رونالدينيو: الرجل الذي ربما ينقذك من كورونا

ألقي القبض على رونالدينيو داخل أحد فنادق عاصمة باراقواي بعد أن تأكدت السلطات المعنية أنه دخل باراقواي بوثائق مزورة. لكن هل تنتهي القصة هنا؟

أنت الآن على الأغلب حبيس منزلك، ورغم اشتياقك العارم لضجيج الشارع إلا أنك تدرك يقينًا مدى خطورة الوضع في الخارج، ولا يهدئ من روعك سوى معرفتك بأن الشارع نفسه أصبح بلا ضجيج. الجميع خائف من فيروس يجتاح العالم دون عقار، ويقع ضحيته أعدادًا ليست بالقليلة كل يوم. 

والتعليمات واضحة؛ حاول ألا تكون حلقة في سلسلة انتشار الفيروس، وابق بالمنزل ولا تخالط الغرباء إلا للضرورة القصوى. لكن كيف ستقضي كل هذا الوقت دون أن يتغلب الملل على الطمأنينة المرجوة من البقاء في المنزل؟

خيالات الفن والأدب وفيروس كورونا

يقول فرناندو بيسوا في كتابه الشهير «كتاب اللاطمأنينة»: «إن خيالات الأدب والفن تبدو شاحبة أمام واقعية الحياة». يبدو الواقع في منتهى القسوة بالفعل بعد فيروس كورونا تحديدًا، ولا نملك الآن سوى تساؤل وحيد: هل تبدو خيالات الفن والأدب شاحبة بالفعل في مواجهة واقع كورونا الشرس، أم أنها ملجأ منطقي للعديد من الخائفين؟

ربما لا تصدق أن الكثيرين لم يتأكدوا من مصداقية الأخبار المتعلقة باجتياح كورونا للعالم إلا بعد أن توقفت مباريات كرة القدم، لكنها الحقيقة التي لا يدركها إلا مجانين تلك اللعبة فقط؛ هؤلاء الذين يشرحون للبقية خطورة الوضع قائلين: لقد توقفت المباريات تمامًا حول العالم، الأمر خطير بالفعل، هؤلاء الذين يعدون كرة القدم الفنًّ والأدبَ بكافة أنواعه ويختلفون مع بيسوا في مزاعمه، فخيالات كرة القدم هي ما تبقيهم في منازلهم على أمل أحداث جديدة عقب انقشاع الغمة.

ملايين المقاطع المتعلقة بكرة القدم أُعيد تشغيلها عبر منصات الإنترنت خلال الأيام السابقة؛ ثمة من يعيد مشاهدة مباريات كاملة لفريقه المفضل، وهناك من يقرر أن هذا هو الوقت المناسب تحديدًا لمشاهدة كل الأهداف والمراوغات التي يفضلها.

دعني أؤكد لك حقيقية بسيطة، إذا أردت أن تستمتع بأقصى جرعة متاحة من فنون كرة القدم، فما عليك سوى أن تكتب في خانة البحث: «رونالدينيو قاوتشو». هل ظهرت لك نتائج البحث الآن؟ حسنًا إن الأمر حقيقي للأسف، رونالدينيو هو الآخر محبوس لكن ليس في منزله.

رونالدينيو: ابتسامة المتعة ودموع الصناعة

ألقي القبض على رونالدينيو داخل أحد فنادق عاصمة باراقواي، بعد أن تأكدت السلطات المعنية أنه دخل باراقواي بوثائق مزورة. وكان رونالدينيو قد واجه صعوبات مالية وقانونية شديدة في البرازيل، انتهت بالتحفظ على جوازات سفره البرازيلية والإسبانية، عقابًا على تجاهله سلسلة من الغرامات المرتبطة بانتهاكات قوانين البناء في مسقط رأسه بورتو أليقري.

مصدر الصورة: Photograph: Jorge Adorno/Reuters 

تبدو صورة رونالدينيو وهو في طريقه إلى السجن أفضلَ تعبير عن هذا الرجل الذي وُجد في الزمن الخطأ؛ عينان ممتلئتان بالدموع وابتسامة معتادة تملأ الوجه. دعنا نبدأ بابتسامة رونالدينيو أولًا، لم يفقد رونالدينيو قدرته على الابتسام أبدًا حتى في هذا المشهد. ويدرك رونالدينيو أن مجرد ظهوره يرتبط بالمتعة والفرحة والتسلية، هذا هو الوعد الذي قطعه قاوتشو على نفسه طوال مسيرته رفقة كرة القدم ولم يخنه أبدًا.

يعتقد إدواردو قاليانو أن تاريخ كرة القدم رحلةٌ حزينة من المتعة إلى الواجب، وكلما تحولت هذه الرياضة إلى صناعة يُستبعَد الجمال الذي يتولد من اللعب لمجرد اللعب. وتنطبق كلمات قاليانو تلك على الجميع إلا رونالدينيو.

جاء رونالدينيو في زمن أصبحت فيه كرة القدم صناعة خالصة. لكنه فضّل أن يقدم المتعة في شكلها الخام، وهذا التضاد هو ما صنع أسطورة رونالدينيو، وكان سلاحه الوحيد في تلك المعركة الضارية ابتسامته ورقصاته التي لم تتوقف ابدًا.

الاستعراض الأغلى ثمنًا في العالم

إنها الموسيقا الداخلية التي تنبعث من داخله، فتجعله يتفادى بجسده الجميع حتى لا ينكسر الإيقاع غير عابئ بأحد من منافسيه، فقط صوت احتفالات الجماهير المعلنة عن نهاية وصلة الموسيقا ووجوب تحية الجماهير بالابتسامة المعهودة، قبل أن تبدأ وصلة جديدة من موسيقا سامبا رونالدينيو الممتع.

إنه الفقرة الأساسية في الاستعراض الأغلى ثمنًا في العالم؛ كل شيء مرتب ومنمق ويساوي الملايين، لكن الناس لم تدفع تلك الأموال من أجل مشاهدة النظام بل من أجل هذا الوقح المستهتر الذي يخرج عن النص إرضاءً لمتعة جسده المنطلق.

في المقابل، تحصّل رونالدينيو على الملايين من صناعة كرة القدم، وهذا تحديدًا الجزء المتعلق بالدموع، فالعديد من المخالفات التي كان بطلها رونالدينيو بعيدًا عن كرة القدم مخالفاتٌ إدارية وبيئية ومالية تختص بأمور لا يفقهها رونالدينيو على الإطلاق.

اعتاد رونالدينيو جني الأموال والتصرف ببذخ بفضل كرة القدم، تلك اللعنة التي أصابته جراء كونه جزءًا من صناعة كرة القدم وتركته فريسةً لنمط حياة يعتمد بشكل أساسي على المال والشهرة والكثير من الإغراءات.

رونالدينيو الذي لا يعرف شيئًا

«إنه يُعامل بشكل جيد ويحافظ على هدوئه، لكنه لا يفهم لماذا هو في السجن من الأساس» كانت هذه كلمات لاعب باراقواي بيبينو كويفاس بعد زيارته لرونالدينيو في السجن.

يؤكد رونالدينيو أن جواز السفر المزور أهداه إليه رجل أعمال برازيلي، ويبدو عذرًا مخالفًا للمنطق بالطبع. لكن أي منطق هذا الذي يريدون لرونالدينيو أن يتحدث به؟ لو كان رونالدينيو يعلم شيئًا عن المنطق ما كان ليغادر كامب نو أبدًا، بل كان سيصبح صديق بيب قوارديولا المفضل وأحد أهم أساطير كتالونيا للأبد، لكنه لا يأبه بكل ذلك ويبحث عن المتعة حتى ولو بجواز سفر مزور.

وتلك حقيقيةٌ لن تدركها حكومتا باراقواي والبرازيل، لكننا فقط جمهور كرة القدم نؤمن ببراءة رونالدينيو الذي لا يعرف شيئًا سوى الاستمتاع بكرة القدم والرقص على إيقاع السامبا المنبعث في داخله.

يقبع رونالدينيو الآن في السجن لكنه ما زال يمارس سحره، وما زال يمتع الآخرين ويستمتع هو الآخر. ويتمتع البرازيلي بوضع المشاهير في السجن، ويوقع الأوتوقرافات ويلتقط صورًا إلى جانب السجناء. وينظم هؤلاء السجناء أنفسهم في فرق من أجل التنافس في بطولة كرة الصالات، وهو الأمر الذي جعل رونالدينيو في حال أفضل بعدما أراد جميع المتنافسين مواهب رونالدينيو إلى جانبهم.

هل احتاج رونالدينيو مجهودًا خاصًّا لإقناعه بالمشاركة في مباريات لكرة القدم داخل السجن؟ بالطبع لا. فعلها بأقدام عارية على شواطئ بورتو أليقري، وفعلها بأقدام من ذهب خالص في ملاعب أوربا، ولن يتردد في أن يفعلها داخل سجن لاتيني فقير.

تناولت الصحف أخبار رونالدينيو داخل السجن بشكل مفصل؛ أخبار حول قدرة الرجل البالغ من العمر 39 عامًا على الانتصار لفريقه ببطولة السجن للكرة الخماسية. ويؤكد البعض أن رونالدينيو سجل خمسة أهداف وصنع خمسة آخرين في إحدى المباريات، بينما يشير آخرون إلى أن السجناء اتفقوا فيما بينهم ألا يسجل رونالدينيو ويكتفي بصناعة اللعب فقط من أجل فرص متساوية بين الفرق، لكن رونالدينيو لم يستطع التحكم في نفسه لخمس مرات فقط.

العزلة التي ينقذنا منها رونالدينيو

يبدو أن صور رونالدينيو في محبسه قد أخذت من وقتنا الكثير. لكن لا عليك فما زال أمامنا متسع من الوقت قبل أن نعاود تصفح الأخبار المتعلقة بمدى توغل فيروس كورونا والقراءة للمرة الألف عن كيفية الوقاية منه.

دعنا نتجاوز أخبار رونالدينيو في باراقواي ونضغط على هذا المقطع الذي يحمل صورة رونالدينيو بقميص برشلونة. ضع السماعات في أذنيك وحاول ألا تمر ثانية من تلك المتعة دون أن تكون منتبهًا لها.

https://www.youtube.com/watch?v=gTh7Coi31vo&t=46s

«أوووووه أرياااا ريووو أوبا أوبا أوبا. لا يهمني شيء، ابتعد عن طريقي لأنني أريد أن أمر. كل ما أريده هو أن أرقص السامبا» تلك هي الكلمات الأصلية لأغنية «mas que nada» التي ترجع إلى ستينيات القرن الماضي، وتبدو الآن وكأنها كتبت خصيصًا لتصبح خلفية موسيقية لمقاطع رونالدينيو التي تستمر لساعات دون انقطاع، والتي يلجأ لها محبو كرة القدم بعد أن اختفت المباريات من حولهم.

هل تستطيع كرة القدم المعلبة أن تنقذنا من عزلتنا الآن؟ طغت الصناعة على كرة القدم لدرجة أن البعض بدأ يؤكد أن متعة كرة القدم ربما تتلخص في إفساد جماليات الفريق المنافس، وفي الفوز بأي طريقة ولا شيء غير الفوز. ها قد انتهت حسابات الفوز والخسارة وتوقفت المسابقات، وأصبحت المتعة الشيء الوحيد الباقي لنا لمحاولة تجاوز الأزمة.

ودعن أخيرًا أكتب بدلًا منك تعليقًا أسفل مقطع رونالدينيو الذي جعلنا نتناسى الواقع الشرس الذي يحيط بنا خلال هذه الأيام الصعبة:

عزيزي رونالدينيو، كنت دومًا الجزء الممتع في عالم من القبح. ربما كنت هدية الرب إلى هؤلاء الذين يحتاجون إلى المتعة لمجابهة سخافة الحياة. أتمنى أن تغادر السجن حتى ولو إكرامًا لكل هؤلاء الذين خففت عنهم سجنهم الحالي.

صورة الغلاف من فليكر.

أمريكا اللاتينيةالبرازيلالصينكرة القدمكروناالثقافة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية