كيف يراهن الصندوق العقاري على حل مشكلة الإسكان؟

شكلت القروض الاستهلاكية ما نسبته 85% أو أكثر من مجمل القروض الممنوحة للأفراد. بينما لم تشكل القروض العقارية أكثر من 15% حسب الأرقام التي أعلنتها مؤسسة...

طوال العقود الماضية، سيطر الطابع الاستهلاكي بشكل كبير على السعوديين، وهذا ما تظهره أرقام ونسب تمويل القطاع البنكي. حيث شكلت القروض الاستهلاكية ما نسبته 85% أو أكثر من مجمل القروض الممنوحة للأفراد. بينما لم تشكل القروض العقارية أكثر من 15% حسب الأرقام التي أعلنتها مؤسسة النقد.

ثم ارتفعت بعد ذلك إلى ما يقارب 25% عام 2015، لتستقر على هذه النسبة تقريبًا في السنوات اللاحقة. وهو ما يوضح سيطرة القروض الاستهلاكية بأنواعها كقروض السيارات والسياحة والأثاث وغيرها على محفظة الإقراض.

الاستقرار الاقتصادي بين القروض العقارية والاستهلاكية

تُنشّط القروض الاستهلاكية بكل تأكيدٍ الحركة التجارية. لكن استيراد أغلب هذه المنتجات الاستهلاكية يُضعف عائد استغلال هذه القروض ورؤوس الأموال. وحتى لو افترضنا إنتاج نسبة كبيرة داخليًا، تظل هذه النسب غير صحية على المستوى الادّخاري ومستوى الاستقرار على الأمد البعيد للأسر السعودية، فالقروض استهلاكية وليست لتملك الأصول.

لو قارنا هذه النسب مع بلد يصنف بالاستهلاكي مثل أميركا، لوجدنا الفارق الكبير في توزيع القروض. إذ بلغ حجم قروض الأميركيين بشكل عام في 2019 ما يقارب ثلاثة عشر تريليون دولار، شكلت القروض العقارية فيه ما نسبته 68%.

ورغم أن الأميركيين معروفون بتوسعهم نحو القروض الاستهلاكية، تؤكد النسب على أهمية ودور القروض العقارية التي تلعب دورًا مهمًا في استقرار وأمان الأسر على المدى المتوسط والبعيد، وترفع من ثروات الأفراد والأسر عبر تملكهم للأصول.

ولو نظرنا من خلال عدسة أكبر للاقتصاد، للاحظنا أن قيمة هذه الأصول ترتفع في الأحوال الطبيعية بفعل التضخم، وتزيد من فاعلية استخدام رأس المال، وترفع الطلب على عدة قطاعات اقتصادية معها مثل قطاع التشييد والبناء وقطاع الإسمنت والمقاولين والمطورين العقاريين وغيرهم ممن ينتعشون مع حركة العقار والبناء.

ظلت هذه النسب بين القروض الاستهلاكية والعقارية ثابتة حتى الربع الأول من عام 2017، حين بدأت الأمور تتغير تدريجيًا حتى بلغت نسبة القروض العقارية اليوم 43% من إجمالي القروض، لتنخفض نسبة القروض الاستهلاكية في تقدم ملفت إلى 57%. ولكن ما الذي تغير وأعطى هذه النتيجة؟

تنشيط القروض العقارية

يعود الفضل في هذا الانخفاض إلى قرار الصندوق العقاري إطلاق برنامج التمويل المدعوم الذي لاقى اعتراضًا ورفضًا واسع النطاق في البداية. حيث لم يتقبله الكثير من الأفراد، بل وتم انتقاده بشكل واسع في الصحافة ووصمه بالمنتج الفاشل.

ورغم كل حملات النقد التي واجهها التمويل، أثبت البرنامج نجاحه في تنشيط القروض العقارية بدرجة لم يتوقعها أكثر المتفائلين به. حيث لم يتجاوز إجمالي العقود المصدرة قبل إطلاق البرنامج عام 2016 عن عشرين ألف عقد في العام كاملًا. أما اليوم فيٌمضى أكثر من عشرين ألف عقد في الشهر الواحد!

بل أُصدر أكثر من مائة وسبعين ألف عقد في عام 2019 لوحده. يدل هذا التطور الضخم على نجاح البرنامج الذي أقبل عليه واستفاد منه الكثير من الأفراد. ولكن الإقبال لم يكن قويًا في البداية نتيجة الانتقادات التي طالت البرنامج كما ذكرنا.

فعلى الرغم من أنه بدأ في عام 2017، لم يتطور حجم القروض بشكل كبير. إذ لم تزد قيمة القروض المصدرة عام 2016 عن خمس عشر مليار ريال. وعندما أطلق البرنامج عام 2017، لم يتغير هذا الرقم بشكل ملحوظ. إذ لم يتجاوز حجم القروض المصدرة تسع عشرة مليارًا وثمانية وعشرين ألفًا وأربعمائة عقد فقط بنمو جيد ولكن غير كافٍ.

بينما قفزت الأرقام في 2018، لتبلغ قيمة القروض المصدرة سبعًا وعشرين مليار ريالٍ، ويرتفع عدد القروض إلى ما يقارب سبعة وأربعين ألف عقد؛ وهذا نمو رائع حقًا. لكن النمو الأقوى كان في عام 2019 حين بلغت قيمة القروض المصدرة أربعًا وسبعين مليار ريال ومائة وسبعين ألف عقد! أما النمو، فقد حقق نسبًا مدهشة بلغت 174%.

ستتجاوز أرقام هذا العام بكل تأكيدٍ نظيرتها لعام 2019، حيث أشارت آخر الإحصاءات إلى بلوغ عدد القروض المصدرة ثمانين مليار ريال. ويثبت النجاح الكبير للبرنامج أننا نستطيع تغيير الاقتصاديات بقرار قد يبدو بسيطًا في ظاهره، ولكنه يحمل أبعادًا عميقة على قطاعه وقطاعات أخرى كذلك.

الصندوق العقاري وتحقيق الاستدامة

استندت بعض الآراء المعارضة التي وصفت البرنامج بـ«الخطأ الفادح» على عجز الصندوق تقديم الدعم باستمرارٍ، كون هذه المبالغ غير مستردة، عكس طريقة القروض السابقة. ويمكن مواجهة هذه الادّعاءات بفهم الفرق بين صرف مبلغ خمسمائة ألف ريال دفعة واحدة كما كان الحال عليه سابقًا، ودفع خمسمائة ألف ريال كأقساط لمدة خمسٍ وعشرين سنة في القرض المدعوم.

وهنا يكمن الفرق. حيث أن هذه الطريقة تمكن الصندوق من خدمة عدد أكبر من المستفيدين المباشرين دون أن يحمل الصندوق عبء مبالغ كبيرة. وتشير إحصائيات الصندوق العقاري لارتفاع العائد الاجتماعي من خمسمائة ألف ريال لخدمة عائلة واحدة، كما في الطريقة القديمة، إلى خدمة ثلاث مائة عائلة بالطريقة الجديدة.

فرقٌ رائع يحمل في طياته إمكانيات دعمٍ عديدة. أما بالنسبة لاستدامة دعم البرنامج، فللصندوق العقاري برامج استدامة تتمثّل في استثماراته وشراكاته مع البنوك التجارية. حيث يقدم لهم ودائع تُستغل لإقراض المستفيدين، فيستفيد هو الآخر من عوائد هذه الودائع لتمويل برامجه وعددٍ من برامج الاستدامة الأخرى.

رفاهية المواطن ورفع كفاءة الاقتصاد

ويعدّ استعراض تاريخ القروض العقارية وكيف رفع قرار التمويل من كفاءة الاقتصاد وخدم المواطنين في قطاع حيوي جزءًا مهمًا من مستهدفات رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والتي تلتمس رفاهية المواطن من خلال رفع نسبة تملك المواطنين للمساكن، وصحح وضع هرم القروض الذي كان مقلوبًا في السابق؛ فكانت نسبة القروض الاستهلاكية حينها أعلى من القروض العقارية، ولكن الهرم اعتدل الآن بشكل جيد.

فكما عبر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2017 عن سعيه لزيادة تملك المواطنين في عام 2020، أو على الأقل ثبات النسبة على 47%، كما كانت في عام 2017. فحسب آخر الإحصائيات، بلغت نسبة تملك المواطنين للسكن 62%، وهو نجاح يتجاوز ما سعى له التصريح.

فمتى ما وُجّهت موارد الدولة بشكل صحيح لخدمة المواطنين، كانت النتائج مذهلة وقادرة على قلب موازنة نسب القروض. لتنمو القروض العقارية على حساب القروض الاستهلاكية، ونقترب من النسب الطبيعية لدى الدول الأخرى.

كما أن الاهتمام بموضوع السكن -وهو أكثر ما يقلق الشباب والشابات اليوم- يساهم في تحقيق الأمان الأسري والاقتصادي للعائلة السعودية وتنمية الأصول وتحريك الاقتصاد وتحسين استخدام الموارد الاقتصادية من رأسمال وعقار وموارد بشرية. 

الإصلاح الإقتصاديالإقراضالاستهلاكالعقاراتالرأسمالية
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية