الفِلم. لم نفهم لماذا هو موجود، وما علاقته بالحدث، ولماذا يسير مع «عمر» في هذا الطريق الخطِر. لا ماضٍ واضح، ولا طموحات، ولا صراعات. ولو حُذف من السيناريو، لما تغيّرت كثيرًا مجريات القصة.

وهنا تتجلى أزمة حقيقية: غياب العمق في كتابة الشخصيات. ورغم مشاركة الحجاج في كتابة السيناريو، بالتعاون مع الكاتب ألبيرتو لوبيز، كانت النتيجة النهائية أقرب إلى سيناريو فِلم قصير مخصص للعرض على اليوتيوب، وليس فِلمًا سينمائيًّا يُعرض في صالات كبرى.

أحد أكبر أسباب دخولي إلى فِلم «إسعاف»، كان الفضول لرؤية كيف سيُنفِّذ الفِلم مشاهد الأكشن، خاصةً وأنه يندرج تحت تصنيف «أكشن كوميدي». توقعتُ مطاردات شوارع عنيفة، تبادل إطلاق نار، سيارات تتقلّب في مشاهد مذهلة، انفجارات، توترًا، وإيقاعًا سريعًا يجعلني على أطراف مقعدي. كل هذه التوقعات كانت في ذهني، خصوصًا أن الفِلم استخدم تجربة (IMAX) التي يُفترض أن تكون مدروسة تقنيًّا لتعزيز مشاهد الأكشن والحركة.

لكن ما حصلتُ عليه، كان العكس تمامًا: بدت المطاردات -إن جاز لنا تسميتها بذلك- بروفة أولى لم تُجهَّز للتصوير، فزوايا الكاميرا لم تُضفِ أيَّ إثارة، ولم يكن هناك استخدام احترافي للمونتاج أو موسيقا تصاعدية تُشعرنا أن ما يجري أمامنا يستحق الانتباه. كل شيء كان سطحيًّا، ومُصمَّمًا على عجل، كما لو كان قد أُدرج بسرعة ضمن مشاهد الفِلم دون التفكير في قدرته على إثارة الجمهور.

حتى لحظة المواجهة مع «بدر» (فيصل الدوخي) لم تُبْنَ بشكل منطقي؛ فالشخصية لم تشكّل تهديدًا حقيقيًّا لـ«عمر» أو لـ«خالد». مع أن الدوخي ممثل يمتلك حضورًا قويًّا، وسبق أن شاهدناه في أدوار أكثر رهبة، مثل دوره في شخصية «الزعيم» في حلقة «حافة المدينة» من مسلسل «قصص بشر». ومع ملاحظاتي الشخصية على الحلقة، كان تمثيل فيصل الدوخي يحمل تلميحًا قويًّا بقدرته على تجسيد الأدوار الشريرة. وكان يمكن لهذه القدرة البروز أكثر لو استُثمرت استثمارًا حقيقيًّا في بناء شخصية «بدر» لتصبح خصمًا مخيفًا. لكن للأسف، بسبب غياب هذا البناء، ظل «بدر»، مثل العديد من عناصر الفِلم، على الهامش.

حيث وُضع كُل التركيز على جانب الرومانسية بين «عمر» و«لينا» (بسمة داود)، لكنه لم يكن مقنعًا. إذ كان من الممكن استثمار «لينا» وجعلها عنصرًا مفاجئًا؛ مثل توريطها في قضية كبيرة: اختلاس أو تهريب أو جريمة. ثم يصبح «عمر» -فجأة- جزءًا من هذا كله دون أن يدري. هذا بحد ذاته كان كفيلًا بصنع حبكة مثيرة ومتشابكة، تجعل المشاهد مشدودًًا حتى النهاية.

إخراج بصري جميل... لكن بلا جوهر

الإيجابية الوحيدة التي أستطيع الإشارة إليها بثقة هي جودة الصورة. فالفِلم نُفِّذ بصريًّا بشكل جميل، مع لمسات إخراجية احترافية من كولن تيق. كما أن استخدام الألوان وتكوين اللقطات وتوزيع الإضاءة، كلها عَكَستْ خبرة مخرج متمرّس.

ظهرت شوارع الرياض بحلة بصرية جذّابة، ونجح الفِلم في تقديم لمحة حديثة عن العاصمة، وهذا بحد ذاته إنجاز. خاصة أن الرياض نادرًا ما تُعرض في السينما بهذا الشكل الأنيق.

لكن في المقابل، كنت أتوقع رؤية المدينة من منظور مختلف؛ منظور مليء بالحركة والخطورة. وكما تفعل بعض أفلام الأكشن العالمية؛ حين تستغلّ المدن وتجعلها عنصرًا بصريًّا مشوِّقًا. ولكن للأسف، لم نرَ سوى شوارع عادية، ومطاردة باردة، ومواقف متكررة دون جديد.

وهنا قلب المشكلة: الصورة وحدها لا تكفي. لا فائدة من كاميرا راقية إن لم يكن هناك سيناريو متماسك يدعمها، أو مشاهد مدروسة تُخرج أفضل ما في الممثلين. التكوين البصري كان رائعًا، لكن التكوين الدرامي كان هشًّا.

حتى توظيف المخرج بدا سطحيًّا؛ إذ بدا وكأن وجود كولن تيق كان فقط ليُمنح الفِلم اسمه، دون أن يُستَثمر حضوره فعليًّا في تقديم عمل يخترق سقف التوقعات. وكأننا جلبنا طاهيًا عالميًّا وطلبنا منه تسخين وجبة جاهزة.

غياب التوازن بين الترفيه والمضمون

أفهمُ تمامًا أن «إسعاف» ليس فِلمًا رساليًّا أو عميقًا. ولا بأس في ذلك؛ لا عيب في أن يكون الفِلم تجاريًّا، وموجّهًا للجمهور الواسع. بل على العكس، نحتاج إلى هذا النوع من الإنتاجات، بشرط أن تُقدَّم بحرفية واحترام لذوق المشاهد.

لكنّ المشكلة، أن الفِلم لم يُرضِ حتى هذا الهدف البسيط؛ لم يُضحكني، ولم يُشوقني، ولم يجعلني أتعلق بأيّ من شخصياته. وحتى عندما ظننت أن الحبكة ستنقلب في النهاية وتفاجئني… جاءت النهاية ضعيفة ومليئة بالأسئلة غير المُجَابة، لدرجة جعلتني أتساءل: هل نحن أمام فِلم ناقص؟ أم أن القصة كُتبت على عجل؟

خلاصة؟

حاول «إسعاف» مواكبة الموجة التجارية في السينما السعودية، لكنه لم يرقَ إلى التوقعات بسبب سيناريو ضعيف وأداء غير مؤثر. كان بإمكانه أن يصبح ركيزة أساسية في إحياء كوميديا الأكشن السعودية، إلّا أنه، بدلًا من تقديم تجربة جديدة، جاء عملًا فاترًا لم يُحقق الأثر المنتَظر. ما نحتاجه هو نصوص مُحكَمة، وتوجيه ذكي للمخرجين، وأهم من ذلك، احترام ذائقة الجمهور.


فِلم Onibaba (1964)
فِلم Onibaba (1964)

  • يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما السعودية فِلم «The Accountant 2»، من إخراج قافين أوكونور وبطولة بن أفليك. يعود فيه المحاسب العبقري «كريستيان وولف» إلى الساحة بعد أن تستعين به عميلة الخزانة «ماريبث ميدينا» لحل لغز مقتل أحد معارفها. بمساعدة شقيقه «براكس»، يكشف وولف عن مؤامرة خطيرة تجعلهما هدفًا لشبكة من القتلة المحترفين.

  • كما يُعرض في اليوم نفسه فِلم «Drop»، من إخراج كريستوفر لاندون وبطولة ميقان فاهي. تدور أحداث الفِلم حول «فيوليت»، أرملة وأم عزباء، تخوض أول موعد غرامي لها منذ سنوات، لكنه يتحول إلى كابوس حين تتلقى رسائل تهديد غامضة تجبرها على اتخاذ قرارات مروعة لحماية ابنها وشقيقتها.

  • طرح صور جديدة من فِلم «HIM»، من بطولة مارلون وايانز وتيريك ويذرز. يروي الفِلم قصة لاعب وسط جامعي يأخذه نجمه المفضل إلى عالمٍ غامض ليرى ما هو مستعدٌّ للتضحية به من أجل الشهرة. الفِلم من إنتاج جوردان بيل وإخراج جاستن تيبينق، ومن المقرر عرضه في سبتمبر المُقبل.

  • بدأت مرحلة ما قبل الإنتاج لمسلسل «Friday The 13th» من إنتاج استديو «A24».

  • تدشين تعاون بين استديو «Story Kitchen» مع علامة «TOYS ‘R’ Us» لإنتاج فِلم حول العلامة التجارية لـ«TOYS ‘R’ Us».

  • صدور الإعلان التشويقي الأول للموسم الثامن من «Rick and Morty»، وسيُعرض في 25 مايو على قناة Adult Swim.

  • صدور الملصق الأول لفِلم ويس أندرسون القادم «THE PHOENICIAN SCHEME»، وسيُعرض في دور السينما بتاريخ 30 مايو.


فِلم «Sinners» / تصميم: أحمد عيد
فِلم «Sinners» / تصميم: أحمد عيد

فِلم أكثر من مجرد فِلم تجاري «Sinners»

عبدالعزيز خالد

كنت أظن أني سأشاهد «Sinners»، وأنا مُطفئ عقلي تمامًا كما أفعل مع معظم الأفلام التجارية؛ خصوصًا بعد مشاهدة العرض التشويقي للفِلم، حيث توقّعت الكثير من الدماء، وبعض الجري والصراخ، ثم النهاية. لكن بصراحة فاجأني الفِلم، ووجدت فيه ما يُفسِّر انبهار الجمهور به، ويبرّر تقييمه المرتفع نسبيًّا. فالرهان هنا ليس على الرعب أو الأكشن، بل على فكرة عميقة تُعاد صياغتها بمجاز بصري وسمعي غنيّ. فمصّاصو الدماء هنا ليسوا مجرد وحوش، بل رموز للاستغلال والمسح الثقافي، ولا يستهدفون الأفراد فقط، بل مجتمعات كاملة، وإرثًا جماليًّا متجذّرًا.

من فِلم استغلالي إلى ملحمة رمزية

تدور أحداث القصة في عام 1927، ويُفتتح الفِلم بمشهد شابٍّ يُدعى «سامي» يدخل الكنيسة ملطخًا بالدماء، وكأنه يحمل عبء جريمة كبرى. وفي داخل الكنيسة، يلتقي والده، القسيس المتشدّد، ويوبّخه والده لا على الدم، بل على القيتار المكسور بيده. ويخبره: «صناعة الموسيقا من عمل الشيطان»، قد تتجاوز الجملة معناها المباشر إلى الإدانة التامة لصناعة الموسيقا بوصفها حقلًا للاستغلال.

السرد في البداية غامض، وتتراكم فيه الرمزيات، لكن من أكثر الجوانب إثارةً للإعجاب هو ثقة كوقلر وصبره في بناء شخصياته وعالمه؛ حيث أخذ ما يبدو للوهلة الأولى فِلم استغلالي عن مصاصي دماء، وحوّله إلى عمل غني بالتفاصيل، يمزج ما بين فِلم «From Dusk Till Dawn»، الصادر عام 1996، الذي جمع بين الجريمة والأكشن بمصاصي الدماء، وبين روح أفلام استغلال السود (Blaxploitation).

ترتكز الحبكة الأساسية للفِلم على حكاية أخوين توأمين يُدعيان «سموك» و«ستاك» -ويؤدي مايكل ب. جوردان لوحده كِلا الدورين- إذ يشقّان طريقهما من الحرب العالمية الأولى، ويمرّان بعالم العصابات في شيكاقو، ثم يصلان إلى مشروع افتتاح ملهًى موسيقي في موطنهما كلاركسديل، ميسيسيبي. وهما يتكبّدان كل هذه المشقة، لا لشيء إلا لأجل العثور على مكانٍ لا تُعرَّف فيه حياتهما من خلال العنصرية. لكن مشروعهما يجذب قوًى خارجية مفترسة: مصاصو دماء أيرلنديون من الكو كلوكس كلان، فيتحوّل كل شيء إلى حمّام دم.

أكثر شخصية لفتتني في الفِلم هي شخصية العجوز «دلتا سليم»، عازف الهارمونيكا الذي يقتات من العزف في محطات القطار، ويمثل جيلًا لا يرى في الغناء استعراضًا، بل شهادة على معاناة حقيقية. ويروي قصص الفصل العنصري، وغرف الانتظار المفصولة، وآداب السلوك المفروضة بالخوف.

ومع اقتراب الفِلم من منعطفه الكابوسي، فإنه يبدأ في رسم صورة حيّة لمجتمع يعيش في قلب ثقافة البقاء والتجارة. ويُركّز المخرج رايان كوقلر على تفاصيل الحياة اليومية: كم تكلّف الأشياء؟ وكيف يكافح الناس؟ فأنت ترى مثلًا مُزارعًا في الملهى الموسيقي يحاول دفع ثمن الشراب باستخدام سَنَدٍ زارعي. وتمتلك شخصيات صينية وأخرى من قبائل التشوكتاو الشركات المحلية، فالناس يرتبطون ببعضهم لا بالدم، بل بالنضال المشترك.

الموسيقا هويةً ومقاومة

في وسط هذا السرد، يستحضر الفِلم واحدة من أهم اللحظات المفصلية في تاريخ الموسيقا الأمريكية: ففي عام 1899 تمكن سكوت جوبلن من بيع مليون نسخة من أغنية «Maple Leaf Rag»، ومثّلت الانطلاقة لصناعة الموسيقا في أمريكا. وشهدت فترة العشرينيات -حيث تدور أحداث الفِلم- ازدهارًا موسيقيًّا وتنوعًا أكبر في الأساليب الموسيقية. عندها وُضعت تصنيفات موسيقية واضحة مثل «البلوز»، و«الكونتري»، و«السول» لتحديد جمهور الفنانين بدقّة.

لكن هذه التصنيفات كانت قائمة على التمييز العنصري الفجّ؛ فحتى لو كانت الأغاني متشابهة في اللحن والآلات المستخدمة، فإنها تُصنَّف على أساس لون الفنّان وعِرقه. فتُصنّف «كونتري» إن غنّاها فنان أبيض، و«بلوز» إن غناها فنان أسود. وردًّا على هذا التمييز، بدأ الفنانون السود بوضع خصائص موسيقية دقيقة تُميز موسيقاهم، أبرزها استخدام النغمة السابعة المنخفضة (Flat Seventh Note)، لتصبح البلوز موسيقا ذات هوية مستقلّة وتحمل معنًى مُختلفًا، تُقاوم التذويب وتحمي ذاتها من السرقة.

وهنا تتجلى رمزيات الفِلم: فمصّاصو الدماء أصبحوا رموزًا للاندماج القاتل؛ يُظهرون القبول والاحتضان، فقط ليُحوِّلوا الآخرين إلى نسخٍ باهتة من أنفسهم. والعدو الأكبر في الفِلم هو فنانٌ أبيض متعطّش لاستنساخ الفنّ الأسود، وكأنه يُغرِي الفنانين بعقود الإنتاج، ثم يسرق صوتهم وأسلوبهم، وحتى مصيرهم.

فـ«العضّة» في هذا السياق تمثّل حالة التحويل: تحويل الفنان الأسود إلى مسخٍ يخدم سارقه. وبهذا يُمارَس العنف في الفِلم على مستويين: عنف مباشر من نظام عنصري، وعنف خَفِي من استعمار ثقافي يُقدَّم على صورة فُرص نادرة.

موسيقا هجينة بروح حرّة

أكثر ما شدّني في «Sinners» هي موسيقاه، وتنوّعها بين البلوز والكونتري والإلكترو والهيب - هوب، وهو امتداد لثيمات الفِلم نفسه. 

