هل أنت مصاب بالاكتناز الرقمي؟
مثلما يكمن الشفاء من الاكتناز القهري برمي الخردة خارج بيتك، فالشفاء من الاكتناز الرقمي يكمن في حذف تلك الملفات والقوائم بكل أشكالها.
وجدت حاسوبي الشخصي ينبهني إلى اكتظاظه بالملفات وأنَّ لا مساحة لديه لأي ملف جديد. قررت حينئذ أن أمسح بعض الملفات القديمة، وأول ما اصطدمت به ثلاثية «العراب» التي أحتفظ بها منذ امتلكت حاسوبًا للمرة الأولى. هممت أن أضغط على زر الحذف لكنني لم أستطع أبدًا، رغم معرفتي بتوافرها على «نتفلكس» مثل بقية الأفلام الكلاسيكية.
هنا اكتشفت أنني أواجه صعوبة في التخلص من عدد كبير من الملفات لارتباطي عاطفيًا بها، أو لاعتقادي أنني ربما أحتاجها فيما بعد. لذا، على ما يبدو، فأنا مصاب بـ«الاكتناز الرقمي».
الاكتناز الرقمي ببساطة هو النسخة الحديثة من «الاكتناز القهري» حيث يجد الفرد صعوبة مستمرة في التخلص من الممتلكات بغض النظر عن قيمتها الفعلية لوجود اعتقاد دائم بالاحتياج إلى تلك الممتلكات فيما بعد. ويبدأ الاكتناز الرقمي عندما تصبح عملية حفظ الملف عملية قهريّة، حيث يشعر الشخص بالقلق إن لم يحفظ الملف ظنًّا منه أنَّه قد يحتاج مستقبلًا الوصول إليه. ويشجع على الاكتناز الرقمي قدرة الذاكرة الحاسوبية -والآن السحابية- على تخزين كثير من المعلومات.
وإذا كان الاكتناز القهري يتركك وحيدًا وسط المئات من «الكراكيب» العديمة النفع، فإن الاكتناز الرقمي يتسلل داخلك ليصيبك بالقلق والكآبة دون أن تشعر؛ فقدماك لا تتخبطان ذهابًا ومجيئًا في الملفات والمناشير والتغريدات التي احتفظت بها.
من أهم دوافع الاكتناز الرقمي ظاهرة «الخوف من أن يفوتنا شيء» والشهيرة بمصطلح «فومو». هذا الخوف هو الذي يجعلك ببساطة تفرط في وضع إشارات مرجعية «بوك مارك» في تويتر وفيسبوك وإنستقرام وقوائم البريد وعلى كل محتوى لا تملك الوقت الكافي للاطلاع عليه، لكنك في الوقت نفسه تخاف أن تفوتك قراءته وتفقد هذه الفرصة إلى الأبد.
كذلك، يشير بعض مصابي الاكتناز الرقمي إلى ارتباط عاطفي بالملفات التي يجمعونها، مثل الصور التي تجمعهم بأحبائهم الحاليين أو القدامى والرسائل المتبادلة بينهم. لذلك يجدون صعوبة كبيرة في اتخاذ قرار بحذف تلك الملفات بشكل دائم.
إن لم تكن متأكدًا من إصابتك بالاكتناز الرقمي، إليك هذه الدلائل: صندوق بريد ممتلئ، هاتف يعج بصور لا قيمة لها، تطبيقات كثيرة غير مستخدمة، و«آي كلاود» أشبه بغرفة الخردة، قوائم طويلة من حلقات بودكاست ومقاطع يوتيوب محفوظة منذ سنوات ولم تطلع عليها، مجموعة ضخمة من الأصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي لا تعرفهم ولا تكترث لأمرهم لكنك لا تقوى على إلغاء الصداقة بينكم.
لا تبتئس، ففي الواقع جميعنا نعاني من عرض أو اثنين. أنا شخصيًا أملك ملفات لعدد من مشاريع الكتابة غير الناجحة التي انتهت صلاحيتها إلى الأبد، لكنني لا أحذفها. وعوضًا عن ذلك، كلما أجدها أمامي أشعر بشيء من الضيق لكونها مجرد فرص ضائعة.
ومثلما يكمن الشفاء من الاكتناز القهري برمي الخردة خارج بيتك، حتى تلك التي تربطك بها علاقة عاطفية، فالشفاء من الاكتناز الرقمي يكمن في حذف تلك الملفات والقوائم بكل أشكالها إلى الأبد. فنحن قادرون على صناعة ملفات أفضل من تلك التي نخاف حذفها، والمحتوى الذي لم تملك وقتًا للاطلاع عليه لشهور وربما سنوات لن تقرأه لاحقًا. أما استعادة الذكريات فهي أمرٌ لا يتعلق أبدًا بالصور، بل بما نحمله في عقولنا وقلوبنا.
أما إذا كنت من محبي ثلاثية «العراب» فعليك ألا تكرر الخطأ الذي اقترفته وتحذف الأجزاء الثلاثة، لأن «نتفلكس» لا توفر إلا الجزء الأول والثاني فقط!
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.