أنت الخاسر الأكبر إذا انقرضت أرشيفات الإنترنت

هل نحن على مشارِف نوع جديد من الانقراضات، انقراض عالم المعرفة والتراث والثقافة الإنترنتيّ الفسيح والمجانيّ؟

في يونيو الماضي، في حادثة غير متوقعة، قفزت شركة «قير باترول» (Gear Patrol) في اللحظة الأخيرة لإنقاذ منصة «دي بي ريفيو» (DPReview) من الإغلاق بشكل تام بشرائها من أمازون، وأنقذتني. 

«دي بي ريفيو» منصة مفتوحة ومنتدى لمراجعات الكاميرات الرقمية وأدوات التصوير المختلفة. وهي الملاذ الأول لأي مصوّر مثلي أنا، محترفًا كان أو هاويًا، لقراءة أو متابعة مراجعات الكاميرات والعدسات وأدوات التصوير. استحوذت عليها أمازون في عام 2007، وبسبب تعثُّر عائدات أمازون المالية أعلنت بداية هذا العام أنها ستُغلق المنصة بالكامل بعد 25 سنة من العمل. وجاء الخبر صدمة كبيرة زلزلت عالم التصوير بسبب الخسارة الجمّة المحتملة لجميع المراجعات وما تحويها من معلومات.

«دي بي ريفيو» ليست المنصة الوحيدة التي تواجه خطر الإغلاق والفناء، فمنصة «أرشيف الإنترنت» المكتبيَّة (The Internet Archive) تواجه معضلات قضائية تهدد بقاء محتواها بعد 27 سنة من تأسيسها، بعد أن خسرت قضيتها الأخيرة ضد دور النشر.

 تختلف هذه المنصة عن الأولى بأنها تثير الكثير من الجدل الأخلاقي عن المحتوى الذي تحتويه. فهي مكتبة رقمية للكثير من الكتب والملفات الصوتية والمطبوعات التي تمت رقمنتها عبر مجتمعها، كما أنها أرشيف للإنترنت على الإنترنت. تهدف هذه المنصة إلى إتاحة المعرفة للجميع، وكان ولا يزال نشاطها الأساسي يعتمد على نسخ صفحات الإنترنت ومن ثم الاحتفاظ بها كأرشيف حتى تكون متاحة حتى بعد أُفول هذا المحتوى على الإنترنت، مثل الكثير من المواقع والمجلات التي لم يعد لها وجود اليوم. 

ولدى هذه المنصة مشروعان جديدان أحدهما مشروع رقمنة الكتب المطبوعة والآخر الذي أسمته «The Great 78»، وهو مشروع لرقمنة التسجيلات القديمة من أواخر القرن التاسع عشر حتى أواخر خمسينيات القرن الماضي.

وفي جدالها عن عرض محتواها قالت إنها تعمل بالضبط مثل أي مكتبة عامَّة حقيقية، بشراء نسخ من الكتب المطبوعة ثم توفيرها للعامة بالاستعارة المؤقتة أو «الاستعارة الرقمية»، وهذا يعني أنك كمستخدم إنترنت تستطيع الوصول إلى الكتاب الرقمي لفترة محدودة فقط. وقد انتشر هذا المبدأ إبّان جائحة كورونا بسبب عدم قدرة الناس على زيارة المكتبات الحقيقية، فلجأت هي الأخرى إلى توفير كتبها للاستعارة الرقمية؛ لأنها الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الناس الوصول إلى الكتب.

وجاء حَنَق دور النشر على جميع المكتبات وليس منصة أرشيف الإنترنت فقط. وكان جدالها بأن توفير الكتب رقميًا للناس يأكل حصّة كبيرة من مبيعاتها الرقمية بسبب وجود سوق حقيقية للكتب الرقمية. ومن ثَم ازداد الوضع سوءًا بعد أن خسرت المنصة قضيتها و«زعلت» شركات التسجيلات هي الأخرى «عليها»، بجدالها بأن المنصة تسرق هذه التسجيلات وتجعلها متاحة للجميع مجانًا.

وفي محاولة مستميتة صرّحت المنصة بأنها ستواصل كفاحها ضد دور النشر وشركات التسجيلات باستئناف القرار القضائي.

كانت هذه مقدمة سريعة لسياق بعض المشكلات التي وقعت فيها بعض المنصات المفتوحة على الإنترنت. الخاسر الحقيقي من وجهة نظري هو أنا وأنت، لأن استخدامنا هذه المنصات شبه يومي أو أسبوعي للبدء في رحلتنا الأولية للبحث عن المعلومة. أما الشركات فتنظر إليها من منظور مادي بحت. هذه المشكلات يمكن أن تطاول حتى «ويكيبيديا» محبوبة الجميع. فهي وإن لم تكن تعاني ماليًا (إلى الآن) وتعتمد على التبرعات سواء المالية من قرّائها أو المجهودات الفردية لمحرّريها حول العالم، تظل معرضة للضغط والاستغلال السياسي والأيديولوجي والحظر.

تتشابه هذه المنصات في رؤيتها إتاحة المعرفة البشرية مجانًا للجميع، وتختلف في تفاصيل المشكلات التي تهدد بقاءها. حتى الآن تفادت هذه المنصات بأعجوبة موتَها، ولكن إلى متى سيستمر هذا الحظ؟ وفي غياب نموذج عمل ربحي وقانوني واضح لضمان استمرارها، هل نحن على مشارِف نوع جديد من الانقراضات، انقراض عالم المعرفة والتراث والثقافة الإنترنتيّ الفسيح والمجانيّ؟

الإنترنتالتقنيةالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام