هوسك بالكولاجين يحرم الأرض من نضارتها

هاجس الشباب الأبدي حالة إنسانية قديمة، وأخشى أن يفقد الإنسان بقية اللون الأخضر على جنته في الأرض بسبب هوسه بشباب خالد لا يبلى.

«إكسير الشباب الأبدي» أسطورةٌ تداولها الإنسان عبر العصور باختلاف الثقافات دون أن يجد بالفعل التركيبة السحرية التي قد توقف علامات الزمن على جسده، لكنْ يبدو أنَّ الكولاجين غدا إكسير شباب هذا العصر. ولا أنكر أنَّي بدوري فكَّرت كثيرًا في إضافة الكولاجين إلى نظامي الصحي بعد تزايد تسويق حسابات المشهورات له في سناب شات، لكن فكرة أن يكون جسدي حقل تجارب دوائية غير مثبتة الفاعلية ظلَّت تقلقني وتجعلني أتراجع.

بدأ الانتباه إلى الكولاجين في سبعينيات القرن الماضي، حيث استُخدم بديلًا للسكَّر، ثم نما طلبه ليصبح مصدرًا عالي القيمة للبروتين الحيواني في كثير من الحميات الغذائية. واليوم يعتلي الكولاجين موجة «الترند»، إذ يروِّج له مشاهير مثل جينفر أنيستون، والتي لا تكفُّ عن مشاركة مقاطع فيديو وصورًا متعددة من خلال حسابها في إنستقرام تبرز فيها استخدامها «الكولاجين». وحتى بعد التشكيك في مصداقية تناول أنيستون الكولاجين بعد خطأ وقعت فيه في أثناء تسويقها له منذ سنوات، هي لا تزال تروّج له.

فعدا عن كوْن الكولاجين «ترند»، هو أيضًا تجارة ضخمة. فقد تضاعفت تجارة الكولاجين في العالم من 3.5 مليار دولار في عام 2018 إلى 8.36 مليار دولار في 2020. ومن المتوقع أن تقدَّر حجم تجارة الكولاجين بنحو 16.7 مليار دولار بحلول عام 2028، مع استمرارية استهدافها الشباب في منتصف العشرينات بدعوى بدء تناقص الكولاجين طبيعيًا من الجسم البشري في هذا العمر.

لكنَّ هوس الإنسان بالشباب والجمال وتعويض «النقص في نضارته» يهدد غابات البرازيل بالزوال. فلأجل الحصول على مقدار الكولاجين الذي يغطي الإدمان العالمي على كل ما يعاكس الزمن أو يبطئه، تجري إزالة مساحات من غابات الأمازون، وسط سوء معاملة سكان تلك الغابات على نحو يؤجج مخاوفهم؛ وذلك لإنشاء مزارع تربية الماشية التي تُستخرج مادة الكولاجين من أجسامها. 

وعلى خلاف صناعة اللحوم والصويا، فالشركات المصنِّعة للكولاجين لا تتحمَّل أي مسؤولية قانونية في متابعة الأثر البيئي لصناعتها. والكولاجين ليس ضمن المواد المذكورة في القوانين الأوربية البريطانية المضادة لإزالة الغابات. 

كل هذه العواقب البيئية تحدث دون معلومات مؤكدة بالفعل عن مدى فاعلية الكولاجين في تجديد شباب الإنسان. فالدراسات التي تروِّج للنتائج الإيجابية عن مدى فاعلية الكولاجين يشوبها الانحياز؛ لكون تلك الدراسات ممولة من الشركات المصنِّعة للكولاجين، أو من مؤسسات بحثية ذات علاقة بالشركات المصنِّعة. 

هذا إلى جانب عدم معرفتنا بما تحتويه أصلًا أقراص الكولاجين. فإدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة لا تراجع مكونات المكملات الغذائية للتأكد من سلامتها أو فعاليتها قبل بيعها على المستهلكين. أيضًا، في حالة فاعلية الأقراص، فإن زيادة اعتماد الإنسان عليها تعطِّل تبنِّيه العادات الصحية التي تزيد الكولاجين في جسده طبيعيًا.

هاجس الشباب الأبدي حالة إنسانية قديمة قِدَم وجود الإنسان، فقد حدَّثنا القرآن الكريم عن شجرة الخُلد التي طمع أبونا آدم عليه السلام في قطف ثمارها لينال بقاءً وشبابًا أبديًا، فكان طمعه في الخلود سبب خروجه من الجنة. وأخشى أن يفقد الإنسان بقية اللون الأخضر على جنته في الأرض بسبب هوسه بشباب خالد لا يبلى.

الإنسانالبيئةالشبابالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام