لا نحتاج الجنيَّات في أفلام الكرتون

علينا أن نتخلى عن إحدى الأفكار، وهي فكرة الهرب من الواقع. هذه الفكرة في الوقت الحالي أصبحت مستحيلة؛ لأن الطفل اليوم مضطر لمواجهة الواقع.

قرأتُ مؤخرًا مقالة «لماذا أتمنى كأب عودة الجنيات إلى أفلام الكرتون»، ورأيي الآتي: 

أتفق مع الأستاذ محمود عصام من ناحية أن معظم أفلام الكرتون الحديثة تفتقر إلى الخيال بعض الشيء، وأن الأطفال يحتاجون إلى المزيد من الخيال. ولكن أظن أن سبب هذا الاختلاف هو اختلاف الزمن؛ ففي الماضي كان كل ما يحتاجه الأطفال الدراسة بجد لا أكثر ولا أقل، والأمور المعقدة والمحتاجة إلى التفكير العميق والجهد الجاد عقليًا تأتي في مرحلة متقدمة نوعًا ما. 

لكن في عصرنا الحالي يبدأ الأطفال الاعتماد على أنفسهم والتفكير العميق من سن مبكرة للغاية، وعقولهم وأفكارهم تنمو بشكل أسرع من السابق. ولكي يستطيعوا أن يتخطوا كل العقبات التي يصنعها العصر الحالي فإن عليهم أن يبدؤوا بالاجتهاد والعمل الجاد من سن مبكرة للغاية، لأن كلما تقدم البشر ازدادت معاييرهم والأشياء التي عليهم معرفتها من الناحية الاجتماعية والعلمية. ولكي يستطيعوا فعل ذلك يجب أن يتقدموا بشكل أسرع لكي يبدؤوا التأثير في المجتمع. 

بسبب هذا التطور أصبح الأطفال ينضجون عقليًا في سن مبكرة، ويصنعون إنجازاتهم ومسيرتهم من نعومة أظفارهم، والمجتمع يساعد على هذا التطور. لم يعد الطفل مجرد طفل يرغب في المرح واللعب، بل هو شخص يرغب بتطوير نفسه ومَن حوله. وبسبب كل هذه العوامل قلَّ الخيال لدى الأطفال، والقصص القديمة والكلاسيكية التي كنا نستمتع بها في صغرنا -غير مدركين للجوانب غير المنطقية فيها- أصبح أطفال اليوم يرونها مبتذلة وغير معقولة. لذا كان المطلوب حاليًا «خيال لا يتحدى أسس الواقع الثابتة»، ومع ذلك «عالم وردي وجميل مختلف عن واقعنا الرمادي ويقدم فكرة عميقة وبنَّاءة». 

لكن ألا يبدو ذلك متناقضًا ومستحيلًا؟ لذا علينا أن نتخلى عن إحدى الأفكار، وهي فكرة الهرب من الواقع. هذه الفكرة في الوقت الحالي أصبحت مستحيلة؛ لأن الطفل اليوم مضطر لمواجهة الواقع ولا يستطيع الهرب منه، وهذا أمر ضروري لكي يعرف سيئات العالم ومحاسنه؛ لأنه إنْ ظنَّ أن العالم وردي وجميل فسيُصدم؛ لأنه عالم له كثير من السيئات، ومجتمعنا قاس وذو معايير عالية، فإما أن تواجهه وإما أن تظل مختبئًا في أحد أركانه وفي النهاية سيلفظك منه. 

في الماضي كانت تؤجَّل هذه المواجهة إلى سن متقدمة، أما الآن فعلى الطفل من البداية أن يواجه، ومهمة الأبوين هي أن يساعداه على هذه المواجهة حتى يستطيع في المستقبل المقاتلة وحده، وليس وحدهم الآباء من يساعدونه، بل المحيط كله، بما في ذلك الكرتون. 

لهذا السبب يجب أن يحمل العمل فائدة وفكرة عميقة بين السطور ويترك للطفل تلقيها واستيعابها، ولهذا يضطرون إلى إضافة الواقعية وأفكار المجتمع الحالي إلى القصة؛ لكي يرقى العمل إلى المستوى المطلوب، ويساعد على بناء الجيل الجديد كما يُفترض. 

كان هذا رأيي، وشكرًا للقراءة. 

آمنة العطَّاس من مواليد نوفمبر 2012 وأتمَّت الصف الرابع الابتدائي. تكتب القصة القصيرة وترشَّحت إلى مرحلة المخيم الإثرائي في برنامج «أقرأ» التابع لإثراء في نسخته الأخيرة. أرسلت إلينا هذه التدوينة للتعبير عن وجهة نظرها بصفتها طفلة والمتلقِّي لأفلام الكرتون. عدا التدقيق اللغوي حيث يلزم، لم نجرِ أي تعديلات تحريرية. 

الأطفالالحياةالكتابةالمجتمعالرأي
نشرة أها!نشرة أها!نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.