هل نجحت ضريبة القيمة المضافة في ضبط الميزانية؟

أعلنت ميزانية عام 2020 بنتائج مبشرة، لكن جائحة كورونا خلفت تدهور اقتصادي بليغ. فهل ستنجح ضريبة القيمة المضافة في إعادة الضبط؟

عندما نُشر بيان الميزانية العامة لعام 2020 أواخر عام 2019، اقتصرت أقصى المخاوف والتحديات على النزعات التجارية بين الصين وأميركا، وانعكاس ذلك على النمو الاقتصادي العالمي الذي سيؤثر على أسواق النفط. وأتت تقديرات الناتج المحلي الإجمالي السعودي مبشرة. حيث توقعت الحكومة نموه بنسبة 2.3%، نتيجة إصلاحات الاقتصاد المستمرة ورفع مشاركة القطاع الخاص.

وبناء على هذه التقديرات، خرجت الميزانية التقديرية بأرقام مشجعة، تتوقع إيراداتٍ تصل إلى 833 مليار ريال، منها 513 مليارًا من الإيرادات النفطية؛ أي ما يعادل نسبة 62%. أما الإيرادات غير النفطية، فبلغ حجمها 224 مليارًا، وقاربت 38% من إجمالي الإيرادات. وتوقع بلوغ النفقات ترليون و20 مليار ريال، كثاني أضخم ميزانية في تاريخ السعودية. أما العجز، فقُدّر بحدود 187 مليارًا فقط. واستقر التضخم عند 2%.

تدهور الأوضاع الاقتصادية

دل كل هذا على نظرة متفائلة لاستمرار تحسن الاقتصاد والإنفاق، حتى حصل ما لم يكن في الحسبان. وانتشر فيروس كورونا، لتتغير معه صورة الاقتصاد العالمي والمحلي تمامًا. وتدهورت الأوضاع الاقتصادية إلى الأسوأ، مع إجراءات الحظر والإغلاق وانخفاض الطلب.

حتى وصلنا إلى انخفاض غير مسبوق في العقود المستقبلية لخام النفط الأميركي. وسجّلنا مستوى غير مسبوق في تاريخ الأسواق المالية، بنزول سعر هذه العقود إلى السالب بحدود 37 دولارًا، لأسباب كثيرة معظمها فنيٌّ ومضاربي.

لكن هذا الحدث الذي أتى متزامنًا مع فشل اجتماع «أوبك بلس»، أرعب أسواق الطاقة. فمع إعلان السعودية رفع الإنتاج إلى أكثر من مليوني برميل لدفع الجميع لطاولة المفاوضات، استمرت الأسعار بالانخفاض حتى بلغت القاع أواخر مارس وأول أبريل الماضي.

تحت كل هذه المتغيرات والضغوط والمخاوف والغموض حول المستقبل على المدّين القصير والمتوسط، خيّمت مخاوف أكبر لدى المسؤولين عن وضع الميزانية التي ستواجه ضغطًا كبيرًا في ضعف الإيرادات، خصوصًا النفطية منها. وتوقّعت ألا تتجاوز الإيرادات النفطية لهذا العام 300 مليار ريال، بينما لن تتجاوز الإيرادات غير النفطية عتبة 350 مليار ريالًا.

بالإضافة لظهور نفقات لم تكن أصلًا في الحسبان، كنفقات قطاع الصحة والدعم الاستثنائي للقطاع الخاص؛ وغيرها من البرامج الجديدة التي شكّلت هاجسًا وضغطًا لإيجاد حلول لإصلاح المالية وتخفيض العجز الكبير المتوقع. ووفق حساباتي، أشارت التقديرات إلى بلوغ عجز 2020 -في أوج أزمة الفيروس- ما بين 400 إلى 450 مليار ريال.

تأثير الميزانية على الإيرادات 

في الحادي عشر من مايو، أعلن وزير المالية عن إصلاحات في المالية العامة، تهدف لتعزيز الإيرادات غير النفطية. وكان أبرزها رفع نسبة الضريبة المضافة من 5% إلى 15%.

فاجأت الخطوة الجميع، وأحدثت ردات فعل متفاوتة ومخاوف على القطاع الخاص الذي كان يعاني وبشدة جراء الإجراءات الاحترازية. حتى أخذت الإجراءات في التخفف والعودة تدريجيًا إلى العمل. فعاد القطاع الخاص للانتعاش بحذر وخوف من المستقبل وآثار رفع ضريبة القيمة المضافة.

شُرع تطبيق الضريبة في أول شهر الربع الثالث. وانتظر الكل رؤية آثارها المتوقعة على الاقتصاد وعلى إيرادات الدولة والفرد. لكن الآثار لم تتضح حتى الآن بشكل كامل، وتتطلب وقتًا أطول للحكم.

لكن، ومع صدور أرقام ميزانية الربع الثالث التي تضمنت تطبيق الضريبة بالكامل بالمعدل الجديد، يمكن أن نستشف مؤشرًا أوليًا غير مكتملٍ عن مدى تأثيرها على الإيرادات. وبالنظر إلى بيان ميزانية الربع الثالث، يمكن أن نحلل ونستنتج عدة نقاط، أهمها:

الإيرادات النفطية

بلغت الإيرادات النفطية 317 مليار ريال. إذ حققت أعلى رقم لها في الربع الأول بحدود 129 مليار ريال. ثم أخذت منحى تنازليًا، إلى أن بلغت 92 مليارًا فقط في الربع الثالث.

ومن المتوقع أن تكمل انخفاضها في الربع الأخير إلى ما يقارب 80 مليار ريال. مما يعني وصول إجمالي إيرادات النفط إلى أقل من 400 مليار. ويشير هذا إلى خطورة الاعتماد على الإيرادات النفطية دون غيرها، لعجزها عن تغطية بند الرواتب والأجور لوحده دون احتساب بقية البنود الأخرى.

الإيرادات غير النفطية

من الجانب الآخر، تذبذبت الإيرادات غير النفطية خلال الأرباع الثلاث الأولى. حيث حققت 63 مليار ريال في الربع الأول، لتنخفض بعد ذلك بشدة بحدود 40%، وتصل إلى 38 مليار ريال فقط. ثم عادت بنمو قوي بلغ 123 مليار ريال. وهو أعلى رقم تشهده الميزانية للإيرادات غير النفطية.

وكان الدافع لتحقيق هذا الرقم في المقام الأول إيرادات ضريبة القيمة المضافة التي بلغت رقمًا تاريخيًا يعادل 51 مليار ريال. وتأتي الإيرادات الأخرى التي بلغت 47.6 مليار ريال في المقام الثاني.

وهي في الغالب من إيرادات استثمارات مؤسسة النقد، كما وُضحت في الميزانية. إذ ساهمت مؤسسة النقد في دعم الإيرادات وتغطية ضعف الإيرادات النفطية. ومن الممكن أن يبلغ إجمالي الإيرادات غير النفطية في نهاية السنة ما يقارب 313 مليار ريال.

المصروفات والعجز

رغم الإجراءات التقشفية، ظلت المصروفات مرتفعة بسبب الدعم والإنفاق على الصحة. كما قلّت مرونة الحكومة في تخفيفها، وذلك بسبب وجود بنود من الصعب تخفيفها، كالرواتب ونفقات العاملين التي بلغت العام الماضي رقمًا قياسيًا وصل إلى 500 مليار ريال. كما بلغ إجمالي النفقات 725 مليار ريال خلال التسعة أشهر الماضية. وهذا يعني أننا سنسجل في آخر السنة ما بين 950 إلى 990 مليار ريال من النفقات.

أما العجز، فبناء على كل ما ذكر، من المتوقع أن يبلغ في نهاية السنة ما بين 250 إلى 280 مليار ريال، وهو الآن يقف عند 185 مليار ريال.

