لماذا لن يعود تويتر أبدًا كما كان

المنصة تبدأ كخيار ترفيهي مفضل للفرد يشارك فيه تفاصيل حياته اليومية بصيغة عفوية، ثم ينتهي به الحال إلى ترسٍ في آلةٍ استهلاكيةٍ ضخمة هو فيها.

تذكر أول مرَّة سجَّلت في تويتر؟ تذكر أول تغريدة لك؟ هذا «اللي» تتذكره إذا تذكرته لم يبقَ منه شيء في تويتر اليوم؛ أصبحَ «إكس» بعد أن كانَ تويتر. كان محمود درويش قد ردَّد: سيأتي الشتاءُ الذي كان، أما تويتر فلن يعودَ كما كان أبدًا، تويتر الذي بدأ بتغريدة حالمةٍ في ربيعِ 2006 لم يبقَ منهُ اليوم شيءٌ من «ذاك الذي كان».

هذا الذي انتهى إليه تويتر ليسَ غريبًا في عالم المنصات، وقد لخَّصه كوري دوكتورو في مقالة بارعة على «وايرد» (Wired) في معنى كيفَ تبدأ المنصة ثم كيف تنتهي. تبدأ المنصة في صورة مجتمع جميل فاعل ونشط ومحب للحياة وتشعر بالانتماء إليه، حتى تتحوَّل إلى فرد مُستهلك دون غايات اتصال اجتماعي، بل لهدفٍ استهلاكي محض. 

دوكتورو أطلقَ على هذا الذي شرحه مصطلحًا سماه (enshittification)، وإذا أردنا ترجمته عربيًّا فالأنسب «الاهتراء». يعني دوكتورو بهذا المصطلح أنَّ كل منصة في أيامها الأولى تحتاج مُستخدمين لإثرائها حتى يكونوا هم عنصر الجذب لمن وراءهم. ويشرح لنا دكتورو هذا السياق من خلال استعراض مثال أمازون. 

أمازون بدأت كمنصة مُفضَّلة للعملاء تبيع لهم منتجات بأقل من أسعار منافسيها وبجودة عالية، وهي إستراتيجية تسعى إلى دحرِ المنافس وإخراجه من السوق. أقبلَ الناس وتكاثروا، باتت أمازون وجهة ممتازة لكل عارض يود بيع سلعته؛ لأن كل العملاء أصبحوا هناك. حينها تُهمل أمازون عملاءها الأفراد إلى عملائها التجار بمعادلة بسيطة للغاية: «من يدفعْ أكثر، يظهر في أعلى نتائج البحث عن السلعة».

هكذا تزيد أمازون أرباحها من الجميع أفرادًا وتجارًا. المنصة مفضلة للفرد؛ لأن كل منافسيها لم يتمكنوا من مجاراتها، والمنصة مفضلة للبائع؛ لأنهُ يصل لأكبر عدد ممكن من المشترين المحتملين لسلعته. ما إن حققت هذا الهدف، رفعت أسعارها على الجميع لأنَّ لا أحد سيتمكَّن من إيجاد بديل لها. واليوم يدفع البائعون أكثر من 45% من قيمة السلعة لأمازون في شكل رسوم لعرضها على المنصة. 

في حالة تويتر الذي أصبحَ «إكس»، يود مالكه إيلون مسك جعله منصة لكل شيء، وهوَ لأجلِ هذا بدأ بتحويل مبالغ مالية دوريَّة للمستخدمين على المنصة، لاجتذاب العارضين على منصةٍ تزدحم بالمستخدمين الذين لن يتمكنوا من إيجادِ بديلٍ منها اليوم بعدما اعتادوا عليها. 

لا ترتفع الأموال المحوَّلة لك بارتفاع عدد متابعيك، لا أبدًا، ترتفع حصتك المالية كلما صنعت محتوى يجذب الإعلانات لدى متابعيك. وترتفع حصتك بزيادة التفاعل الذي تصنعه، أي بزيادة المشاهدين لما تعرض، ومِن ثم زيادة المُعلنين لهؤلاء الذين يُشاهدون ما تعرض. 

هذا يعني أن كل مساحة خاصة لمن تختارهم غير مُرحَّب بها في «إكس» الجديد لأنها تتعارض مع الجذب الإعلاني لما تعرض. لهذا السبب أعلنت «إكس» أنَّ خاصية «السيركل» (النشر الخاص لبعض المتابعين الذين يختارهم صانع المحتوى) ستنتهي بنهاية أكتوبر 2023. 

المنصَّة، أي منصَّة، تبدأ كخيار ترفيهي مُفضَّل للفرد يشارك فيه تفاصيل حياته اليومية بصيغة عفوية، ثم ينتهي به الحال إلى ترسٍ في آلةٍ استهلاكيةٍ ضخمة هو فيها «رقمٌ يحاولُ جلبَ أرقام». 

ولهذا لا تأمل بعودة تويتر كما كان. 

إكستويتروسائل التواصل الاجتماعيالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+670 مشترك في آخر 7 أيام