ويمكنني وصف الفِلم بأنه مرعب وكوميدي وأكشن وموسيقي ودرامي، بل وحتى غربي، من دون أن يبدو مناقضًا لنفسه.

وحين رأيت اسم المؤلّف الموسيقي لودفيق قورانسون في نهاية الفِلم، أصبح كل شيءٍ واضحًا. وتذكّرت تعاونه الطويل مع دونالد قلوفر، وتأكدت أن هذا التنوّع ليس صدفة. فقورانسون، تمامًا مثل قلوفر، لا يركن إلى نوعٍ موسيقي واحد، بل ينجذب للصدق الفني أينما كان. وكلاهما لا يعترف بالتصنيفات، بل يستخدمها ويتجاوزها في الوقت ذاته، وكل مشروع لهما هو تجربة جديدة لا تشبه ما قبلها.

 ما يؤخذ على الفِلم

الإخراج بصريًّا جريء وطموح، واستفاد كوقلر من خبرته في الأفلام التجارية دون أن يعتمد على الإبهار الفارغ؛ فهناك مشاهد تتميّز بالتنقّل بين الثنائي «سموك» و«ستاك»، والانتقال السلس بين الواقع والخيال، في تصوير شاعري، يخلق عالمًا يتأرجح بين السحر والعنف، والحقيقة والأسطورة.

لكن مع كل هذا الإبهار البصري والموسيقي والرمزي، يمكن القول إنّ أكثر ما يُنتقد في «Sinners» هو قصته؛ فلا تتوقّع حبكة أو نهاية رائعة من فِلم تجاري يدور حول الاستغلال والانتقام من مصاصي دماء! تكمن قوة الفِلم في عناصر أخرى، مثل: أداء مايكل ب. جوردن والتصوير والموسيقا، والقدرة على خلق عالم متكامل وغنيّ بالمعاني. ولهذا يظل الفِلم تجربة ممتعة.


فِلم (1977) «House»
فِلم (1977) «House»

في فِلم «House» الصادر عام 1977، لا تنفصل الموسيقا عن الفوضى البصرية التي خلقها المخرج نوبوهيكو أوبياشي، فهي جزء من التجربة التي تتلاعب بالحواس والعقل والمنطق. وتضعك في حالة من الحيرة: هل ما أسمعه ينتمي لفِلم رعب؟ أم لفِلم أطفال؟ تعكس هذه الموسيقا -التي ألّفتها فرقة الروك «Godiego» اليابانية- الجو الطفولي والهلوسي الذي كُتب به الفِلم نفسه.

يبدأ الأمر كله من علاقة المخرج بابنته؛ حيث كتب أوبياشي الفِلم بناءً على أفكار طرحتها عليه ابنته ذات الاثني عشر عامًا، حول مخاوفها وأحلامها، في قالب منطقها الخاص الذي لا يخضع لقواعد البالغين. وتسرّبت هذه الطفولة إلى كل شيء في الفِلم، وخاصة الموسيقا.

موسيقا تصويرية متقلّبة التصنيف

تجمع موسيقا «House» بين «السايكيديلك روك» (Psychedelic Rock) و«البوب الياباني» و«التجريب الصوتي»، في مزيج غير مألوف لا يخضع لأي تصنيف تقليدي، يشابه أعمال فرقة «Pink Floyd» في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات. 

البيانو هو الآلة الأكثر حضورًا في موسيقا الفِلم، لكنه لا يُستخدم أداةً رومانسية أو درامية كما اعتدنا عليه، بل يتحوّل أحيانًا إلى وسيلة مرعبة، وإلى شخصية قاتلة كما في أحد المشاهد. تُضاف إلى ذلك آلات القيتار الكهربائي المشوش، وآلات السِنثسايزر التي تُصدِر أصواتًا قريبة من ألعاب الفيديو البدائية أو الموسيقا الكرتونية. 

موسيقا لا تتبع المنطق

يُميّز موسيقا الفِلم تحرّرها من البنية التقليدية لموسيقا الرعب؛ فلا يتصاعد التوتر تدريجيًّا، ولا تَتْبع المشاهد -كما يفعل المؤلفون الكلاسيكيون- بل تقفز وتختل وتتلوّن وتنهار، مثل حبكة الفِلم. 

فمثلًا يبدأ أحد المقاطع بموسيقا شبيهة بأغنية أطفال، ثم تنقلب إلى نغمة مشوشة وكابوسية في لحظات. هذا الاضطراب جزء أساس من هوية الفِلم؛ فكل مشهد فيه يبدو قطعة مستقلة. وتضيف الموسيقا له طبقة جديدة من الغرابة، تتركك في تساؤل إن كنت تشاهد فِلم رعب بالأصل.

أبرز الأغاني

من بين الأغاني العديدة التي يضمها الفِلم، تبرز ثلاث قطع موسيقية تحمل دلالات خاصة، وتُعدّ من أكثر اللحظات الصوتية تماهيًا مع رؤية الفِلم:

  • أغنية «Theme of House»: الأغنية الافتتاحية، التي تكررت في لحظات مختلفة من الفِلم، وتُعدّ بمثابة بطاقة تعريف له. وتتكون من لحن بيانو بسيط، سرعان ما يتحوّل إلى نغمة غامضة تحمل نبرة حزينة. وكأنها تقول: إن البيت المليء بالألوان قد يُخفي سرًّا شرّيرًا.

  • أغنية «Eat Eat Eat»: تُستخدم في أحد أكثر المشاهد غرابة؛ حين تبدأ الشخصيات بالأكل في المنزل، وتتحول الوليمة تدريجيًّا إلى طقس مخيف. تحتوي الأغنية على طبقات من الإيقاعات المتداخلة، وأصوات متنافرة تُحاكي الفوضى البصرية في المشهد.

  • أغنية «Cherries Were Made for Eating»: تأتي الأغنية في مشهد تظهر فيه شخصية «توقو» وهي تتعرّض للمضايقة من القطة «بلانش». تُغنّى الأغنية باللغة الإنقليزية بأسلوب مبهج يشبه أغاني البوب الأمريكية في السبعينيات، ما يخلق مفارقة مع الأحداث الغريبة التي تحدث في المشهد. ويُبرز استخدامها التناقض بين اللحن البريء والأحداث السريالية، ويُعزز الطابع الغريب للفِلم.


 فِلم Pulse» (2001)»
فِلم Pulse» (2001)»

اليوم نقول «أكشن» في هذا المشهد من فِلم «Pulse» أو (Kairo) الصادر عام 2001، الذي يُعدّ أحد أكثر الأفلام شهرة ورعبًا في السينما اليابانية.

تدور قصة الفِلم في خطّين مختلفين متزامنين؛ يلاحق كلٌّ منهما شخصيات تواجه سلسلةً من الأحداث الغريبة التي تبدأ بانتحارات واختفاءات متكررة.

في الخط الأول: نتابع «ميشي»؛ فتاة تعمل في متجر للنباتات، تبدأ رحلتها مع الرعب بعد انتحار زميلها في المتجر، لتكتشف ملفات رقمية مرعبة مرتبطة بانتحاره.

وفي الخط الثاني: يظهر «ريوسكي»؛ طالب جامعي يعثر على موقع إلكتروني يعرض صورًا لأشخاص وحيدين في غرف مظلمة، ويقوده فضوله لكشف سرّ هذا الموقع. 

مع تصاعد الأحداث، يتضح أن الأرواح وجدت طريقًا للعبور من عالم الأموات إلى عالم الأحياء عبر شبكة الإنترنت، لتعرض عليهم شعور العزلة الكاملة، والنسيان، والفراغ الوجودي.

يصوّر هذا المشهد، دخول أحد الشخصيات -بدافع الفضول- إلى مبنى مهجور. وفجأة، تظهر له من الظلام امرأة تتحرّك ببطء نحوه. لا تمشي مثل البشر، بل تترنّح وتتعثر كأنها تتعلّم كيف تستخدم جسدها. تصل المرأة ببطء إلى الرجل الذي يحاول الهروب منها، ولا يصوّر المشهد أي شكل من أشكال العنف ضد الرجل؛ فهي تحدّق به فقط، بينما هو يصرخ وينهار رعبًا من مظهرها.

لا يقطع المخرج كيوشي كوروساوا المشهد ولا يمنحنا مَخرَجًا، بل يستخدم كاميرا ثابتة تُجبرنا على مشاهدة هذا الكائن يقترب ببطء، بلا موسيقا وبلا صراخ، فقط صمت ثقيل.
هذه اللقطة وحدها كفيلة بأن تنقش في ذهن المُشاهد خوفًا لا يُنسى، ليس لأنها مخيفة بشكل تقليدي، بل لأنها مُزعزعة، وكأن الواقع قد تمزق قليلًا.

هنا يظهر ما يُعرف بمفهوم «الوادي الغريب» (Uncanny Valley)، وهي الفرضية التي تقول: إن الكائنات التي تشبه البشر، لكن لا تتطابق معهم تمامًا، تُثير فينا مشاعر النفور والقلق. وفي «Pulse»، تجسّدت هذه الفرضية في الأرواح التي لا تبدو وحوشًا، بل بشرًا فقدوا شيئًا أساسيًّا في تركيبهم. فحركتهم ونظراتهم تُشعر المُشاهد بأنهم كائنات مألوفة إلى حدٍّ مزعج.

وهذا المشهد يُعدّ مثالًا حيًّا؛ فالمرأة تمشي، لكنها لا تمشي كما نعرف. وتحرّك جسدها كأنما تُقلّد مشية إنسان بلا وعي كامل. وهذا هو جوهر الرعب في «Pulse»: الخوف من الشيء الذي يشبهنا لكنه ليس نحن.

الرعب في هذا الفِلم لا يُبنى على القفزات المفاجئة أو المؤثرات الصوتية العالية، بل يتسلّل تدريجيًا في صمت. فتخلق الكاميرا الثابتة، والألوان الباهتة، والغرف الفارغة، والضجيج الأبيض الذي يصدر من شاشات الحاسوب جوًّا خانقًا من الترقّب.

ويعزّز هذا التأثير، قرار المخرج كوروساوا الاستعانة براقصة لتجسيد دور هذا «الشبح». إذ أتى هذا القرار بعد تجربته المؤثرات البصرية (CGI)، لكنّه لم يكن راضيًا عن النتيجة. وقد جعل هذا الاختيار الحركات أكثر واقعية بما يكفي لزرع الريبة؛ فالـ(CGI) كان سيُنتج شيئًا مصطنعًا، لكن وجود جسد بشري يتحرّك على نحو مغاير جعل الرعب محسوسًا وتشعر به على نحو أعمق.

أثبتت الممثلة التي أدّت هذا الدور رؤية المُخرج؛ إذ قالت -في لقاء لاحق- إنها خافت من نفسها عندما شاهدت المشهد بعد إصدار الفِلم، وعانت من الكوابيس لعدة أيام.


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

فِلم Godzilla» (1954)»
فِلم Godzilla» (1954)»

في الخمسينيات، كانت مياه المحيط الهادئ مسرحًا لسلسلة من التجارب النووية التي أجرتها الولايات المتحدة في جزر نائية غير مأهولة. تسببت إحدى هذه التجارب في تسرّب إشعاعي واسع النطاق، وصل تأثيره إلى سفينة صيد يابانية تُدعى «لاكي دراقون رقم 5»، فعاد طاقمها ملوّثًا بالإشعاع؛ ما أثار موجة غضب وهلع شعبي في اليابان. وبدا أن الكارثة لم تعد حكرًا على ساحات الحرب، بل باتت تطال المدنيين.

في السياق ذاته، سُجِّل حادث آخر نتيجة تجربة نووية سوفيتية؛ حيث هطلت أمطار ملوّثة بالإشعاع على مناطق قريبة من اليابان، ما دفع السكان إلى تجنّب شرب مياه الآبار. أعادت تلك الأحداث إلى الأذهان مشاهد الدمار التي خلّفها القصف الأمريكي لليابان في الحرب العالمية الثانية، لتُضاف مصائب أخرى إلى سجل المعاناة النووية.

وسط هذا التوتر والخوف من قوى خارجة عن السيطرة، ومن داخل طائرة كانت تحلّق فوق المحيط، كان المنتج الياباني تومويوكي تاناكا يتأمّل من النافذة، متخيّلًا ما يمكن العثور عليه تحت الماء... ماذا لو أن كائنًا عملاقًا مشوَّهًا خُلق من رحم التلوّث النووي يسكن هناك؟ ومن هنا، وُلدت فكرة الوحش «قودزيلا».

وبهذه المعلومة، نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن فِلم «Godzilla» الصادر عام 1954:

  • الاسم الأصلي لـ«قودزيلا» في اليابان هو «قوجيرا»، وهو مزيج من كلمتي «غوريلا» و«حوت» في اللغة اليابانية. وتُنطق «غوريلا» كما هي، أما الحوت فيُقال له «كوجيرا»، فجمعت شركة الإنتاج «توهو» بين الكلمتين لتنتج «قوجيرا». لاحقًا، عندما اشترت شركة «Transworld» حقوق التوزيع في أمريكا، غُيّر الاسم إلى «Godzilla» ليبدو أكثر أمريكية.

  • في البداية، كان تصميم رأس «قودزيلا» مستوحًى من شكل سحابة الفِطر النووية التي خلّفها قصف هيروشيما وناقازاكي، بينما كان جسده أقرب إلى الأسطورة الإغريقية «الكراكن». لكن التنفيذ كان صعبًا، فاستُوحي التصميم النهائي من الديناصورات، إلى جانب بعض رسومات الفنان التشيكي زدنيك بوريان.

  • صُنع رداء «قودزيلا» الأول من خليط خرساني بسبب نقص اللاتكس بعد الحرب، ما جعل وزنها يتجاوز 100 كيلوقرام، وكان خانقًا لدرجة أدت إلى إغماء الممثل هارو ناكاجيما. لاحقًا، استُخدم في أغلب المشاهد رداء أخف مصنوع من بلاستيك سائل، بينما قُطّع الرداء القديم ليُستخدم في اللقطات القريبة.

  • زار الممثل ناكاجيما حديقة الحيوان لدراسة حركات الحيوانات، واستلهم أداءه أيضًا من فِلم «King Kong» الصادر عام 1933.

  • ابتكر المدير الموسيقي صوت زئير «قودزيلا» بفرك قفاز جلدي مغطَّى بمادة الراتنج على أوتار الكمان، مع إضافة صدى للصوت. أمّا صوت خطواته، فأُنتج بضرب طبل باستخدام حبل ثقيل معقود.

  • رغم تأثّر صنّاع «Godzilla» بفِلم «King Kong»، وتقنية «التحريك بالإيقاف» (Stop Motion) المستخدمة فيه، قرروا تجنّبها لصعوبتها ولمحدودية قدرتها على إقناع المشاهد. ووجدوا في أسلوب فِلم «The Beast from 20,000 Fathoms» الصادر عام 1953 -والقائم على استخدام مجسّمات مصغَّرة للمدن وممثل يرتدي رداء «الوحش»- خيارًا أكثر واقعية وسهولة في التنفيذ؛ يسمح بدمج «الوحش» في المشهد بطريقة مباشرة تُضفي على الهجوم طابعًا حسيًّا وملموسًا.

  • كان «Godzilla» أول فِلم ياباني يكتسب شهرة عالمية، ممهِّدًا الطريق لتصدير الثقافة الشعبية اليابانية، خاصة من خلال النسخة الأمريكية «Godzilla: King of the Monsters!» الصادرة عام 1956. وقد ألهم مخرجين مثل جورج لوكاس وستيفن سبيلبرق وجون كاربنتر.

  • أُنتج للفِلم أكثر من أربعين جزءًا، مسجِّلًا الرقم القياسي لأطول سلسلة أفلام مستمرة من استوديو واحد، بقيمة إجمالية تُقدَّر بخمسة مليارات دولار تقريبًا.

النشرةالسينمائيةأفلامفلم إسعاف
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
أسبوعية، الخميس منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+40 متابع في آخر 7 أيام