بعد سرد الوقائع وتطورات المالية العامة والأحداث الاقتصادية وتعامل الدولة معها، يتضح مبدئيًّا نجاح الإجراءات التي شملت الإيرادات وضبط ومعادلة الميزانية. إذ انتقلنا من تبني مخاوف بلوغ العجز أرقامًا فلكية إلى تضاؤل هذا الاحتمال، بل احتمالية بلوغ عجز معقول، عطفًا على كل ما حدث.

إذ قدّرت الوزارة عند إصدار بيان الميزانية نهاية عام 2019 العجز بـ187 مليار ريال. والآن، إذا صدقت التوقعات، لن يتجاوز العجز هذا المقدار إلا بـ100 مليار ريال فقط.

ارتفاع الضريبة وانخفاض الاستهلاك 

على الجانب الآخر، من الواضح تأثر الاستهلاك بفعل الضريبة. فإذا افترضنا أن الـ51.5 مليار ريال كلها إيرادات من الضريبة المضافة، بنسبة بلغت 15%، فأكيدٌ أنها رفعت إيرادات الدولة بنسبة 37% عن نفس الربع العام الماضي.

لكن الاستهلاك انخفض. وبحسبة بسيطة سيقف الاستهلاك عند 344 مليار ريال فقط، وهو مستوى منخفض جدًا مقارنة بالربع الثالث العام الماضي الذي بلغ 752 مليار ريال؛ علمًا أنه من المفترض ارتفاع الاستهلاك في هذا الربع، نتيجة غياب عامل السياحة الخارجية وتوجه استهلاك المواطنين إلى الاستهلاك المحلي.

يُتوقَّع إذن أن يبلغ حجم الانخفاض في الاستهلاك خلال الربع الثالث 55% تقريبًا، وهو مؤشر مهم على تغير سلوك المستهلكين مع ارتفاع الضريبة. ويستوجب التحليل أكثر في عناصر الاستهلاك المنخفضة والتي قد يكون العقار منها.

أخيرًا، لم يتوقع أيٌ من المسؤولين أو المحللين على حد سواء عكس النتيجة الحاصلة بخصوص الضريبة والاستهلاك. لكن الجدال اقتصر فيما إذا ستحقق نتيجة رفع الضريبة ارتفاعًا في الإيراد، أم أن الاستهلاك سينخفض لدرجة انخفاض أو ثبات الإيرادات الضريبية عن الصعود رغم ارتفاع النسبة.

ثبت الآن أن الإيراد ارتفع بسبب ارتفاع النسبة بحدود 200%، وانخفض الاستهلاك إلى 55%. ليصبح السؤال القادم: هل سيتغير السلوك الاستهلاكي في الأرباع القادمة أم سيستقر؟

إذا ما استقر، سنلحظ ثباتًا في أرقام إيرادات الضريبة وبلوغها بمجموعها أكثر من 200 مليار ريال السنة القادمة. لترتفع بذلك الإيرادات غير النفطية إلى نحو 390 مليار ريال، أي اقترابها من تحقيق مستوى 50% من إجمالي الإيرادات.

في تصوري، سيتحقق هذا التوقع، ولن يتغير السلوك أكثر مما حدث في الربع الثالث. وستشهد الإيرادات استقرارًا أكثر، سيخفف من وطأة تقلبات أسواق النفط والضغط على الحكومة في مراجعة الميزانية. لنتمكن من مواصلة الإنفاق على برامج الرؤية وإصلاح الاقتصاد.

لكن ذلك كله سيكون على حساب القطاع الخاص على المديين القصير والمتوسط، وعلى حساب الناتج المحلي الإجمالي الذي سنشهد تراجعه الحتمي بسبب الجائحة وتراجع الاستهلاك.

الاستهلاكيةالاقتصادالضرائبالمجتمعالرأسمالية
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية