لماذا تطالب الجماهير صلاح بألّا يكون مجرد لاعب

إذا دعم قضية فلسطين بعد كل هذا التأخير فهو الفائز الأكبر، لأنك حتى لم تقل لنا المبرر الذي لن نقبله: أنك «مجرد لاعب كرة قدم»!

في نشرة أها!

«لا أظن أنه كان بإمكاني إحداث الفارق، أنا لست رجلًا خارقًا، بل رجل عادي وهبه القدير موهبة لعب كرة القدم.»

هذا ليس تبرير اللاعب المصري محمد صلاح حيال صمته الأيام الماضية على ما يحدث من جرائم بشعة في حق مدنيي غزة؛ فما زال صلاح صامتًا. لكن تلك الكلمات هي ما صرح به بيليه ردًا على الانتقادات التي طاولته لعدم اتخاذه موقفًا مناهضًا للديكتاتورية الغاشمة في البرازيل عندما كان لاعبًا.

يبدو أن المأزق الذي يعيشه صلاح ليس بجديد؛ فالجدل الدائر حول موقف لاعب كرة القدم ذي التأثير العالمي إزاء أحداث محلية أو قومية شائكة هو جدل قديم، وفي كل مرة يدور فيه هذا الجدل تظهر جملة بيليه وإن تغير الأسلوب: «مجرد لاعب كرة قدم».

لكن صلاح لا يشبه بيليه أبدًا؛ ليس لأن صلاح لم يكن لاعبًا عبقريًا منذ كان في السابعة عشرة فحسب، بل لأن كرة القدم التي يلعبها تحولت إلى صناعة خالصة تبرز فيها الجماهير كعنصر أساسي في المعادلة، وقد استفاد صلاح من هذا التحول بشكل كبير، وإن كان ذلك لا ينفي أبدًا المجهود الذي بذله ليصل إلى مكانته الحالية.

في بدايات تكوين أسطورة محمد صلاح لم تكن هذه الجماهير إلا نحن، الجماهير المصرية والعربية التي كانت تشاهده بشغف منقطع النظير وتدعمه بكل قوة، وتُصوت لمصلحته في كل الاستفتاءات.

في عام 2018 علق اللاعب جيمس ميلنر على فوز صلاح بجائزة «بوشكاش» التي يقدمها فيفا لأفضل هدف خلال العام بأن هذا لم يكن هدف صلاح الأفضل خلال الموسم، فكيف يكون الهدف الأفضل في العالم!

كان السر ببساطة أن «بوشكاش» مُنحت ذاك العام طبقًا لتصويت الجماهير فقط، حصل صلاح على الجائزة بتصويت بلغ 38% من كامل الأصوات، على رغم وجود أهداف أفضل بشكل واضح.

أتذكر جيدًا كواليس هذا المشهد؛ فقد انطلقت عشرات الحملات في وسائل التواصل الاجتماعى لمناشدة الجماهير بالتصويت لفوز صلاح بهذه الجائزة، كان الجميع يتحدث عن ضرورة ألّا نخذل صلاح المصري العربي في سباق كهذا، ولم يتحدث أحد عن أحقية الهدف بالجائزة أبدًا، بل عن أحقية ظهور صلاح بين الكبار.

أصبح هذا هو النمط الطبيعي في كل مرة يظهر فيها اسم صلاح في قائمة للتصويت من أجل جائزة فردية، حتى إنه في موسمه الأول مع «ليفربول» فاز بأكثر من 34 جائزة فردية كان أكثر من ثلثيها بتصويت الجماهير.

وفي عالم كرة القدم الحديث فهذا الزخم الدائم له ثمن؛ لأن المبدأ البسيط في تضخم أجور اللاعبين هو قدرتهم على جذب الجماهير سواء أكانوا داخل الملعب أم أمام الشاشات. وقد كنا أوفياء لصلاح حتى أصبح مع الوقت أيقونة للكثيرين، ولم نمتلك إلا هواتفنا للتعبير عن هذا الوفاء عامًا بعد عام.

تضخمت أسطورة صلاح خارج الملعب مع الوقت حتى إنه يمتلك حاليًا 62.7 مليون متابع على إنستقرام بينما ناديه العتيق ليفربول لديه 43.4 فقط. وبفضل متابعة صلاح الهائلة على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح وجهًا دعائيًا لعدد من الشركات العالمية في نسختها العربية مثل بيبسي وفودافون.

يدرك صلاح أن الجماهيرية الواسعة تلك حوّلته من مجرد لاعب كرة قدم إلى شخص ذي تأثير واسع، وأن هذا يتبعه بالضرورة دور مجتمعي واضح تجاه عدد من القضايا التي تتماس معه. وهنا انتقى صلاح تلك القضايا، فدافع مثلًا عن احترام المرأة وحقوق الحيوان والمخلفات البلاستيكية في المحيطات، لكنه قرر ببساطة أن يتجاهل أي مشكلة تُلزِمه اتخاذ موقف قد يضر بالقبول الذي حظي به في أوربا.

بعد عشرة أيام من الغموض أعلن الهلال الأحمر المصري تلقيه تبرعًا ماليًا من محمد صلاح لدعم ضحايا غزة، إلا أن مطالبات الجماهير لاعبهم المفضل بالتحدث عن القضية لم تتوقف أبدًا؛ لإدراكهم أن تأثير صلاح في الخارج أقوى من المال ألف مرة، هذا التأثير الذي يشعرون دومًا بأنهم جزء من صناعته. 

كل هذا يشعر الجماهير المصرية والعربية بأن محمد صلاح ليس مجرد لاعب كرة قدم، بل أسطورة أسهموا في صنعها، ولم يتخيلوا قط أن هذه الأسطورة قد تضخمت إلى الحد الذي أصبح من الصعب عليها أن تراهم وتشعر بهم.

في العام التالي من فوز صلاح بجائزة «بوشكاش» قرر الفيفا عدم منح الجائزة طبقًا لتصويت الجماهير فقط، ربما لأنه أدرك أن صلاح لن يخسر أبدًا عندما يتعلق مصيره بيد الجماهير.

والآن هل يدرك صلاح نفسه هذه الحقيقة البسيطة: أن مصيره مرتبط بالجماهير الوفية التي يطل عليها كوجه إعلاني محبوب شبه يوميًا، وأنه إذا دعم قضية فلسطين الآن بعد كل هذا التأخير فهو الفائز الأكبر وليس فلسطين، وأن هذا الصمت قاسٍ للغاية؛ لأنك حتى لم تقل لنا المبرر الذي لن نقبله: أنك «مجرد لاعب كرة قدم»!

الرياضةالقضية الفلسطينيةالمجتمعالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس من

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+70 متابع في آخر 7 أيام