الهوية الوطنية السعودية ما بين رونالدو وستاربكس
إذا عرفنا من هم على أرضنا وأحبونا فسوف يعرفنا العالم ويثق بنا ويشعر أننا لم نعد «المجهول» الذي يخشى الاقترابُ منه.
سعدت مثل الجميع لدى مشاهدة الفيديو الدعائي الخاص باحتفال نادي النصر باليوم الوطني السعودي حيث ظهر اللاعب كريستيانو رونالدو مؤديًا العرضة السعودية. ومؤخرًا ظهر نجوم رياضيون كُثر مثل نيمار وكريم بنزيما في فيديوهات وصور وهم يحتفلون ويباركون باليوم الوطني. واللافت أن جميع هؤلاء النجوم ارتدوا الزي السعودي (الثوب والشماغ) بطريقة متزنة وأصيلة وكأنهم أبناء البلد، بعيدًا عن الشكل الهزلي الذي كان يظهر فيه الأجانب عادة بالزي السعودي.
للأسف، عندما كنت طفلًا لم يكن الاحتفال باليوم الوطني موجودًا، ولا أذكر أنني مُنحت فرصة كافية لفهم معنى الوطن كما ينبغي، في حين أن معظم دول العالم لديها أيام وطنية خاصة، مثل أيام الاستقلال والتحرير والثورات وغيرها. ليس هذا فحسب، بل إن وجودنا كسعوديين بعامة في الأفلام والمسلسلات الأجنبية حتى الإعلانات كان دائمًا من منظور أجنبي لا ينتمي إلينا ولا إلى ما نحن عليه.
وقد اختلطتُ في فترة مراهقتي بعدد من العوائل الأجنبية (أمريكيين وأوربيين) كانوا جيرانًا لنا في الحي السكني الخاص بموظفي شركة «أرامكو» في مدينة الظهران شرق السعودية، حيث كان يعمل والدي حفظه الله. وكان كثير من السُكان الأجانب، لسبب عجزت عن تفسيره في ذلك الوقت، لا يغادرون أبدًا خارج المجمع السكني، وربما يقضون سنوات وهم لم يشاهدوا من السعودية غير المطار وحيهم السكني!
وهم في الواقع يسكنون معنا، لكن دون أن يعرفونا، وأستطيع أن أقول إننا كمجتمع في ذلك الوقت لم نكن نبذل الجهد الكافي لنعرِّفهم إلينا ولنخفف عنهم من الشعور بالغربة.
أما الآن، فقد أصبح اليوم الوطني السعودي خلال السنوات القليلة الماضية محط أنظار المجتمع؛ ففيه تتنافس الجهات الحكومية والشركات على تقديم أفكار جديدة وبعيدة عن التكرار، وتُظهر الثقافة السعودية بشكلها الصحيح. وفي هذا العام تميزت بعض الجهات، فإعلاناتها لامست المجتمع كله من مواطنين ومقيمين، إما بسبب فكرة الإعلان وإما بسبب شخصيات اللاعبين الأجانب الذين ظهروا في الإعلانات كجزء من المجتمع في السعودية.
في هذا العام كذلك خصص مقهى «ستاربكس» شهر سبتمبر كاملًا للاحتفاء باليوم الوطني السعودي عبر طباعة تصميم بهوية سعودية على أكواب القهوة التي يقدمها للزبائن. ومما أسهم في انتشار الفكرة أن التصميم لمصممة سعودية بإشراف مباشر من وزارة الثقافة السعودية، وليس هنالك وسيلة تصل إلى الجميع أكثر من كوب القهوة!
ما تعلمته من احتفائنا باليوم الوطني السعودي إننا إنْ لم نسوِّق لأنفسنا ولثقافتنا بطريقتنا فحتمًا سوف يأتي غيرنا ويحدد من نحن وماذا يجب أن نكون عليه. فالقوة الناعمة هي وسيلتنا إلى تعريف الأجيال وتوعية من يعشون معنا على أرضنا ولا يعرفوننا بجوهرنا وأخلاقنا؛ وإذا عرفَنا من هم على أرضنا وأحبونا فسوف يعرفنا العالم ويثق بنا ويشعر أننا لم نعد «المجهول» الذي يُخشى الاقترابُ منه.
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.