النصيحة.. هل تُطلب أم تُعطى؟
تذكّر أن معروفك في إسداء النصيحة سيكون أعمق أثرًا وأعلى مرتبةً عندما يختار المتلقي النصيحة دون أن يُجبَر عليها.
«تسمع نصيحتي؟» كم مرة وجدت نفسك في موقف يُرغمك على تقديم النصيحة مع أنها لم تُطلب منك؟ قد تكون تبرعت بها رغبةً في مساعدة الآخر الذي فتح لك قلبه وبدأ بالحديث عن موقف صعب يمر به أو مشكلة احتار في حلها، وقد يصعب عليك تمييز المطلوب منك كمتلقٍّ بين الاستماع أو تقديم المشورة، فارتأيت أنّ من الأسلم أن تشارك الآخر همه بتقديم مشورتك.
لكنْ تذكّر إحساسك في كل المرات التي تلقيت فيها نصائح من أشخاص تعرفهم جيدًا، بل حتى الغرباء، بلا أن تطلبها من الأساس! من الطبيعي أن تكون قد شعرت بالغضب أو عدَدْتَها في هذه الحالة تطفلًا على خصوصياتك ولم ترغب في اتباعها في كل الأحوال، ولستَ وحدك في ذلك، إذ إن كثيرًا من الأشخاص يتلقون نصائح غير مرغوب فيها.
أكثر الأشخاص عرضة لتلقي النصائح غير المرغوب بها هم المستجدّون في شؤون الحياة مثل الأمهات الجديدات وطلبة الجامعات الحديثي التخرّج، حتى الشخصيات العامة، بوصفها ضريبة شهرة الوجود تحت الأضواء. ومع ذلك، يمكن لأي شخص أن يكون في الطرف المتلقي للنصائح غير المرغوب فيها ويتعرض لضغوط اجتماعية من الناصحين بسبب الانتقاد أو الحكم على تجربته بناءً على أفكار مسبقة و«شخصنة» الحالة التي يمر بها. عدا أنّ الناصح قد يقدم نصائح سيئة لكونه من غير أهل الاختصاص.
ثقافتنا العربية جُبلت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لذلك تندرج النصيحة في «خانة» التصرف المحمود الذي يدعمه المجتمع، ويُنظر لأصحاب النصيحة بعينٍ إيجابية لكونهم يُسهمون في بناء القيم الأخلاقية للمجتمع.
لكن ماذا إن كان السبب وراء إسداء النصيحة ليس محمودًا؟
قد تستغرب إذا علمت أن هناك سببًا خفيًّا يدفع بعض الأشخاص لإسداء النصيحة هو النرجسية، إذ يرى الباحثون أن فعل النصيحة يعني أن شخصًا ما قد يتّبع الرأي المقترح، وهذا التأثير على سلوك شخص آخر يقود الناصح تلقائيًّا إلى الشعور بمزيد من القوة. كما يعتقد علماء نفس آخرون أن مقدمي النصائح غير المرغوب فيها يميلون إلى امتلاك إحساس كبير بالذات والاندفاع في إسداء آرائهم أكثر من وعيهم الذاتي بقيمة النصيحة؛ لأنهم يسعون إلى الشعور بالسيطرة والنظام.
في الواقع، الأمر ليس سهلًا، بل يحتاج بعض التمرين. إذ يصعب كبح رغبة إشراك الآخرين في تجربتك، بخاصة عندما تشعر أن لديك كل الإجابات. ومع ذلك ينبغي تذكّر أن التبرع بالرأي ليس مرغوبًا دائمًا، ويمكن الاستعاضة عن إغراء النصيحة بدعم الآخرين من خلال إظهار التعاطف معهم وممارسة الاستماع الفعّال دون إبداء رأي.
وإذا أردت أن تنصح فمن الأفضل طلب الإذن قبل التبرع بالنصيحة، مع إجراء تغيير «بسيط» في تركيبة جملة «تسمع نصيحتي؟» لتصبح: «إن رغبت بتلقي نصيحة حول المشكلة أعلمني.» لأنها لا تُرغم المتلقي على الموافقة بدافع اللباقة. تذكّر أن معروفك في إسداء النصيحة سيكون أعمق أثرًا وأعلى مرتبةً عندما يختار المتلقي النصيحة دون أن يُجبَر عليها.
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.