لماذا لا تمتنع النشرة عن نقد الأفلام السعودية ✍🏻

عدم وجود آراء مستقلة عن الأفلام بحجة الحساسية والشخصنة غير صحي لصناعة الأفلام وللجمهور السعودي نفسه، والخسارة هنا لي كمحب للسينما.

الأفلام السعودية / تصميم: أحمد عيد
الأفلام السعودية / تصميم: أحمد عيد

لماذا لا تمتنع النشرة عن نقد الأفلام السعودية

نايف العصيمي

عندما استلمت رئاسة تحرير النشرة السينمائية كان اعتقادي أن التحدي الأبرز لها هو إلى أي مدى يستطيع المتلقي الثقة بمصداقيتها؟ وإلى أي مدى هي تعبر عن رأي حقيقي، رأيٍ في أحيان كثيرة قد يعبِّر أيضًا عن رأي قارئ العدد؟

ذلك لأن في ظني أن معاملة متلقي المحتوى على أنه فقط «متلقي» هو أول طريق انهيار العلاقة بين الطرفين (مقدم المحتوى ومتلقي المحتوى): أنت لا تحترمه، إذن هو لن يستمر في متابعتك.


ستخسر صنّاع الأفلام إذا انتقدتهم

لكون النشرة السينمائية تهتم بالمقام الأول بمراجعة الأفلام السعودية، من هنا كانت البداية في تقديم رأي صادق كان في اعتقادي أنه مفقود في الساحة النقدية عندنا، حيث أصبحت تغلب عليها المجاملة؛ ليس لسوء القدرات النقدية للأشخاص الموجودين فيها، بل لمعضلة أنهم مقربون من صنّاع الأفلام، بل في أحيان يعملون معهم. لذا كان أول تحدٍّ في العمل على المصداقية هو التأكد من أن كل من يعمل في النشرة مستقل عن هذه القيود، أو يستطيع الفصل بين ما يقدم وعلاقاته.

هذا الأسبوع شاهدت مقابلة في بودكاست «يصير خير» مع راكان الشايع (أحد أبرز المهتمين بالسينما في المجال)، وعنوان تلك المقابلة كان «الشخصنة تمنعني من نقد الأفلام السعودية».

تذكرت مباشرة حديثي مع الأصدقاء حول هذا الموضوع، كان معظمهم متفقين على مبدأ النقد في النشرة، لكنهم في المقابل يذكّرونني بأن صنّاع الأفلام «حساسون» تجاه النقد، وهذا قد يغضبهم من النشرة السينمائية. 

وعلى رغم تفهمي هذا الرأي، أفكر دائمًا بشكل مختلف عند الحديث عن هذه النقطة. ففي النشرة السينمائية نحن نضبط الآراء، فلا تنال من الأشخاص أو تقلل منهم ومن جهودهم بشكل شخصي. هذا المبدأ مهني وأخلاقي لنا قبل أي شيء؛ لذا فالنشرة تركز على الحديث بصراحة عن الفلم بمحاسنه و عيوبه.

وأتفهَّم أن الساحة النقدية عندنا مرت بتجارب سيئة في مراحل سابقة، وكان النيل من الأشخاص والاستهزاء بهم يعد «نقدًا»، لكن هذا النوع من المحتوى، وإن حظى بقبول وجماهيرية مؤقتة، نعي تمامًا أنه يفتقد المهنية وسيندم أصحابه عليه.

لهذا في نظري أنَّ معيارنا في النشرة: هل نحن نقدم شيئًا مسيئًا وسنندم عليه؟

لا، نحن نتبنى توجهًا نقديًا للتعبير عن الآراء بصدق بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها، وسنظل مستمرين عليه. فعدم وجود آراء مستقلة عن الأفلام بحجة الحساسية والشخصنة غير صحي لصناعة الأفلام وللجمهور السعودي نفسه، والخسارة هنا لي كمحب للسينما أكبر من شخصنة مبنية على شي غير مبرر.


نتحدى مقالاتنا

نعي تمامًا أن أهدافنا في تحقيق المصداقية والاستقلالية قد يؤثر عليها الاندفاع في النقد، هل ستنتقد كل شيء لكي توضّح للجميع أنك مستقل وحقيقي؟


هذا تحدٍّ كنت واعيًا تمامًا أنه سيضر النشرة كذلك، وكنت مع كبيرة الكتّاب إيمان أسعد نراجع المقالات بشكل مستمر. بل في أحيان مختلفة نناقش رأي الكاتب، وهل عنده ما يكفي من المبررات والأفكار لرأيه في تلك المقالة.

وفي النهاية: نحن نؤمن بأن من نستكتبهم ذوو كفاءة ويمثلون توجه النشرة والقيمة التي تريد إيصالها، حتى إننا لا نمانع في نقد «مقالات النشرة»، فما ننشره ليس حصينًا من النقد.

أفلام ثمانية أيضًا في حاجة إلى مقالات نقدية

عندما عرض وثائقي ثمانية «خالد الشيخ: بين أشواك الفن والسياسة» في مهرجان البحر الأحمر طلبت من «كذا شخص» مستقل عن ثمانية إن كان يرغب بكتابة مقالة نقدية عن الفلم وتعهدتُ بنشرها، لكن لم يكتبها أحد. 


في نظري أنه حتى عند إطلاق وثائقيات ثمانية الطويلة مستقبلًا فالباب مفتوح لنقدها عبر النشرة السينمائية، وأتعهد بضمان المعايير نفسها عند الكتابة عنها، هذا تعهد مكتوبٌ عليَّ هنا. 


فاصل ⏸️


فلم «Still Human»
فلم «Still Human»

  • انتشرت الصور الأولى من كواليس الجزء الثاني من فلم «Gladiator» المزمع عرضه عالميًّا في 22 نوفمبر المقبل. الفلم المنتظر من بطولة بول ميسكل ودينزل واشنطن وبيدرو باسكال. (نتوقع من الصور دور أسطوري من دينزل 🫡ونخاف نتوقع نهاية لباسكال تشبه نهايته في قيم أوف ثرونز 😰)

  • صرَّح الممثل فيقو مورتنسن أنه على أتم الاستعداد للعودة لتجسيد شخصية «أراقون» في فلم «The Hunt For Gollum» بشرط أن يكون السيناريو جيدًا، إلا إذا كان في وضع مالي سيء واحتاج إلى أي عمل متاح، في تلك الحالة يمكن أن يقبل الدور. (واحنا في الحالتين نقبل وجودك😁)

  • ميل قيبسون يعود للإخراج بفلم إثارة جديد وبميزانية عالية بعنوان «Flight Risk» من بطولة مارك والبرق. تدور أحداث الفلم حول طيار يجد نفسه في موقف حرج عندما يُكلَّف بنقل جنرال وشاهد مهم ضد المافيا على متن طائرته الخاصة. (بما إنهم راضين عن قيبسون، متى نتوقع عودة كيفن سبايسي؟🤔)

  • إيرادات فلم «A Quiet Place: Day One» تتجاوز 98 مليون دولار في شباك التذاكر العالمي خلال 3 أيام فقط من طرحه في صالات السينما العالمية 28 يونيو الماضي. (ننصحك بمشاهدة الفلم بتقنية آيماكس، وإذا كنت من محبي القطط فأنت موعود بأداء استثنائي من قطة لوبيتا!😸)


فلم «chungking express»
فلم «chungking express»

اليوم نقول أكشن في هذا المشهد من فلم «Chungking Express» للمخرج وونق كار-واي والصادر في عام 1994. يسرد الفلم قصتين متتاليتين عن شرطيين يعيش كل منهما ألم الفراق عن حبيبته، وتدور القصتان في وسط مدينة هونق كونق، المدينة الغنية بشريًّا وترفيهيًّا والتائهة في تحديد هويتها.

القصة الأولى تدور حول «الشرطي 223» الذي يعاني من الفراغ المنهك بسبب انفصاله عن حبيبته، ليجد نفسه واقعًا في حب امرأة مجرمة تعمل في تهريب المخدرات. القصة الثانية تتناول علاقة تنشأ بين «الشرطي 663» و عاملة المطعم الذي يرتاده باستمرار، وذلك بعد أن هجرته حبيبته المضيفة الجوية.

في هذا المشهد نعيش الانتقال اللحظي من القصة الأولى إلى القصة الثانية، أشبه بتسليم عصا التتابع في السباقات المضمارية، دون أي نهاية حقيقية واضحة لأحداث القصة الأولى التي تابعناها في النصف الأول من الفلم. بطل القصة الأولى يصطدم بالعاملة في المطعم «فاي»، ويخبرنا بسردية الراوي العليم -الخارج عن أحداث القصة- بأنَّ «فاي» على وشك الوقوع في غرام رجل آخر بعد ست ساعات، وهنا تنتقل اللقطة فورًا إلى بطل القصة الثانية وتنطلق الأحداث على إيقاع الصوت الصاخب للأغنية الأمريكية «California Dreamin».

هذه التقنية السردية المتداخلة خادمة للحبكة التراتبية التي قد تبدو للمشاهد في المرة الأولى مفككة ومربكة، ولكنها في الواقع متماسكة. وتسمى هذه التقنية «جمالية الاضطراب»، وقد جسدها وونق كار بصورة رومنسية.

وفي المشهد، وعلى مدار الفلم، نلحظ إبداع المصور الأسترالي كريستوفر دويل الذي خلق سينماتوغرافيا بصرية مشبعة بألوان النيون التي تعكس النمط الحيوي للمدينة المتعددة الأعراق والمشتت للانتباه، متماهيًا مع فكرة المخرج الذي أراد أن يوضح  إلى أي مدى تأثرت مدينة شرق آسيوية بثقافة الغرب الشعبية، وتحديدًا الأمريكية، على صعيد الملبس والموسيقا وحتى الأطعمة. كما أضفى أيضًا إحساس الأماكن الضيقة في المدن المزدحمة، مثل مشاهد المطعم والأزقة، حيث للقاءات العابرة بفعل الاصطدام أن تؤثر بشكل كبير على حياتنا.

هونق كونق ذاتها، تحت هذا الصخب، عاجزة عن التفكير، أو تتهرَّب من التفكير بمصيرها متى عادت إلى الصين. وتجسّد «فاي» هذا التيه في هوية مدينتها في المشهد حين يسألها الشرطي عن سبب رفعها الصوت لترد بقولها: كي أمنع نفسي من التفكير!

كرَّس هذا الفلم بداية كريستوفر دويل كأعظم السينماتوغرافيين في العالم، وأطلق المخرج وونق كار-واي إلى العالمية وصنع من بعده روائع سينمائية خالدة أشهرها «In The Mood For Love» التي كرّسته من بين أعظم المخرجين الأحياء في العالم... ويستحق وونق كار-واي وكريستوفر دويل تلك المكانة العالمية بجدارة. 


أكيد سمعت كليشيه «تحفة» تنقال على أفلام كثير، وانصدمت بعد مشاهدتك الفلم أنَّ ما له علاقة بالتُّحَف لا من قريب ولا من بعيد! لكن نتعهد لك إنَّ وصفنا توصيتنا لليوم «تحفة سينمائية» ليس كليشيه بتاتًا، وستصل أنت إلى النتيجة نفسها (إلا إذا كنت من فئة المحنَّكين اللي ما يعجبهم فلم «العرَّاب» ولازم تنقد كل شيء! 😑) 

يحكي فلم «إن ذ مود فور لوف» (In the Mood for Love) قصة محرر صحفي (تشو) ينتقل مع زوجته إلى شقة صغيرة في مبنى في هونق كونق في ستينيات القرن الماضي، وفي اليوم نفسه تنتقل سكرتيرة تنفيذية (تشان) مع زوجها إلى المبنى نفسه، في الشقة المجاورة لشقة تشو.

في البداية تنشأ علاقة صداقة بريئة بين تشو وتشان في طريقهم إلى شراء طبق النودلز، لكن مع مرور الوقت يكتشفون إنَّ أزواجهم (زوج تشان وزوجة تشو) يخونونهم في علاقة غرامية. وأمام هذه الخيانة المؤلمة، يهرب تشان وتشو من المواجهة المباشرة من خلال محاولة فهم أسباب الخيانة، ويحاولون إعادة بناء المشاهد اللي مهدت لهذه الخيانة، فيمثّل تشو دور زوج تشان، وتمثّل تشان دور زوجة تشو.

هنا ممكن تبين لك القصة إنها عادية، لكن تذكَّر إننا وصفناه «تحفة سينمائية» والسينما مو بس قصة وخلاص، السينما لغة بصريّة وسمعيّة وحسيّة. ممكن يمر عليك مشهد كامل خالي من أي حوار لكن يجذب كل حواسك للتركيز فيه والتفاعل مع أبطاله. هذا فلم يخاطبك بلمسة بنظرة بإيماءة بوضعية الوقوف والجلوس وبنقشة الورد على فساتين تشان، عدد لا يحصى من اللقطات اللي إذا جمدتها تظهر لك لوحة فنية معبّرة عن الحالة العاطفية والعقلية للبطل (أو البطلين) في الإطار.

هذا طبعًا عدا الموسيقا التصويرية الرهيبة اللي تصير بصمة في ذهنك تعرف منها الفلم على طول أول ما تسمعها، وتحوّل النودلز إلى أكثر طبق رومانسي في الدنيا!

يقول مخرج الفلم وونق كار-واي إنَّ الاستغراق في هذه الجمالية البصرية والحسيّة كان متعمّد، لأنَّ لولاها كنا سنشاهد قصة مظلمة وكئيبة عن جرح الخيانة والمحاولة العبثية لتعامل الأزواج المخدوعين معها.

وحتى تستغرق في هذه الجماليَّة صح، شاهد الفلم على شاشة تلفاز كبيرة مو شاشة الكمبيوتر أو الآيباد! 🍜📺🥹


فلم «Infernal Affairs»
فلم «Infernal Affairs»

تدري إنَّ مارتن سكورسيزي حطَّم الرقم القياسي لأعلى عدد ترشيحات لأوسكار أفضل مخرج؟ وتدري إنَّ مارتن سكورسيزي فاز بجائزة الأوسكار عن الإخراج فقط مرة واحدة مع فلم «The Departed»؟ هذي أول معلومة نشاركك إياها اليوم في دريت والا ما دريت عن فلم الجريمة والإثارة الصادر عام 2002 في هونق كونق «Infernal Affairs»، واللي اقتبسه سكورسيزي في فلمه الوحيد اللي فاز عنه بأوسكار! 😎

  • لم يعرف مارتن سكورسيزي أنَّ السيناريو مقتبس عن فلم من هونق كونق إلا بعد موافقته على الإخراج، فقرَّر ألا يشاهد الفلم الأصلي إلا بعد إخراج النسخة الأمريكية. ويمكن لهذا السبب الفلم الأصلي مدته ساعة وأربعين دقيقة، وفلم سكورسيزي ساعتين ونص! 

  • رغم تداعيات الأزمة الاقتصادية الآسيوية التي حدثت عام 1998، وتفضيل الناس في هونق كونق شراء تذاكر لأفلام أجنبية بدل صرفها على الأفلام المحلية، حقق الفلم نجاحًا باهرًا في شباك التذاكر وتخطَّى مبيعات الجزء الثاني من سلسلة هاري بوتر والجزء الأول من فلم سبايدرمان الصادر في العام نفسه. ويزيد قيمة هذا الإنجاز إنَّ أفلام الشرطة وقتها لم تكن محببة للعامة، إضافةً إلى أنَّ الفلم جرى تصنيفه (R) للبالغين.

  • في الفلم، عند مشهد انتظار «يان» برفقة «وونق شاي شينق» عند المصعد، تخطى عدّاد الطوابق الرقمي الطابق الرابع. وفي الصين وهونق كونق يُعَد الرقم 4 جالبًا للحظ السيئ لأنه لفظيًّا يشبه صوت كلمة «موت». (هذي رسالة مبطنة وصلناها لك 📬😁). 

  • عنوان الفلم بالصينية «Wu Jian Dao» - بالعربية «الطريق المتواصل»- يشير إلى مفهوم بوذي حول الجحيم المستمر، أو بالأحرى العذاب الأبدي في الجحيم الأدنى، حيث يُعاقَب مرتكبو أشنع الجرائم. العنوان يعكس الفكرة البوذية بأنَّ الجريمة تؤدي إلى عذاب لا ينتهي، مما يجسّد الصراع الأخلاقي والنفسي للشخصيات الرئيسة في الفلم. 

  • جرى وضع نهاية بديلة للفلم في معظم إصدارات أقراص «الدي في دي» في الصين امتثالًا للوائح الرقابة الصينية التي تمنع الأفلام التي تروج للفساد أو العنف أو تشجع على ارتكاب الجرائم، حيث لم تكن السلطات مرتاحة للآثار السياسية للنهاية الأصلية. وفي النهاية البديلة، تقبض السلطات على شخصية لاو (التي يلعبها آندي لاو) وتقدمه للعدالة عن أفعاله غير القانونية، على عكس النهاية الأصلية حيث يظل مصيره غير محدد.


    ميم النشرة

النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+150 متابع في آخر 7 أيام