كيف تؤثر المباني الخضراء على إنتاجية الساعة؟

إن مصطلح "المباني الخضراء" هو الاسم المتداول لتعريف "المباني المستدامة" ويعنى بتصميم وإنشاء وصيانة وتجديد المباني بطريقة تراعي البيئة، للحد من...

في البدء دعونا نسأل سؤالًا، ما هي المباني الخضراء؟ قبل ثلاثة عقود تقريبًا لم يكن هذا المصطلح يُتداول بكثرة. ولو سألت عينة من الناس في ذلك الوقت عن تلك المباني، لاعتقدوا أنها مبانٍ ذات طلاءٍ أخضر تعبر عن صيحةٍ معمارية جديدة. الآن أصبح مصطلح المباني الخضراء ومفهومه متداولًا بكثرة، وتعد المؤتمرات لمناقشة قوانينها وكيفية تأثيرها على الفرد والبيئة.

إن مصطلح «المباني الخضراء» هو الاسم المتداول لتعريف «المباني المستدامة» ويعنى بتصميم المباني وإنشائها وصيانتها وتجديدها بطريقة تراعي البيئة، للحد من التغيرات السلبية التي قد تسببها.

ألّا نأخذ من الأرض أكثر مما نعطي

بدأت القصة في الثمانينيات حين عَينت الأمم المتحدة رئيسة الوزراء النرويجية قرو هارلم برونتلاند (Gro Harlem Brundtland) لترأسَ اللجنة العالمية للبيئة والتنمية. والغرض من تلك اللجنة التعامل مع الاهتمام المتزايد بما يخص تأثير الأنشطة البشرية على البيئة.

في عام 1987، تم التوصل إلى نتيجة عُرفت فيما بعد بمسمى «تقرير برونتلاند» الذي لخص مفهوم التنمية المستدامة على النحو التالي :«التنمية التي تلبي متطلبات الحاضر دون الحد من قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم».

في عام 1990، قدَم مؤتمر منظمة الزراعة والأغذية العالمية تعريفًا أوسع للتنمية المستدامة على أنها: «إدارة قاعدة الموارد وحفظها وتوجيه عملية التغير البيولوجي على نحو يضمن توفير كامل الحاجات الإنسانية للأجيال الحاضرة والمقبلة بشكل دائم، ولا تؤدي إلى تدهور البيئة». فمن أولوياتها الأساسية توفير حاجات الإنسان من الغذاء والمسكن والملبس وحق العمل والتعليم وتوفر الخدمات الصحية وكل ما يساهم في تطوير نوعية حياته المادية والاجتماعية، مع تواجد شرط أساسي ورئيس: ألا نأخذ من الأرض أكثر مما نعطي.

لماذا الاهتمام بالمباني الخضراء في التنمية المستدامة إذن؟

في عام 2008، كان 50% من سكان الأرض يعيشون في المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن ترتفع تلك النسبة لتصل إلى 70% في عام 2050. تستهلك تلك المباني ما يقارب 40% من الطاقة العالمية، و25% من المياه، مطلقةً بذلك ثلث الانبعاثات الغازية المتسببة في الاحتباس الحراري. والمباني الخضراء ستسهم في تخفيض تلك النسب الكبيرة حتى تحافظ على التوازن البيئي لاستمرارية الحياة على طبيعتها لنا وللأجيال الأخرى.

هل يكمن أثر تلك المباني فقط في الحفاظ على البيئة وتوفير بيئة مستدامة؟ لنتخيل معًا يومًا من العمل الشاق واجتماع يمتد لمدة أربع ساعات، تشعر بعدها برغبة شديدة في تجديد الهواء وإراحة جسمك من التعب المثقل عليه. لكن لا يمكنك ذلك، ببساطة لوجود واجبات تحتم عليك البقاء مدةً أطول لإنهائها في الوقت المناسب، بعدها تبدأ أعراض الإرهاق في الظهور تدريجيًا كالصداع والخمول اللذين غالبًا ما يعالَجان بأخذ قيلولة عند فراغك من العمل.

هل للمباني الخضراء تأثير على هذه الأعراض؟

يعلل ماهيش رامانوجام (Mahesh Ramanujam) رئيس مجلس إدارة المباني الخضراء الأميركية الإصابة بتلك الأعراض التي تتكرر بشكل دائم – بسوء التهوية في المكاتب وامتلائها بغاز ثاني أكسيد الكربون.

سوء التهوية والإضاءة أحد أهم مشكلات مكاتب المباني القديمة، لكنها تقل بشكل كبير مع المباني الخضراء التي تعتمد على تقنيات البناء المستدام لتوفير بيئة صحية. وقد تبدو تلك المباني غير مؤثرة على تجربة الحياة اليومية، أي بمعنى أدق هي عملية تظهر نتائجها في المستقبل. وقد تغير الوضع بعد ظهور دراسة حديثة توضح المنافع التي تسهم فيها تلك المباني على صحة الفرد وإنتاجيته.

مؤخرًا قام البروفيسور في جامعة هارفرد جوزيف ألن (Joseph Allen) وفريق عمله من الباحثين بمشروعين يعرفان بدراسات COGfx الممولة من شركة يونايتد تكنولوجيز (United Technologies). وتكفل البحث الأول بتوفير بيئة مراقبة لأربعة وعشرين شخصًا لمدة ستة أيام وُضِعوا في مباني تقليدية مع تحسين التهوية، و مباني خضراء رُفِع فيها معدل التهوية.

كانت النتائج مبهرة، حيث سجل الموظفون العاملون في المباني الخضراء نسبة أعلى في الإنتاجية مقارنةً بإنتاجيتهم في المباني التقليدية المحسنة تهويتها بنسبة 61%. وما كان مبهرًا أكثر هو تسجيل الموظفين لزيادة 101% في إنتاجيتهم عند عملهم في المباني الخضراء المعدل في تهويتها. ستؤثر هذه النتائج حتمًا في الشركات، فكما هو معلوم يركز أصحاب الأعمال على رفع الكفاءة الوظيفية وزيادة الإنتاجية لرفع معدلات الربح لديهم.

تتبّع البحث الثاني 109 موظفين يعملون في 10 مبانٍ مختلفة في أنحاء الولايات المتحدة، 6 من تلك المباني كانت خضراء. وسجلت إنتاجية الموظفين في المباني الخضراء ارتفاعًا بمقدار 26%، إضافة إلى ذلك لوحظت قلة ظهور أعراض الضعف التي تسببها المباني التقليدية كالصداع و حساسية الحلق والشعور بالغثيان، كما تحسّنت فتراتُ النوم لديهم.

الخطوات الأولى

ما زالت المملكة العربية السعودية تخطو خطواتها الأولى في تصميم وتنفيذ المباني الخضراء، فمنذ عام 2010 يُعقَد سنويًا المنتدى السعودي للأبنية الخضراء. ومبادرةً من المنتدى، أُسِّست منظمة غير حكومية تعرف بمسمى «سعف» تعنى بتحقيق بيئة مستدامة من خلال توفير الاستشارات وقد سُجِّلت عدة مدن في أنحاء المملكة لتطبيق معايير البيئة المستدامة لتُعرف لاحقًا بالمدن الخضراء.

يذكر لنا أمين عام المنتدى السعودي للأبنية الخضراء المهندس فيصل الفضل أن رؤية 2030 سترفع سقف التحديات لمشروعات الأبنية الخضراء في السعودية؛ حيث سيصل حجم المشاريع إلى حوالي 3.75 تريليون ريال. في عام 2015، كان نصيب المملكة من مشاريع الأبنية الخضراء قد بلغ 300 مشروع من إجمالي 1500 مشروع موجود في منطقة الشرق الأوسط. وستتراوح الزيادة المتوقعة لتلك المشاريع ما بين 10% إلى 15% سنويًّا مع وجود معظمها في مدينة الرياض لتصبح بذلك «الأبنية الخضراء» من الصناعات ذات النمو السريع خلال السنوات القليلة القادمة.

البيئةالتصميمالطاقةالعمارةالثقافة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية