الثورة على التطور

يخشى الناس كل ما هو جديد ومتطور، ليس فقط في عصرنا الحديث بل منذ سنوات طويلة وهناك نوع من أنواع الثورة على التطور، كحركة مناهضة الآلات في القرن التاسع عشر

في القرن التاسع عشر ما بين العامين 1811 و1816 انتشرت في المملكة المتحدة حركة مناهضة الآلات سميّت باللوديتس الذين كانوا عمّالاً في المصانع البريطانية، ثاروا ضد الآت الحياكة التي حلت محلهم في مصانع النسيج وقاموا بتخريبها والتهجم على أصحاب المصانع حتى أن الوضع تأزم لدرجة تدخل الجيش الملكي وبعدها بدأ نشاط الحركة في الهدوء إلى أن اختفت تقريباً.

تتضارب الروايات التاريخية حول الأسباب والدوافع الحقيقية لهذه الحركة، فالبعض يقول أن أعضاء الجماعة ثاروا ضد الآلات بسبب تسببها في فقدان وظائفهم والبعض الآخر الذي يقول بأن السبب هو أن جودة منسوجات الآلة لم تكن بنفس جودة منسوجاتهم اليدوية، وهو ما جعلهم يطالبون بأن تكون جودة انتاج الآلات عالية لأن الناس لن تقبل بالمنتجات السيئة، كما اشترطوا ان تدار الآلات من قبل عمّال لهم خبرة في هذا المجال، لكن الشيء لم يحدث وهو ما أثار حفيظتهم وجعلهم يقومون بالتخريب.

توجد بعض العوامل الآخرى التي أدت لنشوء مثل هذه الحركة وتوسعها، ففي ذلك الوقت لم يكن الاقتصاد البريطاني في أفضل حالاته وكان الحرب مع نابليون قد استنزفت الكثير من موارد الدولة وهو ما أثر على الاقتصاد وأوجد شحاً في الوظائف وأي خطوة لتقليل العمالة كانت مستهجنة فالعامل الذي سيصبح عاطلاً عن العمل سيكون من الصعب عليه العثور على وظيفة آخرى في تلك الظروف القاسية.

متى ماوجد التطور فإنك ستجد الكثير من الأصوات المنادية بالتخلي عن التطور لأنه يجعل الحياة أسوء ونحن الآن على أبواب عصر تطور من نوعٍ جديد.

على أعتاب عصر الذكاء الاصطناعي

في عصر الثورة الصناعية تم استبدال العمالة القوية واليدوية بالآلات التي لا تتعب ولا تمل ولا تطالب بزيادات في الرواتب، لكننا اليوم على أعتاب عصر الذكاء الاصطناعي الذي يثير مشاعر متباينة بين الناس وجعل العلماء ينقسمون ما بين مرحب ومحذر، فالمرحب يرى أن الذكاء الاصطناعي سيساعد على جعل الحياة أفضل وسيساهم في معالجة الأمراض وتقليل الحوادث وتسهيل الأعمال، أما المحذر فهو يرى أن الذكاء الاصطناعي متى ما وصل إلى مرحلة متقدمة قد يستبب بالكثير من الأذى على مستوى الوظائف وقد يتطور الحال لينتهي بنا الحال مثل البشر في فيلم The Terminator.

هل نحن نبالغ في ردة فعلنا تطور الذكاء الإصطناعي؟ لكن لو افترضنا أن عصر الذكاء الاصطناعي سيحتاج إلى 100 سنة من أجل الوصول إلى 50% من الذكاء البشري فإن قوانين اللعبة قد تتغير كليًا فكم من الوظائف تستطيع أن يحل محلها مثل هذا الذكاء؟ قدم CGP Grey فيديو كامل يتحدث عن هذا التطور وكيف أن الإنسان قد يؤول به الحال مثل أحصنة القرون الماضية والتي ارتاحت من العمل المتعب مع ظهور السيارات ولكن مع مرور الوقت أصبحت الأحصنة مجرد حيوانات تجدها في المنتزهات والمسابقات، ولا تعتقد أن الآلة لا تستطيع منافسة المبدعين فالفيديو يقدم لك أمثلة على آلات ترسم وتؤلف الموسيقى.

حتى لا نُصبح نعاج المزرعة

محبو الآلة لايعتقدون أن الوظائف ستتختفي بل ستتطور وسنرى في العقود القادمة ظهور وظائف بتخصصات جديدة تتلائم مع مستقبلنا المتغير، لكنني أجد أنه من الصعب علي الاقتناع بمثل هذه الحجج، فقد أتفق معهم بأننا قد نحتاج إلى العلماء والمهندسين في الفترة القادمة للمساهمة في تطوير الذكاء الاصطناعي ولكن حين تصبح الآلة أقوى وأذكى بين 200 سنة مالذي سيبقى للبشر؟ ماهي الحاجة لوجودنا، هذه السيناريوهات السوداوية تحدث عنها الكثير من الناس منهم البروفيسور نيك بوستروم في كتابه “Superintelligence” والذي قد يصفه بعض بأنه مجرد تكنو-فوبيا (خوف من الآت والتقنية)، وتوجد هناك أصوات كثيرة تؤيد فكر بوستروم وتدعوا الباحثين إلى أن تؤخذ الحاجات البشرية في الحسبان أثناء تطوير الذكاء الاصطناعي كي لا ينتهي بنا الحال مثل نعاج المزرعة.

لن نستطيع إيقاف عجلة التطور مهما حاولنا لكن ما نشهده اليوم هو شيء لم يسبق للبشرية أن شهدته من قبل. يجب على التطور أن يكون في مصلحة الإنسان وأن يساهم في جعل الحياة أفضل ولكن يبدو أننا قد نشهد خلال السنوات القادمة ظهور لوديتس القرن الواحد والعشرين ومن يدري لعلنا نكون من ضمنهم.

الآلاتالاقتصادالتقنيةالذكاء الاصطناعيالمستقبل
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية