التخلُّف عن التقنية خيرٌ من التقنية العرجاء

إذا كنت عاجزًا عن تقديم خدمة تقنية فعالة فلا تفعل، ودعنا نحن المستفيدين نتعامل بالطرائق التقليدية. فالتخلُّف عن ركب التقنية أهون.

في الوقت الذي قرَّرتْ فيه عدد من الجهات الحكومية في مصر وقف التعامل بالكاش والالتزام بالدفع غير النقدي مع فرض غرامة في حالة الدفع بالكاش، انتشرت هذه القصة الساخرة.

تحكي القصة أنه في اليوم الأول لتنفيذ هذا القرار كان أول المتقدمين للدفع شابًا متحمسًا لفكرة التحول الرقمي، ولما قدَّم للموظف بطاقة الدفع الإلكتروني أبلغه الأخير أن جهاز السحب معطل، ولذا لا خيار أمامه سوى الدفع «كاش»، وفوقها الغرامة! 😀 

صحيح أنها قصة خيالية، لكني أجد نفسي أعيشها يوميًا على أرض الواقع. 

فأنا أعتمد في تنقُّلي اليومي على أوبر، الذي يفترض أن يوفر لي سيارة بسرعة وأمان، كما يوفر خدمة الدفع الإلكتروني، وهو ما يميزه عن سيارات الأجرة. لكن نادرًا ما أحصل على هذه المزايا من أوبر.

إذ بمجرد قبول السائق الرحلة أتلقى منه رسالة فورية عبر التطبيق نصها «الرحلة كاش ولّا فيزا»؟ أجيبه بأنني اخترت الدفع بالبطاقة، فيطلب مني فورًا إلغاء الرحلة، وإذا رفضتُ ذلك يلغيها هو. تستغرق هذه العملية عدة دقائق ثم يتكرر الأمر مع السائق الثاني والثالث لأجد في النهاية أنني تأخرت عن موعدي.

علمت من أحد السائقين أن سبب هذا الرفض رغبة السائق تحصيل مقابل الرحلة فورًا، بينما دفع العميل بالبطاقة يعني تحصيل السائق نسبته من مقابل الرحلة بعد عدة أيام. أتفهَّم تمامًا أنَّ السائق لديه ألف سبب يجعله راغبًا في العودة إلى المنزل وفي جيبه مال وليس رصيدًا مؤجلًا. لكن في المقابل أتمنى لو يقدم التطبيق مزيَّة حقيقية أستفيد منها، خاصة أن الأمر لا يتعلق بثقافة السائقين لدينا فحسب، بل هي مشكلة عالمية.

لديَّ كاش لكنني أبقيه للضرورة، وأحافظ على كل تعاملاتي المالية بالبطاقات، ولهذا أفضِّل الدفع بالبطاقة لإنجاز رحلاتي اليومية. أما سيارات الأجرة العادية فقد قلَّ عددها جدًّا بعد انتشار سيارات أوبر، وأصبح الحصول عليها يتطلب وقتًا طويلًا.

يصبح الأمر أشدّ سخافة عندما يتعلق بخدمات لا تحتمل التعطيل. فقد قرر البنك الذي فيه حسابي الوحيد إصدار تطبيق «الهاتف المصرفي»، واعتقدت حينها أنَّها خطوة ممتازة تتيح لك متابعة حسابك البنكي ومعاملاتك المالية من هاتفك.

لكنْ تحوَّل هذا التطبيق من مزية إلى عيب جسيم، فهو يتعطل كثيرًا ولا يظهر منه سوى شاشة تحمل رسالة وحيدة «الاتصال مفقود، حاول مرة أخرى». ما يغضبني حقًا هو أنني علمت أن إدارة البنك قررت خفض عدد موظفي خدمة العملاء تزامنًا مع إطلاق التطبيق الذي سينوب عنهم على أكمل وجه. 

والنتيجة، أنني في الوقت الذي أحتاج فيه معلومة عاجلة تتعلق برصيدي أو تدخلًا سريعًا بسبب عدم استجابة بطاقة الدفع في متجر مزدحم، أجد التطبيق معطلًا وأقضي نحو ساعة للوصول إلى أحد ممثلي خدمة العملاء القلَّة.

ربما تتهمني الآن بأنني أعقِّد الأمور وأتجاهل الحل الأسهل: الدفع بالكاش. هذا تحديدًا هو مربط الفرس، فمع كل خدمة تقنية تُقدَّم إلينا لتسهيل الحياة ونقرر الاعتماد عليها يتضاءل وجود البديل التقليدي لها، وتصبح فكرة الرجوع عنها خطوة للخلف أمرًا شاقًا للغاية.

فالخدمات التقنية ليست استعراضًا أو دلالة سطحية على التقدم والتخلص من الماضي، بل تطوُّر إلى عالم جديد بسلوكيات جديدة وبُنيَة فعّالة قوية. فإذا كنت عاجزًا عن تقديم خدمة تقنية فعالة فلا تفعل، ودعنا نحن المستفيدين نتعامل بالطرائق التقليدية. فالتخلُّف عن ركب التقنية أهون من السير فيه أعرجًا. 

التقنيةالمالالمستقبلالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+420 متابع في آخر 7 أيام