بين الماء والسّماء: النفايات البلاستيكية

أحد تلك الأمور المشينة التي يقترفها الإنسان بحق موارده الطبيعية هي تسببه في تلوث المحيطات من النفايات البلاستيكية على مدار سنوات طوال.

ترتبط غريزة البقاء لدى جميع المخلوقات الحية بأشياء عديدة لا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها بأخرى، وتكمن أهمية تلك الموارد لارتباطها الوثيق بالعيش فإن اختفت تكون النتيجة الحتمية الموت.

أحد تلك الموارد الأساسية هو الماء، وهو المورد الطبيعي الذي تختلف مصادره وتتنوع باختلاف الموقع الجغرافي له، لكنه يتساوى في أهميته لسائر المخلوقات. يشترك الهواء مع الماء في ارتباطه الوثيق بالحياة، فالهواء بمكوناته العديدة من الغازات، وأهمها الأوكسجين، هو المسؤول الأول عن بقائنا أحياء.

لكن هل كنت تعلم عن الأضرار التي تلحقها بهذين الموردين؟ رغم معرفتنا بأهميتهم في حياتنا، إذا أردنا أن نعطي وصفًا مبسطًا للوضع الراهن، سنقول أن الإنسان يدمر نفسه بنفسه دون أن يشعر. أحد تلك الأمور المشينة التي يقترفها الإنسان بحق موارده الطبيعية هو تلويث المحيطات بمخلفات البلاستيك.

المحيطات كمكب رئيسي للنفايات

في الستينات أحدث البلاستيك طفرة بالصناعة، لكن في وقتنا الحالي أصبح هو المشكلة. البلاستيك من أكثر المواد استعمالًا في تصنيع الحاجات الضرورية لمزاياه المتعددة. قابلية أن نجعله بالغ الصّلابة لنستخدمه في بناء سفينة فضاء، أو أن نجعله بالغ المرونة لنستخدمه في أكياس التسوق القادرة على تحمل سبع كيلوغرامات. رخص قيمة البلاستيك السوقية، واستمراريته وسهولة استهلاكه أمور أخرى تضاف على مزايا هذه المادة.

شاهد فيديو فنجان: كيف ساهمت البلياردو في صناعة البلاستك!

مقابل هذه المزايا الكثيرة يوجد الكثير من العيوب الخطيرة أهمها عدم قابلية البلاستيك للتحلل، فبإمكان قطعة بلاستيك صغيرة أن تبقى لقرون عديدة دون تغير يذكر.

اتُخذت المحيطات كمكب رئيسي للنفايات البلاستيكية وهذا الشيء أدى للكثير من الأضرار أضف إلى ذلك تكون ظواهر مثل دوامات النفايات البلاستيكية الشرقية والغربية في المحيط الهادئ (Eastern Garbage Patch) (Western Garbage Patch). هذه الدوامات هي مناطق تجمع للنفايات البلاستيكية، وتقع بالقرب من خط الاستواء عند المحيط الهادئ بشقيه الشرقي والغربي، وتتكون من منطقة دوران تتكدس فيها النفايات البلاستيكية القادمة من الجهتين المختلفتين للمحيط الهادئ.

غيرت هذه المخلفات من شكل الحياة المائية في تلك المنطقة، فهي تشكل  خطرًا حقيقيًّا على الكائنات الحية هناك،  فالكثير من الطيور مثلًا تبتلع بعض هذه النفايات ظنًّا منها بأنّها غذاء وهذا يؤدي في الكثير من الأحيان إلى الاختناق والموت. وكشاهد على هذه الظّاهرة وُجِدَ أن 90% من الطيور النافقة على شواطئ القطب الشمالي تحتوي داخل أجسادها نفايات بلاستيكية.

حتى تقدم على طبق لأشخاص لم يعلموا ما تخبئه لهم تلك اللحوم

مخلفات البلاستيك الكبيرة لا تمثل سوى 10% من إجمالي النفايات الموجودة في المحيطات، المتبقي منها بلاستيك أصغر حجمًا ويعرف بجزيئات البلاستيك، وهو بلاستيك تكفلت أشعة الشمس بجعله أضعف مع مرور الوقت وتمزق إلى قطع صغيرة جدًا بفعل الأمواج والرياح، لكنّه ظلّ محتفظًا بصلابته التي عرفت عنه فيصعب على البكتيريا المحللة هضمه وتحليله.

يصعب تحديد ضرر جزيئات البلاستيك على عكس النفايات البلاستيكية الكبيرة وأضرارها الملحوظة. قد تصبح تلك الأجسام الصغيرة مكانًا لتكاثر المخلوقات الحية الصغيرة، أو قد تسبب اختناق كائناتٍ حية أكبر بسبب التهامها لتلك القطع الصغيرة ظنًّا منها بأنّها غذاء يصلح للأكل، وفي حالات كثيرة تتجمع مركبات سامة على أسطحها و تتغذى عليها بعض الأسماك  التي سيدخل السم إلى جسمها وتظل محتفظة به بداخلها حتى تقدم على طبق لأشخاص لم يعلموا ما تخبئه لهم تلك اللحوم من مضار.

هناك أخطار أخرى قد تتسبب بها تلك الجزيئات ولم تتم ملاحظتها بعد، لكن من المؤكد  أن مقدار ما نرميه من كميات مهولة من النفايات البلاستيكية في البحار والمحيطات خطر حقيقي يجب الالتفاف حوله بسرعة.

Plastiki

وفي محاولة لتسليط الضوء على تلك المشكلة قرر المغامر ديفد روتشيلد (david de rothschild) بدأ حملة توعية مستخدمًا الفائض والمهدر من البلاستيك لبناء سفينة أسماها بلاستيكي (Plastiki) أبحر فيها من ميناء سان فرانسيسكو إلى سيدني قاطعًا بذلك تجمع النفايات البلاستيكية في وسط المحيط الهادئ.

هذه المحاولة هي توعية مبسطة تسعى لحث الناس على عدم هدر النفايات البلاستيكية، وإعادة استعمالها لأغراض أخرى، وبامكاننا نحن المساهمة فيها عبر استبدال البلاستيك بنوع آخر قابل للتحلل ورمي كميات أقل من النفايات البلاستيكية في المحيطات والمساهمة في إعادة تدويرها.

يعد إعادة التدوير أحد أهم الحلول للحد من ازدياد النفايات البلاستيكية، كل ما عليك فعله هو جمع النفايات البلاستيكية القابلة للتدوير والتي يرمز لها بالأسهم الخضراء وتوصيلها لأقرب جامع نفايات من بعض الشركات المتخصصة، أو إذا كنت محظوظّا بوجود حاويات مخصصة للنفايات البلاستيكية في منطقة سكنك أو مقر عملك فيمكنك وضعها هناك (هل توجد مثل هذه الحاويات بالقرب منك؟). المساهمة أيضًا قد تتجلى في أبسط الأمور مثل قيامك بتنظيف الشاطئ من النفايات البلاستيكية.

تصفية الأجواء من النفايات

الهواء هو الآخر طالته يد العبث، فقد يتلوث نتيجة حدوث أمور طبيعية خارجة عن إرادة الإنسان مثل انفجار البراكين التي بدورها تملأ الغلاف الجوي بغازات سامة قد تؤدي لسقوط أمطار حمضية، أو بإرادة الإنسان مثل أدخنة المصانع ووسائل النقل المختلفة. هذه الأدخنة تحتوي على غازات عديدة من أهمها مركبات الهيدروكربون وأكسيد النيتروجين وأول أكسيد الكربون. يتحدون معًا في تراكيز مختلفة؛ فيتأثر بها الإنسان عند استنشاقها وتظهر هذه الأعراض على شكل حساسية تسبب الكثير من السعال، واذا زاد التعرض لتلك الغازات فقد تؤدي إلى الإصابة بالربو.

عدد المصابين بالربو في السعودية تضاعف بشكل كبير في فترة قصيرة فبعد أن كانت نسبة المصابين 8% في عام 1986 ارتفعت إلى 23% في عام 1995 ومازالت الأعداد في ازدياد ملحوظ، وتختلف تلك الزيادة باختلاف المدينة. تنفرد المدن الكبرى بالنسب الكبيرة عكس المدن الصغيرة والتي تقل فيها مسببات التلوث.

ضرر آخر تتسبب به تلك الأجواء غير الصّحيّة، فمع تقدم البحوث والدراسات الطبية وجد أن هناك علاقة قوية بين الإصابة بالطفح الجلدي والتواجد في بيئة ذات هواء ملوث.

الحلول المساهمة في إنتاج هواء أنقى موجودة. حاول أن تقلل من استعمال المركبات الشخصية واستبدالها بوسائل النقل العامة، أو قيادة دراجة هوائية. استبدل وقود السيارة بوقود هيدروجيني والحافلات بديزل متجدد صنع من دهون النباتات والحيوانات.

تتعدد الأساليب في تأثيرنا على تلك الموارد الطبيعية وعلى وطننا الأرض، المؤكد أنه لم يتم حصر جميع مسببات التلوث للماء والهواء بل تم ذكر بعض الأمثلة الواضحة للعيان. ولكن الأهم هو البدء في المساهمة في تصفية الأجواء وتنقية المياه والحد من استعمال ما قد يفاقم تلك المشاكل.

البلاستكالبيئةالتلوثالمستقبل
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية