هل «ملح وسمرة» بحاجة إلى الصبغة السمراء؟

سطحية تمثيل ذوي البشرة السمراء وفقر تقديمهم ودعم قضاياهم بشكل منصف وواقعي، وحصرهم في الكوميديا الساخرة، ظاهرةٌ سائدة في الإنتاجات الخليجية.

حين سمعتُ عن مسلسل «ملح وسمرة» الذي يرصد أحداثًا اجتماعية يومية تتعرض لها أفراد عائلة كويتية سمراء تحمستُ لمتابعة حلقات العمل لجرأة الطرح، بخاصة أن الدراما الخليجية لم تسلط الضوء على قضية العنصرية من قبل. لكن المفارقة أن بطلتيه هدى وسحر حسين صبغتا وجهيهما «بصبغة سمراء» لتمثيل أدوار البطولة النسائية في العائلة.

وعلى رغم ملامسة العمل قضية مهمة، فإنَّ صبغ بشرة هدى وسحر حسين أمرٌ عنصري بحد ذاته. إذ أنَّ هناك كوادر فنية خليجية سمراء كان يمكن أن تتناول هذه الأدوار وتعطي مصداقية أكبر للعمل بلا حاجة إلى اللجوء إلى «الصبغة السمراء» والمبالغة في طريقة تصفيف الشعر والأزياء المبهرجة وإظهار الولع بجلسات السمر.

صبغ الممثلين الخليجيين وجوههم بصبغة سمراء ليس بجديد. أساسًا من النادر أن تجد ممثلًا كوميديًا خليجيًا لم يصبغ بشرته لتمثيل شخصية داكنة البشرة؛ لأن «الكاريكاتير» والمبالغة في التوصيف هو جزء من المعادلة الكوميدية التقليدية محليًّا، وللأسف لا يتقن كُثُر استحداث طرق جديدة لكوميديا خالية من القوالب المكررة للتنمر على السمر. من تلك الأمثلة تقليد حبيب الحبيب المطربة عتاب، وظهور ناصر القصبي في شخصية «الزول عثمان»، وأنا أكيدة أن هناك غيرها من الأمثلة التي ملأت الشاشة في السنوات الماضية.

وتماثل «الصبغة السمراء» أداة «الصبغة السوداء» الشهيرة بمصطلح «البلاك فيس» في الثقافة الأمريكية. فبعد قرون من توظيف الصبغة السوداء مع إضافة الشعر الخشن والشفاه الغليظة لتمثيل الأمريكيين السود، أخيرًا أصبح «البلاك فيس» في الثقافة الأمريكية أمرًا مُهينًا؛ لأنها تصورهم على أنهم فصيل مختلف من خلال استخدام لون البشرة كزي ممكن ارتداؤه وخلعه متى شاء الممثل في الأفلام والمسلسلات. ولا تخفى على أحد نعرات العنف والكراهية والظلم التي ظلت ظاهرة في الأفلام والمسلسلات الأمريكية في حصر أدوار الممثلين السود في شخصيات الخادم أو المهرج الراقص أو المجرم.

لكن بالمقارنة مع الثقافة الفنية العربية، الخليجية تحديدًا، سنجد أن الإنتاجات لا تعاني من التنميط العنصري ذاته في الأدوار. لكن لا يمكن أن ننكر أنَّ سطحية تمثيل ذوي البشرة السمراء وفقر تقديمهم ودعم قضاياهم بشكل منصف وواقعي، وحصرهم في الكوميديا الساخرة، ظاهرةٌ سائدة في الإنتاجات الخليجية. 

نجد ذلك جليًا في المسرح الكويتي التجاري عندما يسخر بطل العمل من لون بشرة شخصية سمراء للتندُّر وإضحاك الجمهور. وهو ما يتطرق له «ملح وسمرة» في أحد المشاهد المهمة في الحلقة الأولى، عندما تقرر «عائلة أنور» حضور مسرحية كوميدية لتجد نفسها تتعرض للإهانة من سماع «نكات» عن لون البشرة من الممثل واشتراك الجمهور بالضحك عليها. 

لا تزال الثقافة الخليجية عالقة إلى حدٍّ كبير في دوامة الصورة النمطية وتكرار النماذج القديمة في تمثيل السمر. ولعلَّ الحل يبدأ من توظيف كوادر سمراء في كتابة وتمثيل وإخراج أعمال تعبر عنهم بشكل حقيقي وتمنحهم البطولة، كما فعلت شوندا رايمز عند تأليف أعمال مثل «سكاندال» (Scandal) و«هاو تو قت أواي وذ مردر» (How to get Away with Murder) و«بريدجتون» (Bridgeton). 

قد يرى البعض أنَّ إنتاج عمل خليجي متكامل بعناصر كتابة أو بطولة سمراء ليس بالأمر السهل، لكن «ملح وسمرة»، على رغم عيبه القاتل، يعطي الأمل بتناوله مواضيع اجتماعية حساسة ومسكوتًا عنها، من بينها التمييز العنصري والتنمر والتحرش والطبقية. ولربما يمكننا أن نشهد مستقبلًا مسلسلات خليجية ناجحة تتناول مثل تلك القضايا اعتمادًا على المواهب السمراء ومنحها الفرصة للتألق خارج الصورة النمطية، ودون حاجة إلى «الصبغة السمراء».

العنصريةالمجتمعالمسلسلاتالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+240 متابع في آخر 7 أيام